أحمد الشملان.. مناضل من الزمن الجميل

مسعود أحمد بيت سعيد

رحل قبل أيام المحامي والشاعر والمناضل الكبير أحمد الشملان، ليرحل بذلك نجم آخر من النجوم الساطعة في السماء الخليجية.

بدأ الشملان حياته السياسية في صفوف حركة القوميين العرب واسعة الانتشار في المشرق العربي حينها، وبعد نكسة يونيو عام 1967 والتحولات الجذرية التي طالت معظم القوى السياسية في المنطقة العربية، أجرت الحركة مراجعة شاملة قادتها إلى الاتجاه الماركسي والاستقلال التنظيمي لمعظم فروعها، واشتقاق برامجها الخاصة على ضوء الإستراتيجية الجديدة.

هذه العملية مرت بمراحل معقدة، حيث رافقتها مزايدات لفظية ومراهقة فكرية وطموحات ذاتية، أدت إلى عرقلة إمكانية تحولها إلى حالة نوعية جديدة، وأصبحت الماركسية أهم الأسلحة التي وظفت لخدمة الغايات الشخصية، بينما من المفترض أن تكون الحركة الوطنية قد تسلحت بفكر ثوري يمكّنها من رؤية واقعها ومتطلباته بشكل أوضح.

كان أحمد الشملان في خضم هذه التحولات ضمن الحركة الثورية الشعبية التي جاءت ترجمة للتوجه الجديد، من خلال صهر فروع الحركة الخليجية في إطار تنظيمي جديد ولملمة أوضاعها من جهة ومواجهة القيادة التقليدية من جهة ثانية ومواصلة الحرب الثورية من جهة ثالثة.

وبطبيعة الحال، كان هناك برنامج قائم على الفرز الطبقي اختزل طبيعة المرحلة وتعقيداتها في تحليل نظري مبسط لم يعتمد على الواقع الموضوعي وحيثياته ومجمل التحالفات القائمة والمحتملة بشكل دقيقا والذي يستدعي تحديدا علميا لطبيعة الثورة الوطنية الديمقراطية التي تتطلب أوسع جبهة وطنية معادية للاستعمار وحلفائه، كما أن قضية الصراع الطبقي هي قضية لاحقة قد تضطر لها القوى التقدمية بعد إنجاز الاستقلال الوطني.

وكان الشملان يطمح في لعب دور الحزب الطليعي الذي يقود العملية الثورية في الساحة الخليجية كلها، وهو مشروع طموح ولكنه بحاجة إلى توفير مقوماته واشتراطاته ومحدداته النظرية والسياسية الناضجة وحوامله التنظيمية الراسخة، إلا أنه سرعان ما دبت الخلافات في صفه القيادي، الأمر الذي أفقده المقدرة على التأثير الفعلي.

وفي بداية السبعينيات انتقل لجبهة التحرير البحرينية، وتعرض الشملان للسجن عدة مرات وعلى فترات مختلفة، وبقى مخلصا للمبادئ الوطنية، وفي عام 2022 اختير رئيسا فخريا للمنبر التقدمي البحريني، تكريما لدوره النضالي التاريخي.

ولا شك أن الراحل يعد قيمة فكرية كبيرة تتميز بالاجتهادات الفكرية والسياسية المتعلقة بقضايا النضال، ومنها ممارسة الكفاح المسلح في جميع الساحات الخليجية والتي يرى صعوبته على ضوء معطيات الواقع الموضوعي والذاتي، كما نلمس ذلك بوضوح من خلال سيرته التي وثقتها شريكته ورفيقة دربه الأستاذة فوزية  مطر في  كتابها "أحمد الشملان.. سيرة مناضل وتاريخ وطن"، وهو كتاب توثيقي شامل يتناول تاريخ الرجل والمرحلة والحركة الوطنية بأحداثها وشخوصها منذ بواكيرها الأولى، وقلما تجد له مثيلا في السير الشخصية والنضالية.

ومن خلال هذا الكتاب تستطيع التعرف على مسيرته النضالية والصعوبات التي مر بها والإرهاصات الأولية للتشكيلات الوطنية ومخاضات المراحل التاريخية القاسية التي تعرض لها جيل كامل من المناضلين العرب.

وقد أنجزت فوزية مطر هذا العمل الهام الذي تطلب منها جهدا كبيرا على أكمل وجه، وإن كانت لا تخفي عتبها على بعض العمانيين لعدم التجاوب معها ومدها بكل ما في حوزتهم من وثائق ومعلومات تتعلق بالراحل الكبير، ومهما كانت مبرراتهم وتحفظاتهم إلا أن الواجب الثوري والأخلاقي يفرض الاستجابة  وتقديم الممكن، وذلك على افتراض أن لديهم ما يقدموه خاصة وأن الراحل كان مساهما في العملية الثورية وله زيارات معروفة للمنطقة، قدم خلالها دراسة شهيرة حول الوضع الطبقي في ظفار، ومن حق الأجيال القادمة الاطلاع على تفاصيل تجربته النضالية من كل جوانبها والاستفادة من دروسها الثمينة، وفي كل الأحوال  ما استطاعت توثيقه قد أضاء جوانب مشرقة من مسيرته النضالية والسياسية والشخصية.

وفي هذه المناسبة الأليمة، لا يسعنا إلا أن نترحم عليه وأن نتقدم بالتعازي لرفيقة دربه وأسرته ورفاقه في المنبر الوطني التقدمي والحركة الوطنية البحرينية.

masoudahmed58@gmail.com