"ضغوطات العمل".. مسار سلبي يؤدي إلى "الاحتراق الوظيفي"!

الرؤية- سارة العبرية

تؤثر ضغوطات العمل بشكل مباشر على الصحة النفسية لدى الموظفين، وهو ما ينعكس سلبا على القدرة الإنتاجية وعلى حياتهم الاجتماعية والصحية، ولذلك تسعى العديد من المنظمات إلى التخفيف من تأثير ضغوط العمل واعتماد استراتيجيات متنوعة لإدارة هذه الضغوط.

وتشير إحصائيات صادرة عن منظمة الصحة العالمية إلى أن نحو 15% من البالغين في سن العمل عانوا من اضطرابات نفسية خلال عام 2019، لافتة إلى أنه بسبب الاكتئاب والقلق يتم إهدار نحو 12 مليار يوم عمل كل عام، وهو ما يكلف الاقتصاد تريليون دولار سنويا من الإنتاجية المهدرة.

ويرى الدكتور إبراهيم الفريح استشاري الطب النفسي في المدينة الطبية بجامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية، أن الاحتراق الوظيفي يُعدُّ مشكلة شائعة في بيئة العمل ولا يُصنَّف على أنه مرض نفسي، إذ إنه تم اعتماد هذا المفهوم من قِبل منظمة الصحة العالمية في دليلها التشخيصي للأمراض والاضطرابات، مبينا: "الاحتراق الوظيفي ظاهرة شائعة في بيئات العمل المُجهِدة والمُضطرِبة، حيث تظهر له ثلاثة أعراض رئيسية وهي: الشعور المُستمر بالتعب النفسي والجسدي، ووجود أفكار ومشاعر سلبية تتعلق بالعمل، وتراجع الأداء والإنتاجية".

ويؤكد أهمية الصحة النفسية في بيئة العمل؛ نظرًا لارتباطها الوثيق بالصحة الجسدية، حيث إن الأشخاص الذين يتعرضون للتوتر والضغوط النفسية المستمرة يكونون عُرضة للإصابة بمشاكل صحية مثل ارتفاع ضغط الدم ومشاكل السكري وأمراض القلب والجلطات، مضيفاً أنَّ معالجة الجانب النفسي تساهم في حل المشاكل الجسدية لدى الأفراد، كما أن الاضطرابات النفسية لا تمنع الإنسان من أداء مهام عمله بشكل كامل؛ حيث يمكن أن يعاني الأفراد من الاكتئاب والقلق ومع ذلك يؤدون مهامهم الوظيفية بفاعلية.

ويتابع الفريح: "هناك أشخاص مصابون بالاضطرابات النفسية في جميع المجتمعات، وهناك تقديرات ودراسات عالمية تشير إلى أن نسبة الأشخاص الذين سيعانون من اضطرابات نفسية في مرحلة من حياتهم تتراوح بين 30 إلى 40%".

د. إبراهيم الفريح.jpg
 

ويلفت الدكتور إبراهيم الفريح إلى أن عدم الاهتمام بالصحة النفسية في بيئة العمل يترتب عليه تداعيات اقتصادية جسيمة؛ إذ تشير الأبحاث والدراسات إلى أنه يتم صرف حوالي 125 مليار دولار سنويًا في الولايات المتحدة الأمريكية لعلاج الضغوط النفسية في بيئة العمل، ويصل الاحتراق الوظيفي إلى أعلى الأسباب التي تُكبِّد الشركات والمؤسسات خسائر تصل إلى 51 مليار دولار بسبب غياب الموظفين عن العمل بسبب الاكتئاب، كما تُظهِر الدراسات أن الإجهاد والتوتر يتسبب في غياب ما يُقارب مليون موظف يوميًا في العالم.

ويقول الدكتورعزيز بن ناصر النعماني أخصائي أول الأمراض النفسية والعصبية بمركز القمة للرعاية الطبية، إن ضغوط العمل تتمثل في التغيرات النفسية والجسمية والسلوكية التى تحدث للفرد فى ردود أفعاله أثناء مواجهته للمواقف المحيطه به، مضيفا أنه على الفرد أن يتعلم كيف يواجه هذه الضغوط وتحديد مصادرها بعوامل تنظيمية تتعلق بالعمل وعوامل شخصية تتعلق بالفرد نفسه.

ويوضح: "لكي يتحرر المرء من الضغوط السلبية في العمل، يجب تحليل مسببات الضغط السلبي الذى يواجه الموظف، وذلك عن طريق الوعي بالضغط ونوعه ثم التعرف على أسباب ونتائج هذا الضغط، ثم البحث عن فروض لحل هذا الضغط ومن ثم تطبيقها، وكذلك عدم تهويل الضغط الواقع والبدء فى التفكير بمنطقية، إذ يمكن تقسيم المهام وضبط الجدول اليومي مع الوضع في الاعتبار مشاعر القلق والضغط بأنها مشاعر مؤقته ولا تدوم وتنتهي بانتهاء المُسبب، بالإضافة إلى وضع حدود حاسمة مع الأشخاص السلبيين الذين يمتهنون الشكوى فى كل شاردة وواردة داخل بيئة العمل، كما أن ممارسة الرياضة تُعزز الانتباه والتركيز طوال اليوم".

د. عزيز النعماني.jpg
 

ويشير إلى أن من أفضل الطرق لتنظيم اليوم، البدء بتنظيم الساعة البيولوجية أو عدد ساعات النوم، لتعزيز صحة الدماغ والخلايا العصبية، والمحافظة على شرب الماء بانتظام لأنه يعمل على تنظيم الهضم مما ينعكس إيجابيا على نشاط أجهزه الجسم،كما أنه لابد من وضع خطة تعليمية لصقل المهارات الشخصية والعملية والاستفادة منها في العمل لإنجاز المهام بشكل أسرع.

ويمكن للحكومات وأصحاب العمل والمنظمات التي تمثل العاملين وأصحاب المصلحة الأخرى المسؤولة عن صحة وسلامة العاملين، أن يساهموا في تحسين الصحة النفسية في محيط العمل من خلال اتخاذ إجراءات تهدف إلى الوقاية من اضطرابات الصحة النفسية المرتبطة بالعمل، وذلك بحماية وتعزيز الصحة النفسية في مكان العمل، وتقديم الدعم للعاملين الذين يعانون من اضطرابات صحة نفسية ليشاركوا ويزدهروا في بيئة العمل.

كما يجب توفير بيئة مواتية للتغيير واتخاذ إجراءات لمُعالجة الصحة النفسية في محيط العمل بمشاركة فعالة من العمال وممثليهم وأشخاص ذوي تجربة في اضطرابات الصحة النفسية، وبذلك تتحقق الرعاية الكاملة لصحة وسلامة العاملين، ويُعزز البيئة العملية بما يحقق رفاهية العاملين على الصعيد النفسي والجسدي.

ويعتبر الدكتورعزيز بن ناصر النعماني أن الشعور بالراحة والرضا الوظيفي سوف ينعكس على زيادة الإنتاجية ورفع معنويات العاملين وخلق حالة من التطوير المهني للموظفين، مؤكدا: "لابد تحديد مهام كل موظف وعدم خرق أي موظف لمهام الآخر، وتحديد ساعات العمل، وتحفيز الموظف بالترقيات أو الحوافز المالية، وتحديد الأهداف والتوقعات المهنية داخل العمل وتشجيع فترات الراحة والإجازات".

ويوجه النعماني بأهمية الاستماع لوجهة نظر أطراف النزاع عند وجود صراعات ومشاكل داخل العمل، ووضع قواعد وقوانين حاسمة للتعامل بين الموظفين وتحديد المهام وإعطاء كل ذى حق حقه، والتعامل مع التحديات والتغييرات.

ويعتمد التوازن بين العمل والحياة الشخصية على التوافق بين احتياجات الفرد ومتطلبات العمل، إذ إنه من المهم أن يكون الفرد واعيًا لأولوياته وأهدافه في الحياة ويسعى لتحقيق التوازن الذي يعزز سعادته ورفاهيته الشخصية والمهنية.

ويقول الدكتور عزيز: "يجب خلق حدود واقعية بين عناصر العمل وغير المتعلقة بالعمل، وتحديد المسؤوليات والأهداف التى يأمل الشخص الوصول لها فى كل مجال من مجالات الحياة، ووضع استراتيجيات واضحة لتحقيق كل هدف، والتقييم المستمر والدوري لمعرفة مدى استقرار الوضع، والتحلي بالمرونة للتعامل مع المستجدات وتقبُل الطوارئ والعقبات في العمل بمرونة،  والالتزام بوقت الراحة وتخصيص هاتف للعمل من أجل الاستمتاع بالعطلة بدون إزعاج".

ويختتم النعماني قائلا: "ليس الموظف وحده من يحتاج إلى التوازن بين العمل والحياة الشخصية، فصاحب العمل أيضًا لديه مصلحة في رؤية الموظف سعيدًا، ويجب أن يعمل على تشجيع الموظفين بكل الوسائل لزيادة إنتاجية الشركة، وإذا قرر الموظف مغادرة الشركة بسبب إرهاق العمل فستنجم عن ذلك تكاليف يتعين على صاحب العمل تحملها".

تعليق عبر الفيس بوك