خلفان الطوقي
صدر قبل أيام قرار من وزارة العمل يُنظم حماية الأجور في القطاع الخاص، وربما هذا القرار مر مرور الكرام بسبب أنه صدر في وقت صدرت فيه مراسيم سلطانية دسمة تخص قانون العمل، وقانون منظومة الحماية الاجتماعية وتوحيد أنظمة صناديق التقاعد. وبسبب أن هذا القرار يخص البعض فقط، لهذا لم يتم التطرق إليه مجتمعيا بكثافة في وسائل التواصل الاجتماعي. ومن هنا، أتت فكرة كتابة هذه المقالة.
هناك محاولات سابقة لوزارة العمل لتطبيق حماية الأجور، ويقصد بنظام حماية الأجور أن يكون لكل عامل في القطاع الخاص حساب بنكي يتم تحويل الراتب "الأجر المالي" المتفق عليه في عقد العمل بين الشركة والموظف الذي يعمل فيها في تاريخ محدد، وأن لا مدة للتأخير -إن حصل- عن سبعة أيام من التأخير كحد أقصى، وإلا فَرَضت وزارة العمل عقوبات إدارية محددة وواضحة، وأعطت وزارة العمل مهلة معينة لشركات القطاع الخاص أن تصحح أوضاعها من النظام الجديد، مع العلم بأنَّ هناك توصية لتبني هذا النظام منذ عام 2013م كإحدى توصيات ندوة سيح الشامخات، ولكنَّ ظروفاً وتحديات معينة أرجأت هذا النظام رغم المحاولات المتكررة. والسؤال الذي يطرح نفسه: ما أهمية نظام حماية الأجور للشركة والفرد والدولة؟
أتوقع أن يكون الجواب من الحكومة بكلمة (نعم)، وهذه أهم أسبابهم: تسهيل الرقابة: سوف تتمكن الحكومة -ممثلة بوزارة العمل- من مراقبة الشركات من مدى تحويلها المبالغ "الأجور" المتفق عليها فيما بينها وبين العامل لديها. ثانيًا: المعلومات والإحصائيات: يمكن للحكومة معرفة خصائص سوق العمل في السلطنة بشكل دقيق، وعلى ضوء المعلومات والإحصائيات التي سوف تتحصل عليها، يمكنها إصدار القوانين والتشريعات والإجراءات التي تتناسب مع الخصائص الواقعية لسوق العمل. ثالثًا: المتطلبات العمالية والحقوقية الدولية: كما هو معلوم فإنَّ عُمان عضو في معظم المنظمات العمالية والحقوقية؛ لذلك لِزاماً عليها حماية حقوق العمالة الوطنية أو الوافدة لديها، أضف إلى ذلك مطالبات الاتحاد العام للعمال في السلطنة واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان والنقابات العمالية في بعض الشركات العمانية، ومن المعلوم أن تطبيق مثل هذا النظام يرفع من مرتبة السلطنة في هذا الجانب من ناحية، ومن ناحية أخرى يبعد عمان عن "رادار" النقد والابتزاز سواء المسيس أو غير المسيس.
رابعًا: تقليل الممارسات الخاطئة؛ وأهمها التوظيف الشكلي ودفع مبالغ "نقدا" تختلف عمَّا تم الاتفاق عليه في عقد العمل المسجل في وزارة العمل، وتفادي أي تحويلات بنكية من الممكن أن تكشف التلاعب الذي تمارسه بعض مؤسسات القطاع الخاص. خامسًا: محاربة تجار المأذونيات: فكما هو معروف أن المنطق يفرض على صاحب العمل أن يدفع للعامل، ولكن ما يحصل لدى تجار المأذونيات أن يحصل العكس، لذلك فإن نظام حماية الأجور سوف يصعب أي تجاوزت قد تحصل، كما يمكن التسهيل للأجهزة التشريعية والتنفيذية والرقابية لتتبع المخالفين للنظام في حال الشك في أي تجاوزات قد تصدر من البعض، خاصة تجار المأذونيات. سادسًا: التحويلات إلى الخارج: سيكون من السهولة في حال تطبيق هذا النظام أن يتم معرفة المبالغ المتوقع تحويلها خارج السلطنة، وهل هذه المبالغ واقعية أو أن هذه المبالغ المحولة لا تعكس واقع سوق العمالة في عمان، فإن كانت المبالغ غير واقعية، فيمكن للحكومة ممثلة بالبنك المركزي العماني وشرطة عمان السلطانية والادعاء العام وغيرها من الجهات المختصة رصد المخالفات، ومعالجتها في وقت قياسي بناء على المعلومات والإحصائيات الواقعية والمتوفرة. سابعًا: تقليص الخلافات العمالية: إذا تم العودة إلى الخلافات العمالية الحالية في المحاكم فسوف تجدها بسبب الأجور، وهذا النظام سوف يقلل إلى حد كبير من مراقبة أي مخالفات وقت وقوعها، ومعالجتها في أسرع وقت ممكن، وتفادي -قدر الإمكان- وصولها إلى المحاكم، وضياع وقت الجميع التي قد تمتد لسنوات بلا فائدة مرجوة في أروقة المحاكم، بدلا من الاستفادة من هذه الأوقات المفقودة فيما هو أجدى للدولة والشركة والفرد. ثامناً: تنظيم السوق وما ينتج عنه: هذا النظام سوف ينظم سوق العمل بشكل غير مباشر ومن زوايا مختلفة، وأي سوق منظم سوف يشجع الآخرين على الاستثمار في السلطنة، كما أنه سوف يحافظ على سمعة السلطنة لدى المنظمات العالمية وفي المحافل الدولية. وأخيرًا، فبالرغم من مزايا قرار نظام حماية الأجور، إلا أنَّ هناك تحديات عديدة في تطبيقه، ولابد لأي تغير في أي نظام سابق أن تجد له معارضين ومنتقدين، وقد تكون أهم هذه الانتقادت أن الشركات الصغيرة والمتوسطة يصعب عليها فتح حسابات بنكية، وأن مثل هذه الإجراءات ترفع كلفتها، أو أن معظم العمالة الوافدة الموجودة في عُمان هي من العمالة قليلة الأجور، وقد تتعرض لدفع رسوم بنكية في حال عدم وجود مبالغ تزيد على 100 ريال عماني، أو أن هذا النظام سوف يخرج الكثير من الشركات المحلية من الاقتصاد العماني؛ وبالتالي سوف يزيد من تقليص السوق وإضعافه، أو أن النظام يزيد من تدخل الحكومة في شؤونها، وغيرها من انتقادات، فهل تستطيع الحكومة تطبيق هذا النظام الآن فيما لم تستطع تطبيقه منذ عام 2013م؟ ننتظر لنرى.