سعيدة البرعمية
1- تمرّد أم خدعة!
ما حدث بالأمس في غضون 24 ساعة في روسيا، وما صاحبه من غموض حول هذا الأمر، يطرح تساؤلات عديدة: هل كان ذلك خدعة أم بسبب الإغراءات أو هو تنازلات لأسباب عينة؟!
ويمكن تلخيص الأحداث المعلنة عن وقوع تمرّد مسلح في روسيا نفذه قائد كتيبة فاغنر، قوبل بتهديد من بوتن نتج عنه انسحاب بريجوجين استجابة لتهديد الزعيم الروسي وترك جيشه تحت راية وزارة الدفاع وقبوله بالنفي إلى بيلاروسيا، وكأن لسان حاله يردد الأغنية الشعبية للشاعر جمعان ديوان: "الحمد لله يوم سلم راسي على المال ما شي حسوفيه" فظهر قائدا متمردا ثم كبشا مطيعا!
هذا الأمر أظن أن الشعب الروسي نفسه لم يستوعبه حتى الآن، وأنه ما زال يحلل الحدث وفق فهمه الخاص أو حسب توجهه السياسي، إذ لا يزال المشهد الروسي غامضا يحتمل الكثير من الاحتمالات، ويظلّ سلامة رأس قائد المجموعة الحدث الأبرز حتى الآن، الحدث الذي محا احتلاله لمدينة روستوف وأنهى التمرّد؛ فلا يُعقل لمتمرّد يؤمن بما أقدم عليه من شنّ عملية انقلابية يعمل تحت إمرته عدد كبير من الجيش يأتمرون بأمره، أن يتراجع أمام خطاب يعاتبه فيه الرئيس ويأمره بالتراجع من أجل حقن الدماء!
حقن الدماء! أستغربُ عندما يتحدّث قادة الحرب عن حقن الدماء.
من المعروف بأن بريجوجين الطبّاخ الأمين لبوتن سابقا، نال ثقته وأظنه ما زال ينالها؛ فهل طبختهما ما زالت تستوي على جمر مُتقِد تُرغم أوكرانيا على أكلها وهذا ما اتجه إليه بعض المحللين، أم أن الإغراء والطمع بالفعل ما زين له أمره وجعله يقود تمرّدا حينما اشتدّ عوده فانتهى الأمر بتقليم أظافره؟
من زاوية أخرى ننظر للأمر على أن بريجوجين "إنسان" والإنسان بطبيعته يخضع لدوافع نفسية تغريه؛ فيلجأ أحيانا للتضحية بمن حوله للوصول إلى لمبتغاه أو لخصخصة ما بحوزته للوصول إلى غايته.
مازلتُ أُخمّن بأن ما حدث ما هو إلا إحدى خطط بوتن، والحرب خدعة، وإذا كان الحدث حقيقيا؛ فتقبّل العفو والنفي السلمي أغرى بريجوجين بالخروج بالكثير من الخسائر مقابل سلامة رأسه بعد أن تبيّن له عدم استطاعته تكملة المسار.
الإنسان بطبيعته بيّاع ومخصخص، ويُعرف عن القائد العسكري بطبيعته مقدام وباسل وأمين؛ لكن في النهاية القائد إنسان!
لستُ أمام تحليل سياسي لما حدث ولا أمام توقعات للمشهد الروسي الأوكراني؛ لكني أتابع ما يحدث وأحاول فهم الإنسان، الذي يبدأ حربا ثم يتحدث عن حقن الدماء، الإنسان الذي يقود حربا قد تطول، الإنسان الذي يؤتمن ثم يخون، والذي تغريه المغربات فيبيع من أجلها ما استطاع.
ما يحدث في روسيا إلى الآن محاط بكمية من الغموض؛ لكن المغريات والخيانة والإرادة والحرب العنيدة تحتمل الخدعة، والدهاء موجود عند بوتن.
2- بِيعْ
يقال إن أول خصخصة في الوطن العربي جاءت من خلال أغنية "بيع الجمل يا علي" للمطربة الأردنية سميرة توفيق.
"بيع الجمل يا علي .. واشتري مهرٍ إلي"
هي تطالب علي الفقير ببيع أغلى ما يملك لأن والدها طمّاع وطالب مهر كبير، وكان الضغط عليه بالموافقة من خلال إغرائه بما يحمله البيت التالي من القصيدة.
كرمي لوّح واستوى.. والعنب طاب وحلا
ماذا لو لم تكن السياسة المتبعة لبيع الجمل سياسة الإغراء هل يقتنع علي الفقير ببيع الجمل، ويقدم مجددا على بيع النعجة والحمل!
بطبيعة الحال بعد بيع الغالي يسهل بيع ما دونه كالنعجة وكالحمل وأشياء أخرى كما ورد في الأغنية، وهكذا ليصل الحال بالبائع إلى للجلوس على الحديدة!
يقال إن هذه الفكرة وصلت للأذهان بصوت المطربة سميرة توفيق وهناك من استحسنها وعمل بها؛ فكثر البيع على كلّ المستويات والسبيل المتّبع هو الإغراء.
3- الخصْخصة الأسرية
نجد الخصخصة على المستوى الأسري في عالمنا العربي وغالبا من يخصخص هو الرجل كونه يملك السلطة، فبعض الرجال يبدأ منذ عهده بالزواج بخصخصة المسؤولية وينقلها تدريجيا من عاتقه ويسلسلها سلسلة ثقيلة ومتصلة على عاتق الزوجة؛ فهي من تدبر المنزل وتربي الأطفال وتعلمهم وتتحمّل وحدها كلّ أمورهم، ويكتفي هو بأنه ربّ الأسرة الذي يعيل ويعمل ويشقى، وعندما يرجع من عمله يأكل وينام ثم ينهض عصرا لشرب الشاي أو القهوة وتصفح الجوّال ثم الخروج والعودة إلى النوم.
ونوع آخر تراوده فكرة التعدّد فتتطور لديه الخصخصة؛ فيبدأ يخصخص في الزوجة والأبناء للوصول للمغريات الجديدة، ومن المعددين من لديه أربع نساء، وعندما تتجدد لديهم المغريات من حين إلى آخر، ويهم أحدهم بالزواج مجددا فيطلق إحداهن ليتزوج الخامسة؛ بل ولا يكتفي فيطلق إحداهن متى شاء ليتزوج السادسة وهكذا حتى تنتهي المغريات.
ما أودّ طرحه بعيدا عن المشاهد السياسية والاجتماعية، هو أنّ الإنسان بطبيعته يستجيب للإغراء أيّا كان نوعه وهذا ما يجعله يخصخص في الأول والتالي؛ على كلّ المستويات؛ لذا فإن الإغراء عميد الخصخصة.