مشاريع كسولة.. وسوق مكتظة

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

ما زلتُ أتساءل عن قدرة القطاع الخاص على استيعاب كم الباحثين عن عمل، وتوظيف الكوادر والكفاءات الوطنية، وهو القطاع الذي يعاني من كثير من الانتكاسات، والكثير من العثرات، وهو قطاع صغير ومحدود وضعيف في نفس الوقت، إلا ما رَحِم ربي؛ فمعظم المشاريع الفردية قائمة على "الاستنساخ"، والقروض البنكية، وهي لذلك حلقة ضعيفة في سلسلة المنظومة الاقتصادية المحلية، وأقصد بالاستنساخ تلك المشاريع ذات الكلفة القليلة، والأفكار المتشابهة؛ ففي كل فترة تشاهد الكثير من المشاريع ذات الفكرة الواحدة، تظهر فجأة في السوق، وتنتشر كانتشار النار في الهشيم، ولا يكلف التاجر فيها نفسه إدخال أي إضافات، أو الاشتغال على بعض التفاصيل المختلفة -على الأقل- للتميز عن المشروع الآخر.

فحين يرى البعض أنَّ مشروعًا ما قد نجح، يبدأون في إقامة ذات المشروع، وبنفس المواصفات، ولو كان ذلك في نفس المنطقة التجارية، وعلى حساب النوع والكم، وأبسط مثال على ذلك، محلات "شاي الكرك" أو مطاعم "المندي" اللذان ظهرا في فترة سابقة، أو محلات "غسيل السيارات" اليدوية التي ظهرت مؤخرا، حيث امتلأت البلاد بها، وأصبح بين كل محل ومحل محل آخر يشبهه!! يقدم نفس السلعة، وبنفس المواصفات، ونفس الأدوات، فالتاجر الصغير يرى في مثل هذه المشاريع ملاذا آمنا من الخسائر المفاجئة، حتى ولو كان عدد هذه المحلات يفيض عن حاجة السوق، ولكنها في كل أحوالها لا تحتاج إلا إلى عدد قليل من العمال الوافدين، وأدوات بسيطة -قد يشتريها العامل نفسه- لذلك تجد أن معظم المشاريع البسيطة تتجه إلى تلك المشاريع المستنسخة، ولو أن شخصا أتى بفكرة أخرى مبتكرة في السوق، ذات كلفة بسيطة، فستجد في اليوم التالي أن الشارع امتلأ بنفس المشروع؛ فالأفكار الكسولة، والمشاريع الجاهزة والمعلبة لا تحتاج للكثير من الجهد، والوقت، والطاقة، والمال.

ما أريد إيصاله أن مثل هذه المشاريع وغيرها كمحلات "الحلاقة، وغسيل الملابس...إلخ"، لن تكون قادرة على تشغيل الشباب العمانيين، كما يريدها "قانون العمل"، ولن تكون إضافة نوعية للتجارة والاقتصاد الوطني، ولن تشكل فارقا يُذكر في سوق العمل الذي تتطلع إليه الدولة، ولا أعتقد أن شابا عمانيا يبحث عن عمل، سيلتحق بمثل هذه المشاريع البسيطة، والتي تعيش على "قوت يومها"، بمعنى أن دخلها يذهب بين المصروفات التشغيلية، والفواتير، والإيجارات، ورواتب العمال، ولا يمكن أن تكون ملاذا آمنا للباحثين عن عمل، ولن يثق الشباب فيها كمصدر ثابت للدخل، وستشكل عبئاً على صناديق التقاعد، والأمان الوظيفي، لأنها مشاريع بسيطة، يديرها في معظم الأحيان الوافدون.

طبعًا لا يُمكن منع مثل هذه المشاريع، ولكن يُمكن تقنين وضعها، حيث تقوم الجهة المسؤولة بدراسة المنطقة، ومدى حاجتها لأنشطة إضافية من ذات النوع، بحيث يمر طلب افتتاح نشاط تجاري من هذا النوع بدراسة تكشف حاجة الموقع الذي يريد صاحب النشاط إضافته له، وأن يُكتفى بعدد مُعين في كل نطاق تجاري؛ وذلك حماية للمشاريع المماثلة، وفي نفس الوقت حماية لصاحب المشروع الجديد، فكلما قلَّ العرض زاد الطلب كما هي قاعدة السوق، وبهذا "قد" يفتح هذا التقنين مجالا أفضل للتطوير، والابتكار، وربما التعمين مستقبلا لهذه الأنشطة البسيطة.