ليس نصف الحديث ولا أضعافه

 

 

د. قاسم بن محمد الصالحي

لنتناقش ونتحاور فالأمر صحي، بغض النظر عن الاتفاق في وجهات النظر بيننا، فما يجمعنا هو محاولة الوصول إلى الحقيقة، أو حتى مجرد الحوار في حد ذاته، لكن علينا أن نبتعد عن الجدل الذي لا يكون عادة لإظهار الحقيقة في أي موضوع، ولكن عادة يكون لإظهار شخص على آخر، أو لإظهار رأي على آخر.

وحقيقة نقاشنا وحوارنا هنا هي أننا نعيش نهضة متجددة، وتجددها ماضٍ في مسيرة لا تحيد عن الإرث الحضاري لمجتمعنا العماني الذي يرتبط أهله ببيئة تؤثر بأصالتها أكثر مما تتأثر، كما أنَّ الدامغ في هذه الحقيقة هو أنَّ العماني يتميز عن غيره مجتمعيا، فهو يشد بعضه بعضا، وشخصيته المتميزة هذه تشكلت وتحددت سلوكيا نتيجة عوامل ثقافية وأخلاقية متوازنة ومتوارثة جيلًا عن آخر،  و"هويته" يشهد بها من عرفه وخبره وتحدث معه.

فلنتفق إذن على أن ميزتنا هذه هي من أهم العناصر المؤثرة في نهضتنا المتجددة وتنميتها المتواصلة، لابد أن نكون في تفاعلنا واستجابتنا للمواقف والأحداث والمثيرات دعامة ومركزا للصدارة في ميدان التنمية والعمل والإنتاج.

وأن يكون الرضا فينا هو سمة تتكون لدينا من خلال تقييمنا لنوعية الحياة التي نعيشها في ضوء ما لدينا من مشاعر وطنية وأحاسيس واتجاهات وقدرة على التعامل مع البيئات المحيطة ببيئتنا، بصورة تعكس شخصية العماني الرصينة، وقناعته بما لديه، وإحساسه بالتقدير والاعتراف.

أي علينا أنْ نركز اهتمامنا في رضانا على جوانب القوة لا الضعف، لأن الجهود في البيئة العمانية تركز على إثراء القوة القابلة للتعديل والتغيير كمدخل لتحقيق الرضا المنشود، الذي يتمثل في الطمأنينة وراحة الضمير وسكينة النفس والقدرة على التفاعل الاجتماعي السليم، والإنجاز والشعور بالرضا الذاتي، وتقدير الذات وتحقيقها، والشعور بالأمان والاستقرار.

وعلينا أيضا أن نتفق أننا لا نستطيع أن نغير من أحداث العالم والبيئة المحيطة بنا، لكننا نستطيع بالطبع أن نغير من أنفسنا ومن نظرتنا للحياة وموقفنا من متاعبها وضغوطها، وأن نشعر بالسعادة مع أنفسنا ومع الآخرين ونقبل بمبدأ الفروق الفردية بروح إيجابية والعيش بسلام، وأن نقبل على الحياة ونتمتع بها، ونخطط للمستقبل بثقة وأمل، وأن يعمل الواحد منَّا بتناغم في وحدة واحدة مع أفراد المجتمع، وأن يكون الرضا هو الدافع الخفي الذي يحركنا ويقودنا للحياة.

ولنلخص في نقاشنا وحوارنا هذا إلى القول بأنَّ العملية التشريعية تظل فى حقيقتها عملية تأسيسية تأخذ منطلقها من الواقع -مهما كان نوعه- باعتباره مرجعية أساسية ومنطلقًا بديهيًّا، كما تستمر فى نسج بنياتها وشبكاتها فى الآفاق التي يستشرفها الشارع باعتباره الناطق باسم الوعي الجمعي للمجتمع الذي ينتمي إليه، وباعتباره ثانياً حاملاً لرؤية أو رؤى، مستنداً إلى مرجعية ثقافية ومخزون فكري، فهو ليس ذلك المتزهد الذي ينزوي إلى عمق ديره أو صومعته، وينعزل عن المجتمع بكل تطوراته ليسلك مسلك الصوفي في نزعاته الوجدانية وشطحاته الفكرية، بل هو جزء لا يتجزأ من واقع متحول وديناميكي فى تركيبته لا يهدأ، بل يشارك فى كل ما يمس وجدان الوطن، فالقانون إذن هو ما يقره الشارع فى سياق تاريخي محدَّد ومن أجل غاية معيَنة قد يكون هي المصلحة والترغيب وكفى وقد يكون هو الزجر والترهيب فحسب، وقد يكون جماع هذين الجانبَين، لكنه لا يستطيع أن يكون غير ذلك وإلا بطل أن يكون تشريعاً.

تعليق عبر الفيس بوك