ظاهرة "النينو".. العالم على موعد مع "تقلبات مناخية صعبة" نهاية العام الجاري

◄ الصارمي: ظاهرة تحدث بشكل منتظم كل 7 سنوات

◄تأثيرات "النينو" قد تكون أمطارا وفيضانات أو جفافا وحرائق

السلطنة تتأثر بـ"النينو" بتغيرات في درجات الحرارة وهطول الأمطار

9.8 تريليون دولار خسائر عالمية بسبب "النينو" خلال 5 سنوات

الرؤية- سارة العبرية

تعد ظاهرة "النينو" من الظواهر الطبيعية التي تتطلب استعدادا عالميا واتخاذ الإجراءات المبكرة لإنقاذ الأرواح، إذ إنها تحدث نتيجة مجموعة من التغيرات الجوية والمناخية في المحيط الهادئ الاستوائي، حينما تمتزج الرياح الدافئة مع المياه السطحية الحارة، لتخلق تقلبات فريدة من نوعها ومختلفة من منطقة إلى أخرى.

وكانت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية قد أعلنت أن ظاهرة "النينو" تتطور في المناطق الاستوائية في المحيط الهادئ، ومن المرجح أن تؤدي إلى استمرار زيادة درجة الحرارة العالمية، مؤكدة أنها تؤثر على أنماط الطقس والعواصف في أجزاء مختلفة من العالم.

كما طالبت المنظمة الجميع باتخاذ الإجراءات المبكرة للحفاظ على أرواح الجميع، وتقليل الأضرار الناجمة عن هذه الظاهرة.

ويقول الدكتور سعيد بن حمد الصارمي، مختص في شؤون الطقس والمناخ، إن ظاهرة النينو تحدث عندما ترتفع درجات حرارة سطح البحر في المنطقة الاستوائية الشرقية من المحيط الهادئ بما لا يقل عن 0.5 درجة مئوية فوق المتوسط طويل الأجل، بينما تحدث ظاهرة النينا عندما تنخفض درجات حرارة البحر تحت المعدل، مشيرا إلى أن غالبا ما يرافق النينو تغيرات كبيرة في الطقس، فمثلا تشهد بيرو والإكوادور عواصف قوية وفيضانات، في حين تتعرض إندونيسيا وأستراليا للجفاف وحرائق الغابات وابيضاض الشعاب المرجانية.

د. سعيد الصارمي.JPG
 

ويوضح- في تصريح لـ"الرؤية" أن ظاهرة النينو تحدث بشكل منتظم كل 7 سنوات تقريبا، وتؤثر على مناطق واسعة في المحيط الهادئ وينعكس تأثيرها على باقي مناطق العالم، خاصة المناطق القريبة مثل أمريكا الشمالية والجنوبية من الناحية الشرقية، وأستراليا ونيوزيلندا وإندونيسيا والفلبين من الناحية الغربية، مبينا أن تفاوت تأثير النينو بين المناطق قد يؤدي إلى زيادة هطول الأمطار، بينما تكون مناطق أخرى عُرضة للجفاف وارتفاع درجات الحرارة.

تأثير النينو على عُمان

ويؤكد الدكتور سعيد أن ظاهرة النينو تؤثر على طقس سلطنة عمان مع احتمالية هطول الأمطار في المنخفضات الشتوية وفي فصل الخريف "أكتوبر ونوفمبر" حيث يزيد تأثيرها وتنشط حدتها، وترتفع معدلات هطول الأمطار في المناطق الشمالية وبالتحديد جبال الحجر الشرقي والغربي، بينما يمكن أن يحدث انخفاض في درجات الحرارة خلال فترة النهار في هذه المناطق.

ويبين الصارمي أن ظاهرة النينو تؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة بشكل ملحوظ في المناطق الساحلية المُطلة على بحر العرب في محافظتي ظفار والوسطى، وتزيد درجات الحرارة أيضا في وقت الليل في هذه المناطق، ويعود ذلك إلى الارتباط بين ظاهرة النينو وارتفاع درجات حرارة المحيط الهندي بما في ذلك بحر العرب، الذي يحيط بسواحل سلطنة عُمان.

ويذكر الباحثون أن ظاهرة "النينو" (El Niño) يمكن أن تتسبب في خسائر طويلة الأمد تستمر لعدة سنوات بعد انتهاء الحدث ذاته، وتصل هذه الخسائر إلى تريليونات الدولارات عبر جميع مناطق العالم، وفقًا لدراسة جديدة نُشِرَت في دورية "ساينس" في 18 مايو الماضي.

وتُعتبر هذه الدراسة واحدة من أوائل الدراسات التي تقيِّم التكاليف الطويلة الأمد لظاهرة "النينو" وتتناول خسائر المشاريع التي تجاوزت تقديرات الأبحاث السابقة.

ووفقًا للدراسة، فإن الاقتصاد العالمي خسر 4.1 تريليونات دولار و 5.7 تريليونات دولار على التوالي في نصف عقد بعد تكرار أحداث "النينو"، وقد تأثرت بشكل كبير الدول الأكثر فقرًا في المناطق الاستوائية بتلك الخسائر.

وتضمنت الدراسة الجديدة تحليل بيانات الناتج المحلي الإجمالي لـ 147 دولة خلال الفترة من 1960 إلى 2019 لتحديد التأثير الاقتصادي لظاهرة "النينو"، واكتشفوا أن تلك الظاهرة تسبب تبعات اقتصادية كبيرة تستمر لمدة 5 سنوات بعد انتهاء الحدث.

وفي عام 2017، أشار بحث إلى أن أنماط حدوث "النينو" يمكن أن تتسبب في ضربة اقتصادية قصيرة المدى لبعض البلدان، مما يزيد من الفوارق بين الدول فيما يتعلق بتأثيرات تغير المناخ، وتؤثر بشكل غير متساوٍ على الدول ذات القدرات الأقل على التكيف والاستعداد.

"النينو" ونهاية العام الجاري

يتوقع خبراء الأرصاد الجوية أن تتكوّن ظاهرة "النينو" بحلول نهاية هذا العام، ويتزايد القلق بشأن تأثير قوي للحدث مع ارتفاع درجات حرارة سطح البحر، وخاصة في المحيط الهادئ، وسيكون لهذا الحدث تأثير كبير على متوسط درجات الحرارة العالمية وأنماط الطقس حول العالم، ولذلك،يعتقد المؤلفون أن تحسين التنبؤ والاستعداد لظاهرة "النينو" سيزيد من قدرة البلدان على التكيف مع تأثيراتها.

وقال البروفيسور بيتيري تالاس، الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية: "إن السنوات الثماني الأكثر دفئاً منذ بدء التسجيل قد تمرَّ للتو، على الرغم من حدوث ظاهرة النينيا الباردة على مدار السنوات الثلاث الماضية، التي كانت تُعتَبر كابحًا مؤقتًا للارتفاع في درجات الحرارة العالمية".

ومن المتوقع أن يؤدي تطور ظاهرة النينو إلى ارتفاع جديد في درجات الحرارة العالمية، وزيادة الاحتمالية لتحقيق أرقام قياسية جديدة في درجات الحرارة، ونظرًا لأن تأثير ظاهرة النينو عادةً ما يظهر في العام التالي من حدوثها، ومن المحتمل أن تكون تأثيراتها أكثر وضوحًا في عام 2024.

وأوضح البروفيسور تالاس أنه ينبغي للعالم أن يستعد لتطور ظاهرة النينو، والتي قد ترتبط عادةً بزيادة درجات الحرارة أو الجفاف أو تغيُّر نمط هطول الأمطار في مناطق مختلفة حول العالم، فقد تجلب ظاهرة النينو فترة راحة من الجفاف في مناطق مثل القرن الأفريقي، وفي الوقت نفسه قد تؤدي إلى تطور من ظواهر طقسية ومناخية متطرفة أخرى، وهذا يلفت الانتباه إلى الحاجة الملحة لتعزيز مبادرة الأمم المتحدة للإنذار المبكر للجميع للحفاظ على سلامة الأفراد وتحسين التأقلم مع التغيرات المناخية.

Bottom of Form

الرصد والتنبؤ

ويؤكد الدكتور سعيد الصارمي أنه يتم رصد ظاهرة النينو من خلال الراصدات البحرية والجوية، وذلك عن طريق العوامات البحرية المائية الموجودة في المناطق المدارية بالمحيط الهادئ، وأيضا باستخدام الأقمار الاصطناعية لمتابعة التغيرات في درجات حرارة البحر في هذه المنطقة، مضيفا أن تلك المراقبات تُعتبر مُدخلات للنماذج العددية المستخدمة في التنبؤ بظاهرة النينو، سواءً كانت نماذج جوية أو بحرية أو مناخية، وأن هذه النماذج المحاسبية والحاسوبية تعتبر أدوات هامة لتقديم توقعات النينو قبل حدوثها بعدة أشهر، ويستفيد من ذلك الجهات المعنية في اتخاذ الإجراءات اللازمة للتعامل مع تأثيرات النينو المحتملة.

تأثيرات النينو على الحياة البحرية والزراعة

ويقول الصارمي: "عندما ترتفع درجات حرارة سطح البحر ينقص الأكسجين والغذاء في بعض المناطق البحرية المتأثرة، مما يؤثر على الحياة البحرية وقد يؤدي إلى موت الأسماك أو هجرتها لأماكن أخرى ذات مياه باردة وأكثر غنى بالغذاء، وبالنسبة للزراعة فإن المناطق التي تتأثر بالنينو بالجفاف وارتفاع درجات الحرارة تعاني من نقص الأمطار وتجف الأراضي، مما يؤدي إلى نقص المحاصيل الزراعية".

ويضيف الصارمي  أن التنبؤ بظاهرة النينو لا يزال يحمل درجة من الغموض وعدم الدقة في التوقعات، وعادة ما يُستخدم مؤشر النينو كدليل لتوقع كميات هطول الأمطار بصفة عامة في الجزيرة العربية، ويمكن أن تكون توقعات الهطول أفضل مع زيادة قوة النينو، ولكن مع ظاهرة التغير المناخي العالمي وزيادة غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، تُعقَّد الصورة أكثر بتداخل تأثيرات النينو مع تأثيرات التغير المناخي الطويلة الأمد.

التحديث الموسمي للمناخ العالمي

وتُصدر المنظمة العالمية للأرصاد الجوية والمناخية حاليًا تحديثات منتظمة للمناخ الموسمي العالمي (GSCU)، وتشمل تأثيرات جميع المحركات المناخية الرئيسية الأخرى مثل تذبذب شمال الأطلسي وظاهرة التذبذب في المنطقة القطبية الشمالية والقطبية الثنائية للمحيط الهندي.

وأُشارت في آخر تحديث إلى أنه "نظرًا لتوقع ارتفاع درجات حرارة سطح البحر بشكل عام فوق مناطق المحيطات، فمن المتوقع أن تساهم هذه الظاهرة في التنبؤ بدرجات حرارة أعلى من المعتاد على نطاق واسع فوق مناطق اليابسة، ومن المتوقع حدوث ارتفاع طفيف في درجات الحرارة في جميع مناطق اليابسة في نصفي الكرة الشمالي والجنوبي دون استثناء".

وتعتمد تحديثات ظاهرة النينو والتذبذب الجنوبي (ENSO) والمناخ الموسمي العالمي التي تصدرها المنظمة على التنبؤات الصادرة من المراكز العالمية لإنتاج التنبؤات الطويلة المدى، وتتاح هذه التحديثات لدعم الحكومات والأمم المتحدة وصناع القرار وأصحاب المصلحة في القطاعات الحساسة للمناخ في التحضير والاستعداد وحماية الأرواح وتحسين سبل العيش.

 

 

التطورات الأخيرة

بدءاً من فبراير 2023، شهد المحيط الهادئ الاستوائي زيادة كبيرة في درجات حرارة سطح البحر، مع ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة على طول سواحل أمريكا الجنوبية.

وفي أبريل 2023، توافقت درجات حرارة سطح البحر ومؤشرات الغلاف الجوي والمحيطات الأخرى في وسط شرق المحيط الهادئ الاستوائي مع ظروف محايدة لظاهرة النينيو- التذبذب الجنوبي (ENSO)- ولوحظ أن نشاط الحمل الحراري فوق المحيط الهادئ الاستوائي بالقرب من خط التاريخ الدولي قريب من المعدل الطبيعي.

ومع ذلك، لم ينته حاجز التنبؤ الربيعي في نصف الكرة الشمالي، وهو متجه بشكل عام نحو فترة تتميز بتنبؤات أقل دقة، ومع ذلك تُظهر هذه التطورات الأخيرة في ظروف المحيطات والغلاف الجوي في المحيط الهادئ الاستوائي جنبًا إلى جنب مع التقييمات الحالية واستنادا إلى تقديرات الخبراء، احتمالية قوية لظهور ظاهرة النينيو في أوائل النصف الثاني من عام 2023 واستمرارها لباقي فترة التنبؤ التي تبلغ ستة أشهر.

 

تعليق عبر الفيس بوك