قراءة في الصفقة الأمريكية الإيرانية

 

وافي الجرادي

algradiwafi@gmail.com

 

في العاشر من أغسطس الجاري جرى الإعلان عن اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران لإطلاق سراح 5 سجناء (مزدوجي الجنسية)، في مُقابل الإفراج عن 6 مليارات دولار من الأصول الإيرانية، التي سبق وأن جمّدتها الإدارة الأمريكية في كوريا الجنوبية، وقد بذلت كل من قطر وسلطنة عمان ومنذ 3 سنوات جهودًا، ورعت مباحثات ونقاشات غير مباشرة بين إيران والولايات المتحدة؛ بغية تقارب وجهات النظر المختلفة، والمساهمة في إبرام اتفاقيات من شأنها أن تُنهي معضلة الملف النووي، إلى جانب ملفات وقضايا عدة تهم المنطقة والعالم، إلّا أن النجاح كُتب لملف الأسرى بين الجانبين الأمريكي والإيراني ويبقى الملف النووي عالقًا.

تتحدث تقارير عن أن الولايات المتحدة فرضت قيودًا على الأموال الإيرانية الجاري رفع التجميد عنها من بنوك كوريا الجنوبية؛ حيث سيتم إرسال الأموال إلى سويسرا ومنها سيتم تحويلها إلى بنوك قطرية على أن يتم استخدام هذه الأموال لأغراض إنسانية ومدنية مثل الغذاء والدواء وما إلى ذلك، ما يعني أن الموقف الأمريكي يخشى أن تُسخدم هذه الأموال في تمويل أنشطة عسكرية، وهو ما تعتبره بمثابة تهديدات تتعارض مع سياساتها وأمنها القومي.

بينما الجانب الإيراني والذي عانى ومنذ عقود من جور العقوبات الأمريكية والدولية، يواجه الكثير من المصاعب والمخاطر وما تزايد احتجاجات الشارع الإيراني إلا دلائل واضحة على أن الحياة المعيشية والواقع هناك صعب ومأزوم، وأن صفقة كهذه ستدر على الخزينة الإيرانية أموالًا ستُسهم في إصلاحات يشعرُ من خلالها المواطن الإيراني بتحسن دخله وبالتالي مستواه المعيشي.

لا يعني الإتفاق الإيراني الأمريكي بالإفراج عن السجناء وتسلٌّم طهران 6 مليارات دولار من أصولها المُجمّدة في كوريا الجنوبية، أن ثمة حلول جذرية لكل الإشكاليات بين الجانبين، فقد سبق وأن أبرمت واشنطن وطهران عدة اتفاقيات في هذا الجانب وحدثت الكثير من الصفقات، وتعود أول صفقة بينهما لثمانينات القرن الماضي وما عُرف حينها بـ"إيران- كونترا"، إلى جانب صفقات أخرى في نهاية العقد المنصرم، ما يعني أن ثمة إرث تاريخي لدى الجانبين فيما يتعلق بتبادل الرهائن، ولم يعد حدثًا طارئًا وجديدًا.

القول إن هذا الاتفاق سيقود إلى إنهاء الخلافات وعودة العلاقات، أمر يصعب تأكيده في ظل بقاء الموانع الأمريكية والإيرانية دون تغيير، رغم تنامي الغضب العالمي حيال أمريكا، وتراجع نفوذها، وبروز قوى عالمية على المشهد السياسي والاقتصادي والعسكري أيضًا.

ورغم العداء المتواصل بين واشنطن وطهران، وعمق الشرخ الحاصل بين الجانبين، وانخراط إيران وبشكل علني في دعم روسيا لمواجهة أوكرانيا والغرب؛ إلّا أن هذا الاتفاق يثير الكثير من الدهشة، ويضع المزيد من التساؤلات حول الكيفية التي بُنيَّ على أساسها، والتي وبكل تأكيد تدعم وتتفق مع القول إن ثمة أسباب دفعت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لإبرام صفقة كهذه، ولها من السياقات الداخلية والإقليمية الكثير. داخليًا.. وكما هو معتاد على الإدارات الأمريكية المتعاقبة أن تحقق نجاحًا في ملفٍ ما، تستطيع من خلاله كسب آراء الشارع الأمريكي ومن ثم حصد الأصوات في الانتخابات المقبلة، لهذا تحاول إدارة بايدن من خلال هذا الاتفاق تحقيق نجاحًا في الانتخابات المقبلة.

أما السياقات الخارجية من الاتفاق؛ فالإدارة الأمريكية وبحكم تراجع نفوذها عالميًا، وانخراط إيران في الصراع الروسي الأوكراني من خلال تزويد الروس بالطائرات المُسيّرة وبالعتاد العسكري ومحاولة الإدارة الأمريكية ألّا تنخرط إيران أكثر في إمداد موسكو بالطائرات والمُسيّرات، إلى جانب محاولة أمريكا النأي عن أي صراعات بينها وبين إيران في منطقة الخليج الغنية بالنفط وتهدئة الأوضاع، فقد اضطرت لإبرام هذا الاتفاق مع الجانب الإيراني وربما حصلت على تعهدات من الجانب الايراني بخصوص ملفات وقضايا عده في المنطقة، ما أسهمَ في إنجاح الصفقةِ بين الجانبين.

إيران وما تواجهه من أزمات اقتصادية واجتماعية بحاجة لإبرام المزيد من الصفقات والتي ستُمكّنها من الحصول على أرصدتها المُجمّدة بفعل العقوبات الأمريكية والغربية، والتي معظمها يندرج ضمن نطاق "العقوبات غير الشرعية أو أٌحادية الجانب"، لهذا فإن اتفاقًا كهذا يُعد نجاحًا يُحسب للقيادة الإيرانية الحالية، ويُمكنها من الاستفادة منه في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب أن لهذا الاتفاق تداعياته الإيجابية على مستوى التعاطي الإقليمي مع الحكومة والاقتصاد الإيراني معًا.

** كاتب يمني

تعليق عبر الفيس بوك