أنيسة الهوتية
يظن أغلب المؤمنين بالبرمجة العقلية والذهنية المنظومية والقطيعية أن الفرد الخارج منها هو المختلف الشاذ عن النظام الأساسي للمنظومة والمنسلخ من قاعدة القطيع وَقوانينهِ الثابتة التي يجب عليهم اتباعها حرفيًا لعدم تعريضِ توازن كيانه الذي يتبعونه بتقديس تام للاختلال حتى لا ينهار فيتسبب بسقوط التابعين المنتمين له واحدًا تلو الآخر لأنهم لا حياة لهم خارج القطيع ولا يشعرون بالانتماء لأي شيء آخر خارجه ولا لأنفسهم، إلا إن كانوا مع البقية!
وكأنهم في حالة خدران ذهني منساقون بالتنويم المغناطيسي الذي يتجرعونه بالابتزاز المشاعري والاستفزاز العاطفي في طقوسهم التجمعية مِن فرعونهم وهامانهِ مع محاولات جلب ضحايا آخرين إلى القطيع لزيادة عددهم تمجيدًا للقوة وتجنيدهم لمحاربة كل من خرج عن القطيع حين أدركَ نفسهُ وَأقفل زِر "الواي فاي" الخاص بدماغه، منعًا لبث برنامج غسيل الدماغ والابتزاز العاطفي على قنواتهِ الذهنية والعقلية من إذاعتهم، واستطاع إزالة الضمادة التي وضعت على بصرهِ حتى يعجز عن رؤية المراعي الخضراء المفتوحة خارج الأسوار الضيقة المُحيطةِ بالقطيع، والتي هي أرضٌ بور، ومستنقع راكد لا تستوعب عقول الساكنين فيهِ عقول كياناتٍ عاشت في الأنهار والبحار والمُحيطات، فيشيرون إليهمِ بأنهم مختلفون بشذوذ قبيح عن المجموعة.
هذا يذكرني ببرنامج الأطفال التعليمي "افتح يا سمسم" مع أغنية "وواحد مختلف لا ينتمي لهذه المجموعة"، وَحينها كان يتم عرض أربعة صور؛ ثلاث مِنها تتشابه وواحدة مختلفة! وَعلى جمال البرنامج التعليمي إلا أن بعض الأطفالِ كبروا بعقلية باهتة كمثل عقلية أصحاب القطيع بقناعة أن الواحد المختلف خطأ والمتشابه صح! رغم أن المقطع التعليمي كان للتوعية الذهنية على استيعاب الشيء المختلف وليسَ تصنيفه على أنه خطأ!
الواقع والمنطق يقولان معًا أن ليس كل مختلف خطأ ما دام يمشي على قاعدة "لا ضرر ولا ضرار"، ومفاهيم الدين والإنسانية لم تنص على وقف التعامل مع المختلف، إلا إذا كانَ مؤذيا للنفس والقلب، والأذى هنا ربما يكون ناتجًا نابعًا من أعماق الشخص المتأذي من حقد وحسد وغيرة على المختلف المًتميز عنه، ولا يشترط أن يكون المختلف هو المؤذي. إلّا أن قانون القطيع هو الاتباع والانتماء والاتحاد على الشر والخير، فإن كره أحدهم الجميع يكره ما كرهه، وإن أحبَ أحدهم الجميع يحب ما أحبه، وهَلُم جرًا مُسلِّمينَ لبعضهم البعض مشاعرهم فيجرونها كحقيبة سفر متنقلة بين المطارات محكومٌ عليها بـ"الجرجرة" الشاقة وإن كانت العواطف التي بداخلها تستنجد لإحساسها بالخطأ إلا أن لا سامع لها ولا مجيب.
والحكم الظالم الذي تتعرض له تلك اللوحة الفنية المتحركة هو حكم الزائرين لها في المعرض، كمثلِ حكم أولئك الأطفال بأن الواحد المختلف هو الشاذ الخطأ! متهمين له بأنه يتبع قانون (خالف تُعرف) وهو ليس كذلك! ويتهمونه بأنه مسبب لاختلال التوازن البيئي الاجتماعي والواقع أن الاختلال ليس في اختلافهِ عنهم بل في عدمِ قبولِ اختلافه منهم.
وإن كانت المجموعة أصح والفرد خطأ، لكانت زوجة أب "ساندريلا" وأخواتها هم أبطال القصة، وَهي الفتاة النشاز! وَ"بيلا" هي المختلة في حبها للوحش وتركها لقريتها و"غاستون" من أجله! و"شريك" هو الغول القذر السيئ والبقية كانوا يهاجمونه للمحافظة على سلامِ بيئتهم الأمنية!
حسنًا.. دعنا من "الفيري تيلز" (القصص الخيالية) ولنتحدث عن القصص الواقعية التي ذكرها القرآن الكريم، وإن كانت المجموعة هي الأصح دائمًا فإن إخوة يوسف عليه السلام لم يخطئوا حين اجتمعوا عليه وقذفوه في البئر!
الاختلال ليسَ أن يتفرد شخصٌ باستكشاف عقله ونفسه والواقع حوله، إنما الاختلال هو أن تتبع المجموعة نظامًا بناه فردٌ ليستفيد منه ومنهم.