نحو مجالس محلية بالمحافظات ومجالس بلدية في الولايات (1)

 

 

د. راشد بن عبدالله الأبروي

alabrawi6060@gmail.com

من خلال هذا المقال، سوف أتحدث عن الإدارة المحلية وأهميتها بالنسبة للسلطنة، وأقترح من خلاله تشكيل مجلسين "مجلس الإدارة المحلية بمحافظات السلطنة، والمجالس البلدية للولايات بشكل جديد)، عسى أن ينال هذا الاقتراح اهتمام وموافقة من أصحاب العلاقة في الجهات الحكومية، ويتم دراسته وتبنيه كأسلوب جديد يتم اعتماده بالسلطنة، وتكتمل منظومة العمل الديمقراطي والمشاركة الشعبية، إن هذا المقال  يُعتبر  تمهيدا لكتابي القادم في هذا الموضوع.

يُنظر للامركزية الإدارية والإقليمية أو الإدارة المحلية باعتبارها نمطاً من أنماط التنظيم الإداري يرتبط باللامركزية الإدارية كأسلوب تلجأ له الإدارة العامة للوفاء بالتزاماتها بإشباع الحاجات العامة للأفراد. وهذا النمط من أنماط الإدارة له مفهومه وذاتيته ومبرراته وعوامل وجوده ونشأته، كما أنه يختلف عن غيره من الأنماط الإدارية والسياسية القائمة على أساس توزيع الوظيفة الإدارية أو السياسية.

وتسعى الإدارة جاهدة إلى إشباع الحاجات العامة للأفراد من خلال قيامها بوظيفتها الإدارية، ولا شك أن تلبية مطالب الأفراد وإشباع حاجاتهم العامة ليس بالأمر السهل، ويحتاج جهودًا وكلفًا مادية هائلة؛ لذلك تحرص الإدارة العامة على البحث عن أسلوب أو آخر تتبعه في أداء مهامها لتحقيق أهدافها. ومن هنا، ينظر للتنظيم الإداري على أنَّه استخدام الإدارة العامة طرقاً وأساليب معينة؛ بهدف تحقيق أغراضها المحددة بكفاءة وفاعلية، أي بأقل وقت وجهد وكلفة ممكنة.

وعلى هذا، فالتنظيم الإداري ضرورة لا بد منها لكي تنهض السلطة الإدارية بوظائفها وتضطلع باختصاصاتها من أجل تحقيق أهدافها، وبناءً عليه نجد الإدارة المحلية ما هي إلا توزيع الوظيفة الإدارية بين السلطات المركزية وهيئات محلية لامركزية تتمتع بالاستقلال، وتتولى مجالسها المنتخبة القيام بإشباع الحاجات العامة وتقديم الخدمات المحلية للسكان المحليين تحت إشراف ورقابة السلطات المركزية (القبيلات، 2023).

الإدارة المحلية

تُعتبر الإدارة المحلية من الفروع الرئيسية للإدارة العامة (المعاني، 2013)، ولقد تباينت آراء الباحثين وفقهاء القانون العام حول تعريف الإدارة المحلية، ولم يتفقوا على تعريف موحد لها، فلكل منهم تعريف يُعبر عن رأيه ونظرته الخاصة وفقاً للنظام السياسي والاجتماعي الذي ينتمي إليه ويؤمن به. وهذا الاختلاف والتباين حول تعريف الإدارة المحلية يرجع إلى اختلاف وتباين النظم السياسية والاجتماعية التي نشأ في ظلها النظام الإداري من جهة، وإلى اختلاف وتباين وجهات نظر المفكرين وفقهاء القانون حول العناصر المكونة لها، والأهمية النسبية التي يضيفها المشرع على أي عنصر من هذه العناصر من جهة أخرى وسيتجلى ذلك الاختلاف والتباين من خلال استعراض تعريفات بعض فقهاء القانون والباحثين للإدارة المحلية، مؤكدين أن وضع تعريف جامع مانع للإدارة المحلية ليس بالأمر السهل؛ نظراً لاختلاف الآراء ووجهات النظر حول هذا المصطلح بحسب الزاوية التي ينظر له منها (القبيلات، 2023).

ويرى (الطماوي، 1979)، أن الإدارة المحلية هي "توزيع الوظائف الإدارية بين الحكومة المركزية في العاصمة وبين هيئات محلية أو مصلحة مستقلة؛ بحيث تكون هذه الهيئات في ممارستها لوظيفتها الإدارية تحت إشراف ورقابة الحكومة المركزية. ويضيف أن اللامركزية الإقليمية التي تسمى الإدارة المحلية وأحياناً الحكومة المحلية، تتحقق بمنج جزء من الإقليم الشخصية المعنوية، سلطة الإشراف على المرافق المحلية (الطماوي، 1986).

كما عرفها (مجاهري، 2018)، بأنها "هيئات مستقلة ضمن وحدات جغرافية معينة في الدولة تتولى إدارة شؤون هذه الوحدات بالطرق المناسبة، وبما تقتضيه مصلحة مواطنيها وتتمتع بالشخصية المعنوية والاستقرار المالي". ومن جهتها، تعرف الأمم المتحدة الإدارة المحلية بأنها "نظام من نظم الإدارة العامة، وهي وسيلة لمساعدة الحكومة المركزية على أداء رسالتها بصورة أكثر فاعلية وكفاءة، وهي بذلك تحث على نقل بعض الاختصاصات والصلاحيات من الحكومة المركزية إلى المحليات لمواجهة مسؤولياتها في إطار توزيع الأدوار الوظيفية تقسيم العمل بين المستويين المركزي والمحلي (المحيسن، 2012).

أهمية الإدارة المحلية

إنَّ الإدارة المحلية تندرج تحت مظلة اللامركزية الإدارية؛ حيث تقوم على توزيع الوظيفة الإدارية بين السلطات المركزية في العاصمة وهيئات عامة مستقلة إدارياً وماليا (إقليمية ومرفقية) عن الحكومة المركزية.

 

اللامركزية الإقليمية

هو تنظيم إداري على أساس إقليمي جغرافي يعطي اختصاصات متعلقة بذلك الإقليم، ويتخصص في شؤون كل إقليم من أقاليم الدولة، ويكون أكثر اتصالاً بالمواطنين، ويتمتع بنوع من الاستقلال المالي والإداري، مع خضوعه لرقابة وإشراف الحكومة المركزية في العاصمة، وتعتبر اللامركزية الإقليمية هي أقدم صور اللامركزية الإدارية ظهوراً .

ويذكر (أبوزيد، 1968)، أن أقدم صور اللامركزية الإدارية ظهرت في الدولة الرومانية منذ زمن بعيد ما يمكن تسميته بالمجالس البلدية والتي كان الهدف من تشكيلها التخفيف من الأعباء الكثيرة الملقاة على عاتق السلطات المركزية ونفس الوقت إعطاء المواطنين الفرصة لانتخاب من يمثلهم على المستوى المحلي... وقد تأثرت فرنسا فيما بعد بالتنظيم المحلي الذي كان سائداً في المدن الرومانية القديمة واعتمدته عند إنشاء مجالسها المحلية بعد قيام الثورة الفرنسية سنة 1789.

وفي العصور الحديثة، تعتبر المملكة المتحدة مهد النظام اللامركزي المحلي (اللامركزية الإقليمية)، حيث إن نظام الإدارة المحلية هناك يعتبر أسبق في الظهور من الحكومة المركزية ومن البرلمان؛ فالإدارة المحلية في بريطانيا قديمة قدم نشأة المدن البريطانية التي لم تكن في مراحل معينة تخضع لسلطة مركزية. وقد شهد نظام الإدارة المحلية في بريطانيا تطورات كبيرة منذ مطلع القرن التاسع عشر حتى صارت شؤون الإدارة المحلية في موقع الصدارة لكل برامج الاصلاح التي تتقدم بها الأحزاب السياسية والحكومات حيث تم الفعل ــ ومن خلال العديد من القوانين والأنظمة التي صدرت في هذا المجال ــ تخويل هيئات الحكم المحلي في الأقاليم مزيداً من الصلاحيات التي كانت من قبل تملكها الحكومة المركزية (أبو زيد، 1968).

تعليق عبر الفيس بوك