الأصدقاء الذين نحتاجهم معنا

صاحب السمو السيد نمير آل سعيد

 

إذا سألت أيَّ شخص: ما هدفك من الحياة؟ فبدون تردُّد يُجيب: "تحقيق السعادة"، فكل الاشتغالات والجهود والمساعي الحياتية هدفها الأول والأخير الحصول على السعادة، والذي يأتي من ضمنه الرضا النفسي والراحة الشخصية والأمان والاطمئنان والاستقرار... وغيرها من مُسميات فرعية تُحقق السعادة.

 

والسَّعادة هي المطلب الأعلى والأوحد لكل البشر، حتى ولو سعيت لجعل الآخرين سعداء فمُبتغاك من خلال هذا الفعل هو إسعاد نفسك؛ فبسعادتهم ترى سعادتك تتحقق في بعض جوانبها.

والسعادة أجزاء مُتناثرة هنا وهناك، لابد من العمل على جمعها وحيازتها والمحافظة عليها لتبقى مدى العمر تُشعرك بالرضا النفسي والقناعة الذاتية.

ورؤية كل شخص عن السعادة تختلف عن الشخص الآخر، فما يراه ذاك الإنسان سعادته فذلك يكون ولو كان وهمًا منه لا يفيق.. والحقيقة أنَّ السعادة لا تتحقق في الواقع إلا بوجود أصدقاء لدينا نسميهم "لزوم السعادة"؛ فبغيرهم لا تكون السعادة، أو تبقى منقوصة غير مكتملة.

وبعض الأصدقاء أهم من أصدقاء آخرين، وإنما جميعهم مُهمُّون في حياتنا ليكونوا معنا من أجل سعادتنا.

ولكن هؤلاء الأصدقاء لا تستطيع الحصول عليهم بسهولة، فيجب أن تعمل وتجتهد لكسبهم والمحافظة على وجودهم، منطلقاً من وعيك بأهميتهم في حياتك؛ فليس مهمًا إلا ما تراه أنت مهمًّا.

والكثير يفشل في جمع أصدقاء "مكونات السعادة"؛ لأنه أهمل الاشتغال على الحصول عليهم حين كان بإمكانه ذلك لعدم وجود الوعي الكافي لديه، أو القدرة والحظ على جعل ذلك يتحقق، وإنما لا يجب أن نفقد الأمل؛ فهناك دائما إمكانية نسبية للعمل من أجل ذلك للأفضل.

وفي أعلى مرتبة من هذه المكونات التي نحتاجها لتكون معنا في حياتنا من أجل سعادتنا هي الصلاة والعبادات الواجبة للشعور برضا الله وما يحققه ذلك من سلام وتوازن نفسي وإحساس بالقيمة الإنسانية الذاتية لدينا.

وكذلك يأتي من أوائل هؤلاء الأصدقاء الذين نحتاجهم مرافقين لحياتنا من أجل السعادة: الصحة؛ فالصحة خير صديق، وهي المحرك والباعث للأمل على الانطلاق في الحياة من أجل المواصلة بحيوية ونشاط. وللمحافظة عليها، لابد من الالتزام بشروطها في عدم هدمها شيئًا فشيئاً بالممارسات الحياتية الضارة التي تؤدي للمرض والعجز، وإدامتها بالتغذية السليمة والرياضة المستمرة والراحة الجسمانية والتفاؤل وغيرها من الأساليب الصحية الصحيحة في الحياة.

ومن الأصدقاء المُهمين جدا الذين نحتاجهم، بل لا غنى لنا عنهم هو المال فبدون المال يصبح الإنسان ضعيفاً فقيرا محروما تنقصه الكثير من الأشياء التي لا يستطيع الحصول عليها "يمشي الفقير وكل شي ضده" ويصبح محاصرا في حياته وغير سعيد أحيانا كثيرة مثقلا بالهموم والمتطلبات الحياتية التي لا يمكنه تلبيتها له ولعائلته، لذا لابد من تكريس الجهود من بدايات الحياة في مرحلة الشباب المبكر لإيجاد الطرق والوسائل الصحيحة لكسب المال لحياة كريمة، دون حاجة للطلب من النَّاس فيما بعد لمد يد العون، أعطوه أو منعوه.

والحياة لابد أن تستجيب بخيراتها لمن أراد الحياة وعمل بجدية في السعي لها وفي كل مسعى خير.

وأيضًا أحد مكونات السعادة: تأسيس والمحافظة على عائلة محبة محترمة متعاونة، زوج وزوجة وأولاد في بيت مناسب ومريح يضمهم؛ فهذا يبعث على الرضا والهدوء والأمان؛ وبالتالي تحقيق السعادة لدى الإنسان في أحد جوانبها المستقرة.

كما أنَّ جزءًا آخر مهمًّا من مكونات السعادة، والذي لا غنى لنا عنه؛ هم: الرفقة الطيبة الأصدقاء الصحاب الذين نلتقي بهم ونخرج معهم في أوقات محددة من أيام الأسبوع، نُودهم ونرتاح لحضورهم ونسعد بوجودهم ونمزح ونضحك معهم، وهؤلاء لابد من المحافظة عليهم والحرص على لقائهم الدائم من أجل السعادة.

كما أنَّ وقتًا خاصًّا للذات مهمٌّ للسعادة، بالانفراد "بوحدتك" في خلوة وقتية ذاتية أسبوعية معها مُستمتعًا بجوها الهادئ الرائع، وجمال دقائقها الممتعة، وإحساساتها المحلقة بك كالحلم من أجل انتعاش القلب وصفاء الروح ثم عودة فيما بعد للمسؤولية الحياتية.

ومن أجل الحصول على السعادة أيضًا لا مفر من ممارسة الرياضة في أيام محددة من الأسبوع بالتزام مستمر لتقوية الجسم، وبث النشاط والحيوية فيه؛ وبالتالي تحصينه من الضعف البدني والأمراض الجسمية الناتجة عن قلة الحركة.

ولابد أيضًا من أجل السعادة من تخصيص وقت للترفيه والترويح عن النفس من خلال الاستمرار في ممارسة الهوايات المختلفة والألعاب المسلية والذهاب في رحلات داخلية والسفر إلى الخارج بين وقت وآخر. وأيضا متابعة وسائل التواصل الاجتماعي والإذاعة والتليفزيون والسينما كلما سنحت الفرصة، والاستماع للموسيقى الراقية والأناشيد المتنوعة الجالبة للسعادة.

وكذلك من أجل السعادة لابد من الاشتغال بعمل مجدٍ ذي قيمة رفيعة يعود بالفائدة على المجتمع، أيًّا كان هذا العمل وبأي وسيلة كانت، وقد يكون من خلال مد يد العون والمساعدة للمحتاجين ومساندتهم والوقوف إلى جانبهم وتخفيف معاناة الحياة عنهم حسب الإمكانيات المتوفرة.

ولا نقصد بالوظيفة الراتبية، فكم من الوظائف عبارة عن بطالة مُقنعة أو شبه مُقنعة، مفرغة من مضمونها ومسماها، مكبلة، منزوعة الصلاحيات، لا تساوى الذهاب إليها مبكرا والانحباس فيها 7 ساعات أو أكثر لا تقدم شيئًا إلا الفراغ.

ومن أجل الحصول على السعادة أيضًا يتطلب التعايش بسلام مع الآخرين، مع تجنب التدخل في شؤونهم الخاصة، أو افتعال المشكلات معهم وإثارة الكراهية والبغضاء لديهم، وكذلك عدم مخالفة القوانين والأنظمة المتبعة التي قد تؤدي إلى المحاكم جراء سوء تقدير الأمور.

هؤلاء هم أصدقاؤنا الأوفياء، يكونون معنا وحولنا دائما إذا اجتهدنا وحرصنا على كسبهم والمحافظة عليهم من أجل سعادتنا.