مدينة السُلطان هيثم.. نموذج للتعايش الاجتماعي

د. عائشة بنت عبدالله العلوية

مفهوم المدن المستدامة يعد مثار تساؤل لدى الكثيرين، ويمكن تعريفها بأنها "مدينة تستخدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحسين نوعية الحياة، ورفع كفاءة العمليات والخدمات الحضرية والقدرة على المنافسة"، وفقًا للاتحاد الدولي للاتصالات (ITU). وأعلنت وزارة الإسكان والتخطيط العمراني عن تدشين أول مدينه ذكية أُطلق عليها "مدينة السلطان هيثم" تستوعب 200 ألف نسمة، وتطرح خيارات سكنية متعددة، وتطبق أحدث ما وصلت إليه المدن الذكيه من تطبيقات تكنولوجية، إضافة إلى تخطيط حضري يسهل الوصول إلى مرافق المدينة والتنقل بينها بسهولة وأمان.

ستكون مدينة السلطان هيثم هي المدينة التي ستتجاوز أخطاء التخطيط الحضري بالنمط الذي تبنته السلطنة على مدى خمسة عقود، في ظل تغيرات مناخية لم تتمكن معها مدن تعتبر حديثة من الصمود، فانهارت البني الأساسية كالطرق وأنظمة الاتصالات، وعجزت كثير من أنظمة الحماية القائمة من حماية المدن من الفيضانات، وتكبدت الحكومة ملايين الريالات في إعادة البناء، وتجاوز بعض الهفوات في التصميم والتنفيذ.

مدينة السلطان هيثم قيمة حضارية لاهتمامها بترسيخ قيم التعايش بين مختلف أفراد المجتمع؛ فهي "مدينة للجميع"؛ وهذه العبارة حرفيًا مُعبِّرة عن مبدأ المساواة، ويُحسب لهذه المدينة عدم الحياد عن قيم التعايش الاجتماعي والاقتصادي كطابعٍ تتصف به المدينة التقليدية العُمانية، ويتجاوز هذا المبدأ أحد العيوب البنيوية في مجتمعات الرفاه الاجتماعي، التي لا تُمكِّن مختلف الطبقات الاجتماعية من التعايش فيما بينها، بفعل الحواجز الاقتصادية. بمعني آخر، أن التفاوت الاقتصادي بين الأسر والأفراد يؤدي إلى وجود فجوة بين تلك الطبقات في المجتمع الواحد أو المدينة الواحدة، بين مختلف الطبقات الاقتصادية في المجتمع، وتنشأ بدلًا عنها حواجز مانعة للتفاعل الطبيعي بين الطبقات. ويحق لنا الافتخار بنموذجنا العماني الأصيل؛ لأنه يختلف عن نماذج المدن الذكية في منطقتنا الإقليمية؛ إذ كانت هذه المدن بمثابة تكتلات اقتصادية اجتماعية معزولة بالجدران والحراسة الأمنية.

لقد خصصت مدينة السلطان هيثم 5% من الوحدات السكنية لتكون منحًا للمسجلين في برنامج المساعدات السكنية؛ بما يعادل 1000 وحدة سكنية لألف أسرة، ستكون ضمن النسيج الاجتماعي بمدينة فخمة وعصرية ومتكاملة الخدمات. وهذا البرنامج- كما يعلم القارىء الكريم- برنامج منح سكنية لا تسترد، لمن لا يجاوز دخله 325 ريالًا عمانيًا، وغالبية هذه الشريحة واقعة تحت مظلة الضمان الاجتماعي، ولذا فإنني أُثمِّن هذه اللفتة من القائمين على مشروع المدينة، فمن بين إيجابياته تخفيف الجدل الدائر حول عدم تكافؤ الفرص لجميع أفراد المجتمع وترجمة عملية بأن المدينة للجميع. ومن وحهة نظري أرى انسجام هذا التوجه مع توصيات أطلقها البنك الدولي (تقرير 2020): "لإصلاح الجغرافيا الاقتصادية، والتفاوت الاجتماعي، والمكاني، داخل المدن التي اتسعت هوتها بشكل غير مسبوق"، حسب ما ذكر التقرير.

تمويليًا تم الاشتغال على حزم تمويل مرنة مع البنوك المحلية؛ بما فيها بنك الإسكان العماني، فتملك الافراد سيكون احد محركات الاقتصادية لمدينة السلطان هيثم، وبالتالي لم يفت المخططين هذا الجانب وتم التفاوض مع البنوك المحلية لتخفيض سعر الفائدة على القروض من 5.5% إلى 3.5% لدفع المواطنين إلى تمويل شراء الوحدات السكنية، كما ستستفيد المحافظ الإقراضية للبنوك من هذه العمليات الإقراضية؛ فحجم المدينة كبير نسبيًا؛ حيث إنه يضم 20 ألف وحدة سكنية متنوعة، وفي الجانب الآخر تم الاتفاق مع بنك الإسكان العماني على رفع سقف القروض الحالي الذي لا يتجاوز 60 ألف ريال عماني إلى 80 ألفًا، بهدف تشجيع البنك على الدخول في عمليات الإقراض لتمويل الأفراد الراغبين بالتملك في مدينة السلطان هيثم، من بين خيارات السكن المتاحة كالفلل المنفصلة، وشبه المنفصلة، والشقق التاون هاوس، في 19 حيًا متكاملَ المرافق والخدمات؛ كالمرافق الدينية والصحية والتعليمية.

إنَّ ترقية مستوى المدن التقليدية إلى مدن ذكية خيارٌ آخر لتطوير العناصر ذات الصلة، من خلال تسهيل الحياة فيها، عبر تطوير أنظمة النقل وادارتها عن بعد؛ لأن تحسين نوعية الحياة يتطلب اللجوء إلى توظيف تطبيقات التكنولوجيا المعلومات والاتصالات هو المنهج الذي أصبح يتبناه المخططون لخدمة أنظمة النقل، وتنظيم حركة المرور، وإدارة النفايات، إضافة إلى اللجوء إلى استخدام الطاقة النظيفة، ومصادر الطاقة المتجددة في تشغيل المرافق.

لقد طورت كل من مدن: مشهد والرياض وموسكو وسنغافورة، عددًا من التطبيقات لتسهيل الحياة فيها، وترقية مستوى المعيشة؛ فمدينة الرياض طبقت نظام النقل الذكي، وسنغافورة اعتمدت تطبيق سنغافورة الافتراضية، وفالنيسيا (إسبانيا) طوّرت نظام الموشرات الحضري الذي يساعد على اتخاذ القرار، ونظام آخر لتوفير الطاقة باستخدام أجهزة استشعار "إل إي دي" وإنترنت الأشياء لتقليل التلوث الضوئى وخفض تكلفة التشغيل. أما مدينة مشهد فقد ساعد تطبيق ذكي تم اعتماده في سهولة جمع المخلفات القابلة للتدوير، وأتوقع أن مدنًا عمانية تقليدية ستشهد هذه النقلة النوعية لتنضم إلى مصاف المدن الذكية بفضل توظيف التكنولوجيا التي أصبحت خيار المخططين والمطورين الأول في تحسين نوعية الحياة.

تعليق عبر الفيس بوك