أما آن للفواجع أن تنتهي؟!

 

د. عبدالله باحجاج

أُصبنا يوم الجمعة الماضية بفاجعة وفاة أربعة أشخاص من أسرة واحدة على الطريق البري الوحيد الذي يربط ظفار بترابها الوطني، في استمرارية للفواجع المُؤلمة التي تحدث على هذا الطريق، في مثل هذه الأيام، التي يُشد فيها الرحيل إلى عاصمة الضباب والرذاذ والسحاب الذي يُعانق قمم الجبال، وكذلك أيام المناسبات كالأعياد والإجازات.. وكل التوقعات تشير إلى تجاوز مليون سائح وزائر لخريف ظفار 2023.

وهذه الاستمرارية المتجددة للفواجع تجعلنا نقف في مقال اليوم أمام قضيتين أساسيتين وعاجلتين؛ وهما:

الأولى: ضرورة استكمال ازدواجية هذا الطريق بكل مراحله المتبقية دفعة واحدة، وفورًا بُعيد انتهاء فصل الخريف، فهو من الأولويات القصوى والعاجلة، ويتوقف عليه مستقبل السياحة والتنمية الاقتصادية والحركة التجارية، فما تبقى منه من مسارات واحدة من البديهيات توقع الحوادث فيها، والظرفية المالية للدولة مواتية الآن، ورغم اعتماد مخططات المرحلة الثالثة، إلا أن التنفيذ أبى أن يخرج عن تاريخية تأخير استكمال ازدواجية طريق مسقط صلالة البري، وهو تاريخ مشهود له بالتأجيلات من عدة عقود رغم توفر السيولة المالية، فأرصدته ترحل رغم سقوط الضحايا عليه.

وبقاء المسارات الواحدة على مفاصل أساسية من هذا الطريق، أكبر اختبار للأقوال التي تتحدث عن تطور السياحة، فمعيار الحكم على المصداقية والصدقية من خلال الأفعال وليس الأقوال، لا يمكننا الرهان على الأقوال التي تعتبر السياحة من المصادر الخمسة الأساسية لتنويع الاقتصاد العماني وتعجز عن ازدواجية ما تبقى من هذا الطريق الحيوي والاستراتيجي المتعدد الأغراض؟ كيف نتطلع لجذب السياح والزوار؟ وهذا الطريق يحصد الأرواح، والأعمار بيد الله جل في علاه.

هذا أكبر المؤشرات التي تجعلنا نرصد الفارق بين الأقوال والأفعال من جهة، وبين القديم والحديث من حيث الأداء من جهة ثانية؛ فالتأجيل المشترك المثير للجدل يدفعنا للسؤال: هل هذا هو الأداء الذي سيطور قطاع السياحة في بلادنا، ويجعلها مصدرَ دخلٍ مستدامٍ؟ وهل هو كذلك الذي سيخلق المنافسة الإقليمية؟

الثانية: استخدام الهاتف أثناء القيادة؛ إذ يُعد استخدام الهاتف (الموبايل) ظاهرة اجتماعية متعددة الجنسيات، وخليجية عمانية بامتياز؛ سواء على الشوارع الداخلية أو تلكم التي تربط المحافظات أو ولاياتها، أو الدولية بين الدول الخليجية الستة، وهي سبب رئيسي لحوادث المرور، وقد طالبنا بإحصائيات رسمية حديثة، لكنها لم تصل إلينا حتى الآن، وسنأخذ إحصائيات دول مجاورة لبلادنا لتوضيح تأثير استعمال الهاتف أثناء القيادة، وكيف ينبغي الإسراع في تشديد العقوبات.

ففي الإمارات، فإن نسبة ما بين 30 و50% من الوفيات الناتجة عن الحوادث المرورية تقع بسبب استخدام الهاتف أثناء القيادة، وفي السعودية، بلغت نسبة الحوادث التي تصطدم فيها السيارات بالسيارات المقابلة لها بسبب استخدام الهاتف أثناء القيادة 78% من جملة الحوادث، وأكثر من 1300 مخالفة في الرياض العاصمة يوميًا لسائقين يستخدمون الهواتف النقالة أثناء القيادة، ويتجاوز عدد المخالفات 15 ألف يوميًا في مختلف مناطق السعودية. وفي قطر، أكثر من نصف الحوادث المرورية المميتة سببها استخدام الهاتف النقال أثناء القيادة، ولن تشذ بلادنا عن محيطها الخليجي إذا لم تتفوق فيه، وهذا ما نرصده كظاهرة يومية.

هذه الدول التي ينتشر فيها استخدام الهاتف النقال أثناء القيادة، يشكل مواطنوها الغالبية العظمى لزوار وسياح خريف ظفار في كل عام، وهم يغادرون بلدانهم أو ولاياتهم بهذه الثقافة، أي ثقافة استخدام الهاتف النقال أثناء القيادة دون خوف من الموت أو من عقوبات رادعة، فكيف لا نتوقع الحوادث المميتة على الشوارع والطرق؟ وكيف بالشوارع ذات المسار الواحد، كالأجزاء غير المزدوجة بين هيماء وثمريت؟ فالسائق لن يتمكن من التركيز على الطريق أثناء المحادثة، خاصة إذا ما كانت ساخنة في قضاياها، أو حملت أنباء غير سارة أو صاحب السائق إرهاق من المدة الزمنية الطويلة للسياقة، وقد أعجبتني مقولة لأستاذ جامعي خليجي يرددها على طلابه وهي "ما أجتمع هاتف بقائد سيارة، إلا وكان الحادث المروري ثالهما".

وقد أصبح معظم- إن لم يكن كل- قائدي المركبات يسارعون في الرد على الاتصالات؛ بل والتفاعل مع الرسائل والرد على الإيميلات كتابة.. وكأنهم في أمن من وقوع الحوادث!! وستكثر هذه الحالات في الخريف، ولا بُد من تشديد القوانين والعقوبات الردعية عاجلًا، ويصل بها إلى مستوى تجريم كل من يمسك الهاتف في يده أثناء القيادة، كما هو سائد في بعض الدول الأوروبية، ووضع الهاتف في اليد مؤشر على فعل الاستخدام أو مشروع استخدام، لذلك ينبغي أن يعاقب؛ لأنه يعتبر فعلا قد يؤدي لحادث سواء على الطرقات والشوارع الداخلية أو التي تربط بين المحافظات وولاياتها، فكيف إذا ما كان المسار واحدًا؟

ظفار ترحب بكل سياحها وزائريها، وهذه الأيام تشهد ولادة الخريف بمشاهد ومشاهدات حالمة خاصة في الجبال، وتبشر باستثنائية فصلية بمشيئة الله، وندعو كل من يأتيها برا الانتباه والتركيز أثناء الطريق؛ سواء كان بمسارين أو مسار واحد.

إن الأخذ بالأسباب المادية والسلوكية من واجبات السلامة على الطرقات، وهي من مسؤولية قائدي المركبات، فقد نحمل الجهات الحكومية مسؤولية استكمال الازدواجية وتوفير الخدمات الضرورية على طول هذا الطريق.. لكنا نحمل في الوقت نفسه كل قائد مركبة المسؤولية في توخي الحذر، والتريث في الوصول؛ فالاستهتار بالطريق والسرعة خطوط حمر؛ لأنها تُفضي إلى أسوأ النتائج؛ لا قدَّر الله.