ناقوس الخطر يدق على الكيان الأسري

 

 

حمد الناصري

انبرتْ وسائل الإعلام العالمية تتحدث بحماس عن قوانين حماية المرأة والطفل وسُبل تمكين المرأة سواء بمناسبة أو بدون، وأصبح هذا الموضوع شُغل تلك المنصّات والصحف الشاغل، وعُقدت المؤتمرات واللقاءات لوضع أو لتحديث مواثيق وقوانين رعاية الأسرة برعاية أممية وتتشدّق دول بعينها بدورها في وضع تلك القوانين والمُبادرة بتطبيقها وحث الدول الأخرى على تطبيقها . فما هي حقيقة تلك المواثيق؟ وما هي شروطها؟ وما هي أهداف برامجها وتشريعاتها؟

في رسالة تُعد من أخطر الأطروحات للباحثة كاميليا حلمي، قدمتها للحصول على درجة الدكتوراه بجامعة طرابلس بلبنان للعام الجامعي 1440هـ، والتي كانت تعمل في مكاتب الأمم المتحدة، تقول الدكتورة كامليا حلمي: "وبعد أن يتم تنفيذ المتفق عليه من بنود هذه الاتفاقيات، تبدأ مرحلة الضغط لرفع التحفظات التي وضعتها الدول على بنود الاتفاقيات التي رأت هذه الدول استحالة الموافقة عليها وتطبيقها؛ لتعارضها الشديد إما مع الدين والقيم التي تحكم المجتمعات، وإما مع الدساتير والقوانين الوطنية".

وتأتي الضغوط الدولية بأشكالها المتعددة؛ لجعل تلك الاتفاقيات المرجعية التشريعية الوحيدة التي تحلّ محلّ كل المرجعيات التشريعية لشعوب العالم، في تناقض غريب بين ما تدّعيه منظمة الأمم المتحدة من حماية للديمقراطية والحرّيات، ومن احترام الثقافات وأديان شعوب العالم المختلفة، وبين ما تُمارسه بالفعل على أرض الواقع.

لقد كرَّم الإسلام المرأة وجعلها مُجتمعاً كاملاً، فيها يصلح المجتمع وبها ينهدم المجتمع ويتشتّت الكيان الأسري وتتفرق الأسر والكيانات الاجتماعية. يقول الشيخ أحمد الخليلي في إحدى لقاءاته، يُقال إنّ المرأة نصف المجتمع والحقيقة هي المجتمع بأكمله.

نعم، فالمرأة في المجتمع الإسلامي تحظى بحقوق كاملة وكرامتها مُصانة، ناهيك عن أنّ كرامة الرجل مُصانة كعامل أساس للكيان الأسري المُتضمنة رعاية الأبناء وإدامة وتوطيد صِلة المودة التي تعهّد بها الزوجان لحياة أسرية مُستقرة. ومن تلك الحقوق في الإسلام، حق المرأة بالحياة والكسب والزواج والتعلم والإرث، وحين تُقَدّر الأحوال بفكّ ذلك الرباط الأسري كفلها بحق النفقة.

ومن أطروحة الباحثة نقتطف رأيها في منظومة القانون الدولي لحقوق الإنسان، ومضامين إستراتيجياتها وآلياتها وتفاصيلها التي يُؤدي أكثرها لتدمير الأسرة واستئصالها من جذورها بصورة كاملة. وهو ما يُمثل تهديداً ليس للمجتمعات الإسلامية فحسب، بل للوجود البشري بأسره.

ولمّا كان مُمثلو الدول الكبرى قد صاغوا الميثاق العالمي لحقوق الانسان، في باريس في 10 ديسمبر 1948 بموجب  قرار أممي، بوصفه المعيار المشترك المُستهدف لكافة الشعوب والأمم، وللمرة الأولى حدد حقوق الإنسان الأساسية التي يتعين حمايتها عالميا.. وهي 30 مادة. وذلك الاعتراف جاء كوثيقة تاريخية مهمة في تاريخ حقوق الإنسان القانونية والثقافية. وجميعها مواد ثابتة، اهتمت بالكرامة الإنسانية المُتمثلة في أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المُتساوية على أساس الحرية والعدل والسلام في العالم.

وفي الآونة الأخيرة، بدأت الحضارة الغربية المَعنية بحقوق الإنسان تنهار وتتمزّق ولم تلتزم بثوابت الحقوق الإنسانية ولا بصونها أو حفظها، وفي أحد الفيديوهات التي مرّت عليّ مثلاً، أنه أصبح في كاليفورنيا في الولايات المتحدة من حق الوالدين قتل الطفل في مَهده حتى عُمر الستة أشهر!!! وليس فقط حق الإجهاض للجنين في رحم أمه، بمعنى آخر من حق الأسرة طلب قتل طفلها غير المرغوب فيه لأسباب خاصة، ككراهة الأبوين طفلهما بسبب صحته أو وضعه الخلقي أو ... والسؤال: أين هي الأمم المتحدة ومنظمة حقوق الإنسان والمرأة والطفل؟

في القرآن الكريم تفاصيل كثيرة عن حقوق المرأة في سُورة النساء، أنّ المرأة بلغتْ مقاماً عادلاً وراقياً تستحقه في الإسلام، وقد سُئل نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم: من أولى الناس بحسن صحابتي أو صُحبتي، فقال أمك. ثم من؟ كررها ثلاثا وكانت الإجابة، ثم أمك، وفي الرابعة قال ثم أبوك؟ وكرم الإسلام المرأة فجعل الزواج منها آية تُقرأ "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة"، وفي خطبة حجة الوداع قال عليه الصلاة والسلام: "استوصوا بالنساء خيراً، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله"؛ فأيّ عِز وأية كرامة وأيّ صَون وحفظ حقوق بعد هذا!

نحن لا نحتاج إلى مُعاهدة لنعطي المرأة والطفل حقوقهما، ولدينا كتاب الله فيه تفصيل لكلّ الحقوق، وكلام الله لا يَعلوه كلام ولا ميثاق، وهو العهد الذي لا ينقضي زمنه ولا تنتهي صلاحيته.

وأخيراً: نقول إنّ الإسلام كرّم الإنسان بشكل عام والمرأة بشكل خاص وجعلها عزيزة كريمة مُصانة في عرضها وفي شرفها وفي مكانتها وفي قيمتها الإنسانية كالجوهرة الثمينة، ولا يَغرّنا بُكاء التماسيح في وسائل الإعلام الغربية على مُعاناة المرأة المُسلمة، وعمَّا تتعرّض له في البلدان الإسلامية من اضطهاد وظُلم فأقصى ما يتمنونه هو عُري وتهتّك المرأة وجعلها سلعة رخيصة تُباع وتشترى في أسواق النخاسة كما يجري في مُجتمعاتهم، وتُقدّم كمتعة رخيصة بهائمية بلا كرامة ولا عِفّة من أجل شهوات عرّابي الحضارة الغربية المُتفسخة فالحرّية بمفهومهم هي حرية مُمارسة الجنس كالحيوانات وتعاطي الخمور والمُخدرات لتحويل البشر إلى مَخلوقات غرائزية مَنزوعة العقل والأخلاق والوعي.

تعليق عبر الفيس بوك