الهجرة غير الشرعية.. السير نحو المصير المجهول

تمثّل قضية الهجرة غير الشرعية إزعاجا للمجتمع الدولي وطوق نجاة للباحثين عن حياة أفضل

الرؤية- مدرين المكتومية

تعد قضية الهجرية غير الشرعية قضية أزلية تعيشها البشرية منذ قرون وليست وليدة اللحظة، وترتبط بعوامل عديدة أهمها العوامل الاقتصادية، إذ يعمد كثيرون إلى الانتقال من بلد إلى آخر بشكل غير قانوني أملا في الحصول على حياة أفضل.

وعادة ما يكون مصدر الهجرة غير الشرعية من البلدان النامية والفقيرة مثل بعض الدول الأفريقية، والدول التي تعاني من الصراعات العسكرية، إذ يدفع البعض بأنفسهم إلى المصير المجهول المظلم سعيًا نحو حياة أكثر استقرارا وأمناً، حتى ولو كان الموت يطوف بالطرق التي يتخذها المهربون.

وإذا ما نظرنا إلى حالنا في العالم العربي، سنجد أن أفضل عمل فني جسد معاناة ومخاطر الهجرة غير الشرعية، هو فيلم "السباحتان" الذي يسلط الضوء على أختين من سوريا قررتا الهجرة عبر البحر إلى أوروبا لإنقاذ روحهما من الأحداث في بلدهما، وعقب ذلك استقدام عائلتهما لينجو من مخاطر الأحداث في سوريا وما خلفته من دمار وقتلى ومصابين.

هذا الفيلم كان بمثابة تجسيد حقيقي لما يعيشه آلاف المهاجرين غير الشرعيين حينما يقررون المخاطرة لمواجهة أمواج البحر العاتية، دون التفكير فيما ينتظرهم من أهوال ومخاطر، أسهلها هو أن تبتلعهم أمواج المحيط العاتية.

ولا تقتصر مخاطر الهجرة على فقدان الأرواح وفقط، بل إن المهاجر غير الشرعي يدفع مقابل هذه الرحلة "المشؤومة" آلاف الدولارات وهي خسارة اقتصادية تجعل عائلته تغوص في الديون لبقية حياتها على أمل قد يتحقق أو لا يتحقق، إذ إن هذا الشخص لا يمتلك على متن قارب يحمل عشرات أضعاف حمولته الأساسية إلا سترة يطلقون عليها "سترة النجاة" وهو مسمى غير صحيح، وإلا لأنقذت الآلاف ممن ابتلعهم البحر كأنهم نسيا منسيّا.

الغريب في هذا الأمر، أن هذا القرار المخيف لا يتخذه الشباب الباحث عن الحرية والعيش الكريم وفقط، بل تتخذه عائلات بأكلمها تتكون من زوج وزوجة وأبناء لم يتمكنوا من التعرف على طبيعة الحياة لصغر سنهم، ليجدوا أنفسهم وجها لوجه أمام ذلك البساط الأزرق من المياه والأمواج التي لا نهاية لها.

إن الحديث عن الهجرة غير الشرعية يقودنا إلى الحديث عن الظروف التي تضطر شخص ما لاختيار هذا الحل الذي قد يكون خاتمة لحياته والنهاية التي لا يتوقعها، كما أن المشكلة لا تكمن في النجاة من البحر وإنما فيما سيعانيه ذلك المهاجر أثناء رحلة البحث عن تحقيق ذاته، وهو ما استعرضه الفيلم من خلال قصة الفتاتين وحصولهما على بطولات دولية في السباحة، وما حدث لهما من معاناة وللاعتراف بهن كونهما وصلتا بطريقة غير شرعية.

إن الحياة تأخذ من كل شخص بقدر ما تعطيه، وتسلب منه كل ما قد يعتقد أنه له بطريقة شرسة، لكن البعض يكافح من أجل البقاء وإثبات نفسه، ليجد نفسه في لعبة تشبه الشطرنج، إما أن يخسر ويقال له "كش ملك" أو أن يحتفل بصموده في حياة ليست بالسهلة.

الهجرة غير الشرعية خطوة لا يمكن توقع نتائجها، لكن يراها الكثيرون طوق النجاة بعدما تضيق بهم السبل ويصعب العيش في أوطانهم إما بسبب الأوضاع الاقتصادية أو التصارع والحروب الذي يحول الأوطان إلى دمار.

إن الهجرة مفهوم طبقه الإنسان منذ قديم الأزل بحثا عن الطعام والأمان، ثم تطورت مفاهيمه مع تطور الأزمان حتى أصبح الموافقة على التنقل من بلد إلى آخر مرتبط بجنسية المسافر، فاتجه الكثيرون إلى المغامرة بحثا عن حياة أفضل، وإذا مات نجحت رحلة الهجرة غير الشرعية قد يتغير كل شيء في المهاجر: اسمه وأسلوب حياته وحتى معتقده، في محاولة لنسيام الماضي بكل تفاصيله.

وإذا ما سافرنا عبر الزمن إلى الحربين العالميتين الأولى والثانية، سنجد أنه بسبب الحروب والإبادات الجمعية، شهد العالم هجرة جماعية عبر البحار هربا من الدول الأوروبية إلى الدول الأكثر أمانا، وكلما كانت العائلات أكثر ثراء كانت فرصهم في النجاة أكبر.

وعند تقسيم الهند عام 1947 هاجر عدد كبير من سكان الهند إلى باكستان والعكس وذلك بسبب معتقداتهم الدينية، وتم إقرار قانون التقسيم واستقلال الهند في أكتوبر الأول عام 1947 وذلك بعد حل الإمبراطورية البريطانية الهندية، حيث أدى ذلك إلى تشريد ما يصل إلى 17 مليون شخص في عهد الإمبراطورية البريطانية الهندية السابقة.

دوافع الهجرة

وتلعب العوامل الاقتصادية دورا كبيرا في زيادة عدد المهاجرين، بحث عن الرزق وعن الحياة الكريمة، فكثير من الدول تحولت مجتمعاتها إلى طبقة ارستوقراطية وطبقة فقيرة كادحة، لتتلاشى الطبقة المتوسطة، الأمر الذي يجعل البحث عن الرزق هو السبب الرئيسي للفرار من أي مجتمع يعاني من تراجع كبير في مستوى المعيشة.

ولقد عانت الكثير من الدول العربية من أوضاع اقتصادية جعلت شعوبها تتجه إلى الهجرة الغير شرعية، إلى جانب أن عدد كثير من الجتمعات تعاني من الفقر والجوع، وهو ما زاد من حدة تحول الكثير من أبناء هذه المجتمعات لمجرمين، فالأوضاع الاقتصادية تزيد من انتشار الجريمة التي تهدد حياة الأفراد وبالتالي تكون الهجرة حل أمام المستضعفين.

كما أن الصراعات والحروب عادة ما تكون الدافع الأبرز لأن يلقي الشخص بنفسه في رحلة مجهولة ومصير غير معلوم، فحينما تتناحر الأطراف ينتشر الخوف والذعر، فيقرر أهل البلد الهجرة بأولادهم وأهليهم هربا من ويلات الصراعات والحروب وأصوات القصف والرصاص.

هؤلاء الذين قرروا خوض غمار تجربة الهجرة غير الشرعية، يكون لسان حالهم: "حياة مليئة بالمخاطر والبحث عن السعادة والراحة والاستقرار، أفضل من حياة مليئة بالخوف والحوع والتشرد وانتظار الموت في أي لحظة"، ليندفع إلى هذا المصير دون أن يفكر في نتائجه.

وإذا تحدثنا عن الدوافع السياسية، فكثيرون هربوا من بلدانهم بسبب قضايا سياسية كونهم معارضين للسلطات الحاكمة، ركبوا طريق المخاطرة برا أو بحرا هربا من الإمساك بهم وقضاء معظم حياتهم في السجون.

هؤلاء يرون أن مجرد التفكير في السجن أمر يستحق المخاطرة للهرب منه، كما أنهم يحلمون بأن يجدوا مكانا آخر يكفل لهم حق اللجوء السياسي ويستطيعون فيه التعبير عن آرائهم بحرية

المخاطر والتحديات

تعد الهجرة غير الشرعية مخاطرة كبيرة ليس على المهاجر فقط ولكن على مستوى المجتمعات، إذ إن الدول تفقد الكثير من شبابها ممن رموا بأنفسهم في هذا الطريق المظلم قبل الوصول إلى وجهتهم التي يرغبون في الوصول إليها.

ويتعرض هؤلاء المهاجرون إلى معاملات غير آدمية وابتزاز بكل الطرق والوسائل، وقد يتعرضون للسجن والترحيل لبلانهم مرة أخرى في حال تم الكشف عن مكانهم، وكل هذه الأمور تؤثر على الدول اجتماعيا واقتصاديا، وتسبب أرقا للمجتمع الدولي.

تعليق عبر الفيس بوك