قانون العمل العُماني الجديد.. نحو تشريع يواكب المتغيرات (2)

 

د. محمد ربيع فتح الباب *

استكمالًا لما تم ذكره في الجزء الأول من المقال فيما يتعلق بأهم ما جاء في قانون العمل الجديد، يقرر القانونُ الجديدُ، في شأن الإجازة السنوية، حقَّ العامل في استحقاق الأجر الشامل عن رصيده من الإجازات السنوية إذا انتهت خدمتُه قبل استنفاذه لها، بعد أن كان الأجر الأساسي هو المُعوَّل عليه في هذا الشأن في القانون الملغي.

وبالنسبة لعقد العمل، فقد اشترط القانونُ الجديدُ ألا تزيد مدتُه على 5 أعوامٍ قابلة للتجديد باتفاق الطرفين، مع اعتباره عقدًا غيرَ محددِ المدةِ إذا جاوزت مدتُه هذا الحد. وفي شأن إنهاء عقد العمل غير محدد المدة، فقد اشترط القانونُ الجديد لإنهائه بالإرادة المنفردة لأيٍّ من الطرفين، أن يستند الإنهاءُ إلى سببٍ مشروعٍ، مع إضافة نصٍّ يُلزم صاحبَ العملِّ بالسماح للعامل خلال فترة الإخطار بإنهاء عقد العمل غير محدد المدة، بالتغيُّبِ عن عمله بواقع 10 ساعات مدفوعة الأجر في الأسبوع للبحث عن عملٍّ جديدٍ.

وفيما يتعلق بفترة اختبار العامل، فقد رفع القانونُ الجديدُ الحدَّ الأقصى لها فيما يتعلق بالعمال الذين يتقاضون أجورَهم بصورةٍ غيرِ شهريةٍ من شهرٍ واحدٍ في القانون الملغي إلى شهرين.

ولتوفير حماية أوسع للعمال، ينظم قانونُ العمل الجديدُ الأسبابِ الاقتصاديةِ التي تمر بها المنشأةُ، وأثرها على حقوق العمال، واستحدث نصوصًا عدة لأجل تنظيمها؛ حيث عرَّف السببَ الاقتصاديَّ بأنه: "خسارة مالية يتعرض لها صاحبُ العملِّ لمدة لا تقل عن عامين متتاليين"، وأجاز لصاحب العمل الذي تعرضت منشأته لأسبابٍ اقتصاديةٍ بهذا المفهوم، أن يتقدم إلى لجنةٍ خاصة تنشأ لهذا السبب، برئاسة وزارة العمل، وعضوية كُلٍّ من: وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، وغرفة تجارة وصناعة عُمان، والاتحاد العام لعمال السلطنة، بطلبٍ لتقليص عدد العمال، على أن يشفعه بالأسانيدِ المؤيدةِ لذلك، مع التزامه باتباع معيارٍ عادلٍ في اختيار العمال الذين سيتم إنهاءُ عقودهم، ومنحهم فترة إخطارٍ لا تقل عن 3 أشهر قبل التاريخ المحدد للإنهاء.

وفي شأن منازعات العمل الفردية، ينص القانونُ الجديدُ على آلياتٍ لتسويتها، تبدأ بتقديم طلبٍ للتسوية إلى التقسيم الإداري المختص في الوزارة، ليتولى مساعي التسوية بين الأطراف خلال مدة أقصاها 30 يومًا من تاريخ تقديم الطلب. وفي حال فشل التسوية الودية، يُحيل التقسيمُ الإداريُّ المختصُّ في الوزارة النزاعَ إلى المحكمة المختصة خلال 7 أيام من تاريخ آخر جلسة للتسوية.

وبالنسبة إلى فصل العامل من عمله فصلًا تعسفيًّا أو مخالفًا للقانون، فقد حدد القانونُ الجديدُ أسبابَ الفصلِّ التعسفيِّ في المادة (12) منه، ومنها: الجنس أو الأصل أو العقيدة أو المركز الاجتماعي أو الانتماء إلى منظمةٍ نقابيةٍ أو تقديمه شكوى أو بلاغ أو رفع دعوى ضد صاحب العمل، مع تحفظي على هذا الأمر وتفضيلنا أن تكون تلك الأسبابُ داخلةً في نطاقِ السلطةِ التقديريةِ للقاضي بحسب ظروف وملابسات كل حالة على حدة، إلا إذا كانت تلك الأسبابُ المنصوص عليها في هذه المادة واردةً على سبيل المثال، واعتقادي الذي أكاد أجزم به، من خلال وضوح إِحْكَامِ نصّ هذه المادة، يذهب خلافَ ذلك.

إضافة إلى رفع القانون الجديد للمدة التي يتعين خلالها على العامل المفصول تقديم شكواه خلالها إلى الجهة المختصة، من 15 يومًا في القانون الملغي إلى 30 يومًا من تاريخ إخطاره بالقرار.

كما وضع القانونُ الجديدُ حدًّا أقصى للتعويض المُستحقّ للعامل الذي يثبُت فصلُه تعسفيًّا، وجعله لا يزيد على 12 شهرًا، مع الإبقاء على الحد الأدنى المقرر لهذا التعويض في القانون الملغي، وهو 3 أشهر، وإضافة الاشتراكات التأمينية المقررة للفترة من تاريخ الفصل التعسفي حتى صدور الحكم النهائي، هذا كله بجانب التعويض ومكافأة نهاية الخدمة المستحقة له قانونًا والأجر الأساسيِّ عن مدة الإخطار التي ينص عليها القانون أو عقد العمل، مع تحفظي على مسألة وضع حدٍّ أقصى للتعويض الذي يستحقه العامل حال ثبوت فصله تعسفيًّا.

كما استحدث القانونُ الجديدُ عدة لجانٍ، منها: "لجنة السلامة والصحة المهنية" والتي يصدر بتشكيلها وتحديد اختصاصاتها ونظام عملها قرارٌ من الوزير.

وفيما يتعلق بتسوية منازعات العمل الجماعية، فقد استحدث القانونُ الجديدُ لجنتين لهذا الأمر؛ الأولى "لجان تسوية منازعات العمل الجماعية"، والتي تختص بحلّ النزاع وديًّا خلال 15 عشر يومًا من تاريخ تقديم الطلب، وإلا قدمت تقريرًا للجهة المختصة، خلال 7 أيام من تاريخ تعذر التسوية، يتضمن ملخصًا للنزاع، وما تم قبوله، أو رفضه من الطرفين، أو أحدهما، وأسباب الرفض، و"لجنة تحكيم منازعات العمل الجماعية"، والتي تُشكَّل برئاسة رئيس إحدى دوائر محاكم الاستئناف، وعضوية مُحكّم عن الوزارة يختاره الوزير، ومُحكّم عن صاحب العمل يختاره رئيسُ غرفة تجارة وصناعة عُمان، ومُحكّم عن العمال يختاره رئيسُ الاتحاد العام للعمال، وتختص هذه اللجنةُ بتسوية النزاع حال فشل تسويته ودِّيًّا من قِبل "لجان تسوية منازعات العمل الجماعية" أو إذا لم يقبل الطرفان أو أحدهما التسويةَ الودِّية، خلال مدة لا تجاوز شهرًا من بدء نظره.

وإن كنت أنتظر من القانون الجديد معالجة أمورٍ أخرى لعلها كانت تشوب القانونَ الملغي، كفترة السنة التي يسقط بعد انقضائها حقُّ العامل في المطالبة بأيٍّ من الحقوق المنصوص عليها في هذا القانون، وكنت أرجو أن يتم تعديل الواقعة التي تبدأ عندها السنةُ في الانقضاء، بحيث لا تبدأ من تاريخ استحقاق الحق؛ وإنما من تاريخ انتهاء العقد، وكذلك فيما يتعلق بإعفاء العامل -دون صاحب العمل- من أداء التعويض حال عدم مراعاته لمدة الإخطار بالإنهاء الانفرادي من جانبه لعقد العمل غير محدد المدة، شريطة أن يكون العاملُ -والحالة هذه- حسنَ النيةِ، وغيرها.

وفي الأخير، وبعد استقرائي لنصوص قانون العمل الجديد، أستطيع أن أذهب وكُلِّي يقينٌ بأنه في مجمله -مع الأخذ بالحسبان بعض التحفظات- يستحق أن يُوصف بالقانون الذي صدر ليواكب المتغيرات العملية الحديثة، ويسهم في تحقيق رؤية عُمان 2040، ويبث الطمأنينةَ في نفوس العُمال بأن هناك تشريعاتٍ قويةٍ ومُجديةٍ تكفُل لهم حقوقَهم، وتُعيد لعلاقةِ العملِّ التوازنَ المنشودَ.

 

* أستاذ القانون المدني بكلية الحقوق جامعة عين شمس، وكلية البريمي الجامعية، ومنسق الدراسات العليا ببرنامج القانون

تعليق عبر الفيس بوك