القرية العالقة (7)

 

 

حمد الناصري

كانت الريح الشرقية، والمُسمّاة عند البحّارة بـ " الكوسْ" تُحرّك نسيمًا فاترًا، عليلًا.. بغتة غشَيَ المكان ضبابٌ كثيف من جِهة البحر.. فتحوّلت الأنظار، صَوب البحر.

كان جبل قريتنا شامخًا، لكأنه يحمل إرثًا مِعْماريًا، رُكّبت فوقه قرية البحر العالقة، تُؤكّد بأنّ تلك العِمارة بإرثها المِعْماري كخُصوصية محلية، وكجذور عميقة، لا تَقبل أنْ يُمارىَ فيها؟

لا تزال عين أحمد مُمَدّدة في العِمارة الخالدة بطابعها المحلّي الخالد، قلعة شامخة، تعلو الجبل، تقف بصلابة فوق حصيّاتها الصّلْدة، تَبين معَالمها بوضوح.. ثمّ أدلف قائلًا، لو كان الرجال باقين، لما تهاوىَ هذا الإرث، ولما شكىَ يومًا من الهجْر أو ظلّ باكيًا على أنفاسٍ كانتْ تتردّد بين جنباته.

ظلّ حمود واجمًا لا يتكلم ولا يتحرّك كما لو أنه أصيب بفجعة أو عِلّة. توقّف كليًا عن الكلام، كأنه أصيب بِفُجأة ما.

هزّ رأسه. وكأنه يصرف أحمد عن حوار دار بينهما:

ـ كان بأعلى قِمّة الجبل الشامخ نُتوءات ومُنحدرات صَعبة، حذّر منها كبار الرجال، وكان للجبل مَمَرٌ واحد لا يسير به غير الرجال الأقوياء، ويَمُرّ عبر عُنق المَمَرّ الضيّق الْتواءات وحصيّات قاسية، وصَفَهُ أحد مُعمّري قرية الجبل بأنه جسرٌ عتيق، يُمَهّد لأهل الجبل الوصول بسهولة إلى القرية الساحلية.

وقد وصَف ذلك الرجل سيرة أهل القرية والجبل بأنهم رجال ذو صلابة وشِدة في المواقف الصَعبة وعلى لِيْن في المواقف التي تحتاج إلى التعامل مع البشر.

ناهيك عن وصف العابرين والمُسافرين، عبر المَمَر الضيّق، الذين لا يتوقفون عنه جيئة وذهابًا، وذلك المَمر البحري عميق، تمخرهُ سُفن كبيرة وتعبره سُفن صغيرة، وقوارب صيد تجوبه في هدوء، مَمر عامرٌ لا يتوقف.

أحد المُستكشفين وصف المَمرّ البحري العميق.. بأنه بوابة حصينة منذ سِنين طويلة، تُحصنه من بأس الأشرار وعُنقه الضيّقة ترمز إلى حُقب زمنية غابرة، خلتْ على أهلها بمقام كبير وتركت في أغوارها قوة عظيمة النشأة سحيقة الزمن، مجهولة الابْتداء، مُنقطعة الرسوخ، والجبل الرأس أو فك الأسد، شامخٌ بالْتواءاته، يقف صلبًا بوحشية، وقد عُرف رأس الجبل، بفكّ الحوت.

وللجبل قريتان الأعلى والسُفلى، قال أحد العابرين واصفًا نساء قرية الراس، ونساء الجبل الأسفل وصْفًا يليق بهنّ: إنّهن كمُؤنسات غاليات، لهنّ أنفس كريمة بعزة العِفّة، وجوههنّ مُشرقة بالمروءة، مُترفعات عن كل ما يخدش حياؤهنّ، انظر إليهنّ خلسة، فأراني استشعر لذّة الشروق من وجوههن، يَرتدين ملابس تقليدية لا يَحِدْن عنها وفي أرجلهن حُليّ، تُصدر حلقته على مِعْصَم الأرجل صوتًا يُجلجل المكان. وصِبْية القريتين، يحملون في أيديهم مقابض حديدية، يقبض عليها، بانْتصار نفس شامخة قِيْل لي بأنّ تلك المقابض الحديدية، كعادة مُتوارثة منذ القِدَم. وأنها تستمد عُنفوانها من قيم عربية أصيلة، وغدت رمز للرجولة.

تبسّم أحمد، وقال مُعلقا:

ـ أتذكّر أنّ أبي قال مرة، أنّ الجبل وقُراه العالية والمَمر العميق، أغلى ما يُورثه الزمن للقرية، فلنتمسّك به إذنْ ونُدافع عن بقائه كمُلكًا مُتوارثًا لا يشترك أحد مَعنا به، حتى وإنْ ذهبنا جميعًا عن بَكرة أبينا.

ظلّ أحمد صامتًا يُقلب كفّيه ثم استطرد:

ـ وليس ذلك ببعيد، أنْ تتهافت القرى البعيدة والقريبة لأخذ نصيبها منه ولو بالقوة؛ والسؤال الذي لا يتوقّف عن دهشتي به، هو هل سيخسر رجالنا مَمرّهم العميق ويستسلمون بعد أنْ جابوا الأرض شرقًا وغربًا وعَمروها بالطّيْب والتعايش أكثر مِمّا عَمروها بالمباني الشامخة؟

قال حمود وقد سحب نفسًا عميقًا:

ـ إني أؤكد لك.. أننا لن نخسر شيئًا مُطلقًا، نحن جميعًا كأبيك عبدالله الجبل، لا نخاف ولا نفزع.. رجالنا كانوا أقوياء في ماضي الزمن البعيد، وذلك العهد ولّدَ رجالًا أقوياء، وسَيولّدون رجالٌ يَلحقون بهم ورجال آخرون، الموت أهون لهم من شربة ماء، إنهم ذُرّية تلحق بعضها وفي تتالٍ مُستمر، لا ينقصهم شُموخ ولا عِزّة نفس، وهُم في ذُروة القِيَم كالجبل الاشمّ يُواجهون الموت بصلابة وجَلد وتحدٍّ، يُورثونها لمن خلفهم في الأرض والقرية والجبل.. ولا تجدهم يتنازعون بينهم إلا ويَغفرون، ويتبادلون ويتجاذبون، كالورد والبساتين، وطنهم العميق في وجدانهم، وكذلك هُم يَفعلون رجالًا ونساءً، وصِبْيانهم من بَعدهم يُوزعون لأهلهم المُثل والقِيَم وهُم عليها قائمون.

بدا عليهما المساء هادئًا، فأخذ الصمت والسكوت يُخيم على المكان ورانتْ قلوبهم إلى ترويض الانصات لفعل قادم.

ذهب أحمد وخاله إلى رجل من القريتين.. وسأله حمود قائلًا:

- يا عمّ نحن جئنا إليك، ما كُنا لنقطع أمرًا حتى نُشهدك عليه، ونتبيّن معرفته منك، وهذا الذي يُرافقني، هو أحمد بن عبدالله بن ناصر الشايح، وابن خديجة بنت نَصير جبل الراس وأم أحمد هيَ ابنت أختي الشموخ بنت الأسعد شيخ قرية الاعلى العالقة في رأس المَمر الضيق أو جبل الراس أطلق عليه البحارة العابرون، بـ"فك الأسد".. اعتقد أنك تتذكّر باقي التفاصيل.

ضحك الرجل قائلا:

ـ أتراني قادرًا على نسيان ذلك الموقف.

نظر إلى أحمد باسمًا:

ـ جدتك الشموخ، شَجّت رأسي ذات مرة، ولم أجد لِمَن اشتكيها غير أبيها الاسعد، فتنازلتُ مُكرهًا، وإني أطالبك بالتعويض.

عقّب أحمد بذكاء وفطنة:

ـ جدتي لا تزال باقية، ما رأيك أنْ تسير معنا لنسألها فيما تدعيِّه عليها.؟

قال الرجل حكيم القريتين:

ـ قالوا قديمًا، الشُبل من الأسد..

كان الحكيم سعيد يتحلّى بروح الدعابة، ضحك كثيرا واهتزت نواجذهُ وضحك مع حمود خال خديجة، قال أحمد مُتعجبًا:

ـ ما بال ضحكتك اليوم، إنها تبدو أكثر انشراحًا يا جدي سعيد.

ـ أضحكتي- يا أحمد- تعبيرًا عن سيرة قديمة، أردتُ بها كَسْر حِدّة ما خطر على بالي أيام شبابي. ضِحْكة كان موقفها صَعب يومئذ، لم يكن التوفيق صوابها، مكسورة الحظ الجميل .. لم تُجانبها الحُظوة المُتوقعة، وكانت الجهود تقوم على أنْساقٍ مُتنافرة، وعلى أطراف مُتقطّعة، ومشاعر مكسورة .. تغيّرت أمزجتها، وباتت كشراب لا طعم لها، مالتْ إلى السواد، واشتدت بالدُّهْم، وغدتْ السيرة العطرة مقطوعة الثمرة وضُربت في مخدع غير ناعم، انتهتْ إلى حدّ السَراب المُشتّت، وتلاشى كل شيء، ومن يومئذ، انغمستُ في وحْل سَرابهُ كبِقِيعةٍ غير مُستقرة، لا انبساط لها، ولكنّ الظمآن يروي عطشهُ من ذلك الأمل البعيد،ذا المشاعر الغامضة وقد وضعها في صَرّتهِ وضاق بها ذرعًا فأهلكته ثم لم يجدها شيئًا، غير ماضٍ جميل، ملأتْ حياته وشيئًا مُهمًا لم يبق منه سوى الجميل منه.

سحب نفسًا عميقًا يُهدّي به داخله، وزفرهُ مرة واحدة، ونظر إلى احمد بعينين مُفتحتين، وأردف:

ـ ولكن أنت ذكّرها.. قُل لها التقيتُ بجدي سَعيد، المعروف بالحكيم. يقول إنكِ شَجّيتِ رأسه بحجارة. انتبه أمّك ذكية وفَطِنة.

خاف حمود خال خديجة أنْ يتطوّر الحديث بين عبدالله والحكيم سعيد، فينحى بهما إلى شيء آخر أو يتصادم أحمد مع الحكيم بكلام مُختلف عن المُراد المقصود، فما يَعْنِيه الحكيم أنه كان يُحب خديجة قبل زواجها من عبدالله، ولكنه رُفض من قِبَلها.

وتحدّث حمود بتروي، وحرص على إظهار الوجه الحسن الجميل وعلى مظهر يليق بقيم الاختلاف، وبعيدًا عن كلام الحكيم، فقال بقناعة الواثق:

ـ لا يعلم أحدنا أين تكمن سعادته، ولا تأتي الراحة النفسية، من بواطن الاختلاف ولا من واقع نصطدم به، وما حدث يومئذ، لا يجب أنْ نراهُ لامعًا لخاصّتنا، فالحياة برمّتها- يا سعيد- عقل رزين وفِعْل حكيم، والاختلاف دومًا فضيلة والدربُ الشائك لا يسلكهُ عاقل، فلنتمسّك برفاق الدرب وإنْ اختلفنا، وكل عَتب ليس على قدر الصَواب قد يأخذنا إلى مسار مُختلف.

مدّ نظرهُ إلى احمد نظرة انتباه، وأردف:

ـ كان جدك، والد خديجة رجل شَهم، وكان شيخًا كبيرًا على راس قرى الجبل الثلاث المُطلة على المَمر العميق، وقرى الرؤوس على سلسلتهن تمتد كحبل سري، كخيمة مُقوسة، وترى الرجال في تناغم مع الجبال تأتلف سجيّتهم مع السلسلة الاخرى في صلابتها وتتعرّج إلى ما لا نهاية لها ناعمة وصَلدة.. وترتبط بالسلسلة الاخرى برباط وثيق، مُتحد غير مُتفرق، كأنما حبل سري يمدّها بقوة البقاء.

ولا أمتدح أحدًا بما لا يستحق، فالشيخ ناصر رجل ذو فكر ديني كبير وقد تخاصم مع سعيد الحكيم، لمسألة فكرية دينية بحتة. ولا أجد مُحَرّمًا، إنْ ادّعيت بأنّ صداقة مَتينة تجمع بين الشيخ ناصر والحكيم سعيد العميقة، والحقيقة، فأنا لا أنوي إظهار اختلاف الرجلين الكبيرين، ولا أجد مُحرّمًا القول فيهما، ولا أحمل حقدًا على أحد ولا أريد أنْ يَفهم أحدًا ـ مُشيرًا إلى أحمد والحكيم سعيد ـ بطريقة مُختلفة، فأنا بطبعي لا أتعاطف مع أحدٍ تعاطفًا مُبالغًا فيه، ولا أسلك سُلوكًا مُثيرًا جامح أو مُتهافت، فالثراء العاطفي عندي غير مُشين ويُثبت بالتوافق وإنْ قلّ، وكل قول سَيء، قد يجد توافقًا لكنه مَسؤول عنه. ذلك لأن سُلوك البشر ليس طبيعة في النفس، ولا مِعْيار لظروف ما؛ فالمِعْيار الحقيقي هو ما يُلائمها تقاربًا وتآلفًا.

اهتز جسد أحمد وانتفض جانبه، توتر وقلق وبدا عليه تلعثم وارتباك، وأخذ يُفكّر في كلام الحكيم، وتعقيب خاله، فخشيَ حمود أنْ يتسرّب لغط الحديث عن قصة اختلاف الحكيم سعيد مع شيخ الجبل جَدّ أحمد من أمه فأردف مُبيّنًا لأحمد:

ـ إنّ خِصام جدّك الاسْعد، والحكيم سعيد، كما يبدو لي، أنه غير مُبين وربما كان موقفًا حادثًا، على أثر تخاصم أهل القرية العالقة وأهل قرية الجبل الأعلى والراس.. وكان جدك الأسْعد اتخذ قرية الراس سكنًا، فهي القلب النابض لبقية القرى، وأطلق عليه رجال الساحل المُهادن، لقب أسْعد الراس.

وسعيد الحكيم- هذا وأشار إليه- أراد فصل القريتين، الاعلى والسفالة، وإبْقاء قرية الراس في قبضة جدك الأسعد المعروف بـ أسعد الراس، ومنذ القِدَم ، فقرية الراس هي الأهم؛ لكونها المَمر الاعظم، وُصف ذلك الراس بأنه أخطر التضاريس الجبلية في عُمقه بحر يجري من تحته حبل سري، مَشيمته قرية السفالة كخيمة جبلية عالقة بصَلابة رغم قساوة الحبل المُمتد، ومن تلك القِمّة القاسية بتضاريسها الجبلية الصّعبة، تولّدت تسمية، القرية العالقة.

وعلى حسب علمي، أن جدّك أسعد الراس لم يقبل بفكرة سعيد الحكيم وعارض تقسيم قرى راس الجبل وأصرّ على إبْقائها على مُسمّياتها الاولى.

وقد ادّعى الحكيم، أنّ فكرة التقسيم مُواتية، فالقرى مُبعثرة على مُنحدرات جبلية وعلى تنوع عرقي. بينما جدك ظلّ مُعارضًا الفكرة ويرى أنّ تقسيمها، يُضعف قوتها ويُشتت شَمل أهلها الذين عُرفوا بصلابة قوامهم وعنفوان شموخهم، إنهم يتشابهون في مسلكهم بجبالهم، وأقرب بتماسكهم بأغوارهم، ومنذ مئات السنين المجهولة منها والمعلومة، عاشوا على تنوعهم الفطري وآمنوا به، وإني أرى ذلك الاختلاف ليس كبيرًا ولا يحتاج إلى تقسيمات وزعامات، وأرى أنّ جدك قد جانب الصواب، حين أكّد على بقاء مشيخة القرى الثلاث: الراس- الاعلى- السفالة، تحت نفوذ عائلة واحدة، وهي عائلة شيخ راس الجبل، أسعد الراس.

ضحك الحكيم سعيد وغمز إلى حمود، وقال مُعقبًا:

ـ نعم، أتفق معك، وأرى ما تراهُ فعلًا وحقيقة، فالرجل المجهول، بدا كأنه إنسان مُتَعدٍ على مَشيختهن، وأنّ شيخ راس الجبل، هم أحقّ بضمّ القرى الثلاث على أسس واضحة، فالحجارة صَلدة، والقسوة تتصاعد، وبثلاثتهنّ كأنهنّ رُكّبْنَ فوق بعض.. إني أثق فيما ذهبت إليه من قول ثابت، فحين ترى بعينك المُجرّدة وتتراءى لك بحدّ الشُوف، بأنّ تلكم القرى جميعهنّ، مُتجاورات لكأنّ الواحدة منهنّ رُكّبت فوق الأخرى، أو كلّ واحدة قد التصقت بجسد الاخرى.

ابتسم الحكيم في داخله وأدرك بأنّ حمود يُريد تغيير مجرى الحديث لكي لا يفطن أحمد ويُدرك بخطر ما يتحدثان به.

فقال حمود- مُشيرًا بأصبعه إلى سعيد الحكيم- بذكاء وفطنة:

ـ عمي سعيد، نحن جئناك لنسألك عن القريتين وقصتهما؟ فهل لك أنْ تُعرّفنا، كيف سقطتا في أعماق البحر وكيف تكوّن مكانهما هذا الجبل العظيم؟

قال الحكيم سَعيد:

ـ نعم، عُرف راس الجبل، براس فك الاسد، وراس الجبل يُعدّ واحدٌ من أكبر وأعمق المَمرات التاريخية، وصار يُشكّل عنق الزجاجة لكل العابرين، وعُمقه البعيد، جعل العابرين والمُسافرين يَستكشفون أنه كرجاء صالح للسُفن العابرة الصغيرة والكبيرة، وهو خير سبيل يدعو للفخر والاعتزاز لقريتنا الشامخة التي استطاعت بعظمتها التاريخية، وجبالها الشامخة، وبحارها العميقة أنْ تصنع من الماء العميق أعجوبة زمانها ولم يزل ذلك السِحر التاريخي يُهادن أعداءه بحذر وفِطْنة.

ولا ريب فقد استطاع أحد رجاله- رجال راس الجبل- الذين شَهِد لهم الناس بالمكانة والثقة والمعرفة والاعتداد بالنفس، كمثل ذلك البحار العظيم، بحار القرية العالقة، والتي عُرفت لاحقًا بقرية الراس، وحين توسّعت قرية الراس، قُسّمت إلى أعلى وأسفل.. ويُعتبر ذلك البحار العظيم، هو من بيت ماجد الأسْعد.. وأن البحار العظيم عُرف باسم أحمد البحار، لأنه كان مهووسًا بركوب البحر واكتشاف عوالم غُموضه، وسبر أغوار أعماقه وخلجانه، ولُقب اختصارًا، بالبحار ابن ماجد، واسمه الشهير أحمد ابن ماجد الاسعد، وهو من عائلة الشهابي التي تنتمي إليها.

وقد قِيْل إنّ التسمية ترجع إلى أصل الفِعل، فأحمد البحار، هو نفسه احمد بن ماجد الاسعد الشهابي. وقد قرأت مرة في كتاب قديم بعنوان لؤلؤة البحر ابن ماجد، وكان مدخل الكتاب مُقدمة رائعة، عرّفت به، بأنه كان مجيدًا في أعمال البحر، أقرأ لك بعض كُتب في مدخل الكتاب.. شبّ البحار أحمد الماجد، يافعًا مَفتونًا بالبحر وأهواله وصُنوفه.. أغْرته زُرقته وعُمق قيعانه، فاكتشف أسْراره وأُحِيط عِلْمًا بأسرارها.. مما دفعه إلى تأليف كتاب عن أسرار البحر العميق، وكان يصف، غلظة طبقاته وظلامه المُتدرج، وصفًا لم يسبقه إليه كائن بشري، كان وصفًا دقيقًا وعبقريًا مليئًا بالغموض، واسع المعرفة بأسراره، سجّل لنا عالمٌ مُرعب، وجاء بفرضيات مُمكنة في أسرار البحر وعوالمه الغامضة، واعتقد بأنّ البحر عالم مجهول، مُخيف يمكن يومًا أن يهاجم اليابسة ويغمرها بالماء، فتتقلص مساحتها الآمنة.

ذلك الكتاب العظيم "أسرار البحر" قد كشف الأسرار العميقة، نشأتها وصَدْعها، وقيعانها، وتقسيمات طبقاتها، بحارًا وعوالم مجهولة مخيفة ومُرعبة، وسجل لنا عجائب مُدهشة في عالم غامض مَجهول، لن يصل إليه أحد، مُبينًا، أنّ آية خَلق البحر تدل على عظمة مُعجزة كونية، دقيقة التدبير والإحاطة بالنشأة والتكوين، منها ما عَلِمناهُ ومنها ما لم نعلمهُ بتاتًا.

وأقرأ لك مُقتطفًا من مقدمة كتاب أسرار البحار العظيم لابن ماجد: "والفُلك تجري لِمُستقر لها في البحر، ذاهبة وآيبة، ذلك تقدير سَيرها، تمخر عُبابه، طُلوعًا وغُروبًا فتزيدها الشمس بريقًا وهيبة".

يُتبع....

تعليق عبر الفيس بوك