أهمية المحافظة على الأسرة

 

 

حمود بن سيف السلماني

نبدأ مقالنا لهذا اليوم بقوله تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً" (الروم:21).

وحيث إنَّ الأسرة هي نواة المجتمع وأساسه، وإن المجتمعات لا تتكون إلا بالاسرة، فيتوجب علينا تعريف معنى الأسرة بداية وهي جماعة اجتماعية صغيرة، تتكون عادة من الأب والأم وواحد أو أكثر من الأطفال، يتبادلون الحب ويتقاسمون المسؤولية، وتقوم بتربية الأطفال حتى يمكنهم من القيام بتوجيههم وضبطهم ليصبحوا أشخاص يتصرفون بطريقة اجتماعي، وقد عرفها مصطفى الخشاب بأنها "الجماعة الإنسانية التنظيمية المكلفة بواجب استقرار وتطور المجتمع، ومن هذا لابد أن يكون هناك زواج حتى تتكون الأسرة، وفق التعريف أعلاه، ولهذا شرع الزواج منذ قيام الخلق، وذلك من أجل التكاثر واستقرار الحياة".

ويطلق على كل أمراة ورجل ارتبطا بعقد الزواج اسم الزوجين، وحتى يتم تأسيس الأسرة لابد من وجود علاقة شرعية تربط الرجل بالمرأة وهي العلاقة الزوجية والتي أقرها الاسلام، والتي تتسم بأفضل علاقة زوجية، بخلاف العلاقات الزوجية لدى الغرب والتي تقوم على الصداقة في بداية الأمر وإنجاب الأطفال، وفيما بعد يتم الزواج إذا توافق الطرفان، فهذه العلاقة لا يكتب لها الاستمرار بهذا الوضع الحالي وخير دليل على ذلك تشتت الغرب وعدم انسجام الأبناء مع آبائهم وأمهاتهم، بخلاف المجتمع العربي والإسلامي الذي يقوم على العفة والمحافظة من العار.

وفي هذا المقال، يتوجب علينا التطرق للعلاقة الزوجية ما بين الرجل والمراة، والتي يتوجب أن تتسم بالأخلاق الحميدة والمودة والسكنى والرحمة، ويتوجب أن يعامل كل طرف الآخر بالاحترام والتقدير، ويجب على الرجل أن يحترم المرأة وعدم إذائها في نفسها أو مالها أو عرضها أو شرفها، أو في أهلها، ويجب عليه أن يوازن في القيام بواجباته العملية والدينية والأسرية؛ لأنَّ لكل شيء حقَّه ويتوجب الموازنة في ذلك الأمر كله.

والرجل عندما يتجه إلى بيت المرأة من أجل طلب يدها، فإنه بذلك قد اختار أن تكون شريكة حياته وجزءًا منه، وينقلها من نفقة أبيها إلى نفقته لتكوين أسرة متكاملة يسودها الحب والحنان والأخلاق الحميدة، ولهذا أُمِرت المراة بطاعة زوجها وعدم الخروج عن أمره نهائيًّا، بشرط ألا يأمرها بالشرك بالله أو بعمل المحرمات، ففي هذه الحالة لا يتوجب عليها طاعته في هذا الأمر فقط، وإنما إذا أمرها بالطبخ وعدم الخروج من البيت فعليها الاستجابة لذلك.

ونلاحظ خلال الفترة السابقة تزايدة حالات الطلاق وبشكل خطير جدًّا؛ الأمر الذي يهدد استقرار الأسرة والمجتمع على حدٍّ سواء؛ فذلك الطلاق يؤثر سلباً وبنسبة كبيرة على تربية الأبناء لأنهم سيكونون على شد وجذب ما بين الأب والأم، وغالباً ما يتم الحكم على حضانة الأطفال لأحد الأبوين؛ وذلك بعد توافر الشروط اللازمة في الحضانة كالأمانة والخلو من الأمراض وغيرها وفق ما نص عليه قانون الأحوال الشخصية.

وكوني محاميًا، أتردَّد على أغلب المحاكم بالسلطنة، أجد أن القضايا الشرعية بالمحاكم في تزايد كثير، سواء من طلب الطلاق للضرر وطلب النفقة والحضانة وقسمة الميراث، ويحتم النزاع في أروقة المحاكم ويتم سرد الوقائع التي حصلت ما بين الزوجين، من ضرب وإهانة وعدم إنفاق، وعدم الاهتمام بالأطفال، فكل ذلك نسمعه وبشكل كثير في المحاكم، بعضها ينتهي بالتسوية والرجوع إلى بيت الزوجية وحل الخلافات ما بين الزوجين، وبعضها ينتهي بالطلاق، وبعضها ينتهي بالرجوع إلى بيت الزوجية وعدم إيقاع الطلاق.

وبهذه المقدمة البسيطة أعلاه، ومن خلال ما تم تداوله ببرامج التواصل الاجتماعي عن قيام بعض الأزواج بضرب زوجاتهم ضرباً مبرحاً، فنقول بأن هذا للأسف خروج عن تعاليم الإسلام الحنيف والذي يوجب احترام الزوجة وعدم إهانتها أو التقليل من شأنها، حيث إنَّ الزوجة هي الأم والأخت والابنة والصديقة، وهي شريكة الحياة لديه، فيجب عليه احترامها وتقديرها والاهتمام بها كل الاهتمام، وذلك تنفيذاً لقوله عليه الصلاة والسلام: "رفقا بالقوارير"، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَالِ" رواه أحمد والترمذي. وفوق ذلك كله، أوصى النبي صلى الله عليه وسلم وصية خاصة بهن، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء" متفق عليه، وفي لفظ مسلم: "استوصوا بالنساء خيرا"، حتى وصل الأمر ببعض الأزواج أن يقوم بضرب زوجته أمام أطفالها وهي صابرة على أفعاله وتتألم على كل ما يفعله بها من إهانة وضرب، لكنها لا تشتكي لأحد إلا لله، وهي صابرة على ذلك الألم من أجل أطفالها، ألا يجب على هذا الزوج أن يتوقف عن أفعاله تلك، ويرى أن زوجته قد صبرت وتحملت ضربه وعنفه وإهانته لها، فكان يتوجب عليه أن يحافظ على هذه الزوجة الصالحة التي لم تتذمر منه ومن تصرفاته، ولكن الرجل لم يُلاحظ كل ذلك وأعتقد أن زوجته ضعيفة لا حيلة لها، فأذاقها شتى أنواع الضرب حتى فارقت روحها جسدها واستسلمت لربها، لترفع قضيتها عند الجبار المنتقم.

فقانون الأحوال المدنية قد نظم كل هذه التفاصيل المهمة في حياة الأزواج من حيث الاحترام والمودة والنفقة وعدم التعرض للطرف الآخر بأي شكل من أشكال التعرض، كما أنَّه أوجب على المراة احترام زوجها والاهتمام به وعدم مضايقته، وجعل كل ذلك متقابلًا ما بين واجبات وحقوق الزوجين، ولم ينسَ ذلك أيضاً حقوق الأبناء وتربيتهم وغرس قيم الأخلاق الحميدة فيهم.

وكما يقال إنَّ وراء كل رجل عظيم امراة، وحيث إنَّ الإسلام قد رفع من شأن المراة والزوجة بصفة خاصة، فبالتالي يتوجب على الزوج أن يحترم زوجته وأن يُلاطفها ويعالمها المعاملة الحسنة الطيبة وأن يناديها بأجمل الكلمات سواء كانوا بأنفسهم أو بحضور الأبناء؛ لأن ذلك يولد التربية الحسنة في الأبناء وتكون أخلاقهم رفيعة وعالية. أما أن يستعرض الزوج عضلاته ويقوم بضرب زوجته بين الحين والآخر، لأي سبب كان، فإنه لا يجوز له ذلك، وحين شرع الله ضرب النساء إن فعلن فاحشة فإن ذلك الضرب لا يجب أن يكون قاسيا بمعنى أن يكون الضرب خفيفا جداً لدرجة أن لا يترك أثراً أو علامة.

وفي الختام.. يجب أن يضع كل زوج بين عينيه طرفه الآخر، وأن يراعي مشاعره وأن يعامله بكل الود والاحترام والتقدير، وعدم التعرض له في نفسه بالضرب أو الإهانة أو غيرها، ويجب على المرأة المحافظة على استقرار بيتها والاهتمام بزوجها وأولادها وعدم الخروج عن طاعته، ولنا في ذلك قصص حقيقية لا يسعنا سردها هنا، كما نوضح أنه في حالة تعرض أي زوجة للعنف أو الضرب أو الإهانة فيتوجب عليها الجلوس مع زوجها بعد أن يرجع له رُشده والحديث معه عن فعلته، حتى يشعر بالندم في ذلك، فإن لم يستجب فلها أن تطلب من أهلها من أصحاب الحكمة النقاش مع زوجها، ومحاولة إصلاحه حتى تعود السعادة والمودة والرحمة لمنزل الزوجية والعيش بسعادة.

 

* محام ومستشار قانوني

تعليق عبر الفيس بوك