نظفوا قلوبكم

 

حمد الحضرمي **

 

خلق الله الإنسان في أجمل وأحسن صورة، وجعله خليفته في الأرض، وكلفه بإعمارها، فالهدف من خلق الإنسان هو تعمير الأرض وبناء الحضارة الإنسانية، وذلك بغرس مكارم الأخلاق في السلوك الإنساني، وعلى الإنسان أن يحمد الله ويشكره على نعمه عليه التي لا تحصى ولا تعد، ولكن للأسف الشديد أصبح كثير من الناس تائهين وغير قادرين على معرفة الطريق المستقيم، وهذا ما جعلهم يقضون أعمارهم في الأوهام والظنون.

والإنسان يقاسي الصعوبات بشتى أصنافها منذ ولادته حتى وفاته، فسيرة حياته عبارة عن أزمات متوالية، وشدائد قاسية، فهو يُكابد أمر الدنيا والآخرة، وهذا أمر منطقي لأنَّ الدنيا هي فترة عمل وامتحان، وفي الآخرة يكون الحساب إلى الجنة أو إلى النار، والناظر والمتأمل في حياة الإنسان يجدها محفوفًة بالأخطار والمتاعب والصراع مع الأهواء والغرائز. والإنسان المخلوق الضعيف يكافح في بحر متلاطم الأمواج، والفتن والإغراءات تحيط به من كل الجوانب، وعليه أن يصمد أمامها إذا أراد النجاة.

إن الإنسان شاهد على نفسه، تشهد عليه جوارحه وحواسه، ولو جاء بكل الأعذار لتبرير أفعاله، فإن ذلك لا ينفعه، لأن كل شيء مشكوف عند الله تعالى. والمضحك المبكي أن الإنسان بصير بعيوب غيره، وجاهل بعيوب نفسه، ولو اشتغل بتصحيح أخطائه وإزالة عيوبه، لما وجد وقتًا لمراقبة الناس وتصنيفهم إلى صالحين وفاسدين.

أتعجب من بعض البشر الذين يهتمون بطهارة أبدانهم وملابسهم- وهذا أمر محمود- حتى يراهم الناس في أحسن مظهر، ولكن في الجانب الآخر يهملون طهارة قلوبهم التي أصبحت كالسواد المظلم من الحقد والحسد والغل والبغضاء، فتجد قلوب بعض الإخوة والأخوات الأشقاء والأصدقاء والجيران قد تباعدت وتنافرت وتقلبت وتغيرت، فأصبحت قلوبهم على بعضهم البعض مملوءة بالكراهية والشحناء.

إن سلامة القلب من الحسد والأحقاد خلق كريم يحيا به الإنسان راضيًا مستريح النفس والضمير، إن سلامة القلب من الضغن والحقد والحسد، ينبغي أن يكون أول ما يتصف به المؤمن، إذ لا يكتمل إيمانه حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وصاحب القلب النقي يبارك الله في القليل من أعماله، ويجعل التوفيق والنجاح والسداد حليفه في كل حياته، وفي الحديث المشهور أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر رجلًا بالجنة ثلاث مرات، لأنه ينام وليس في قلبه غلًا لأحد، وأنه لا يجد في نفسه لأحد من المسلمين غلاً ولا حسدًا على خير أعطاه الله إياه.

إن قلب الإنسان المسلم إذا كان يحمل صفات الحسد والغل والبغض، فعمله يكون غير زكي، وقلبه يصبح خالياً من الإيمان، ولا ترتفع أعماله إلى الله، وقد بين لنا ذلك رسولنا الكريم كما جاء في الحديث: "إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب". أن هذه الصفات المذمومة تمحق الإيمان، وتفسد القلب، وتجلب سخط الرب.

وقد وقعت أحداث ووقائع مأساوية عبر الزمان، كان الإنسان صاحب القلب الحاقد الحاسد هو أحد أبرز أسبابها، حيث نالت هذه الأحداث والشائعات زورًا وبهتانًا أناس قادة وعلماء وأئمة صالحين، والسبب حسدِ حاسدٍ مريض النفس، وكم من فتن أوقدت وأحقاد سُعرت بسبب مرض القلوب وحسد النفوس، وكم من أسر وإخوة وأخوات تفرقوا وتبعثرت صفوفهم وتمزقت بفعل حسود حقود خسيس زرع الفتنة دون أن يخشى الله رب العالمين، وعلينا التحلي بالصبر من أذية الحاسد، وصدق الشاعر عندما قال:

اصبر على كيد الحسود // فإن صبرك قاتله

كالنار تأكل بعضها // إن لم تجد ما تأكله.

ومن المشاهد والواقع أمامنا أن أكثر وقائع الحسد تقع بين الإخوة والأصدقاء والأقارب والأقران، فيثور بينهم الشحناء والبغضاء، فيجب محاذرة الحاسدين ومقاطعة المغتابين، ليدركوا شنيع فعلتهم وقبيح خصلتهم، وقد حذر الله نبيه صلى الله عليه وسلم في الحديث، حيث قال :" يا معشر من آمن بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه في بيته". وعليكم بالغبطة، وترك الحسد؛ فالغبطة أن تتمنون الخير أن ينالكم مثل ما نال أخيكم، ولا تكونوا حسادًا فتتمنون زوال النعم عن إخوانكم وأصحابكم. واعلموا بأن الله ينتقم من مريض القلب صاحب الحسد، تصديقًا لقوله تعالى: "ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله" (فاطر/43).

أيها الأحبة الكرام: نحن في موسم عظيم يحب الله العمل فيه، إنها أيام العشر من ذي الحجة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث: " إن أفضل أيام الدنيا العشر يعني عشر ذي الحجة ". فعلينا جميعًا اقتناص هذه الفرصة الثمينة، والسعي لتحصيلها وعدم تفويتها، وعلينا بالتوبة والإنابة عن المعاصي والذنوب، وترك الأخلاق الذميمة والصفات القبيحة، وتصفية وتطهير قلوبنا من الأمراض القلبية الفتاكة التي هي في الصدور، كالحسد والأحقاد، لأنها أمراض خبيثة تسبب العداوة والبغضاء والفرقة والخصام والقطيعة. فلا تكن يا أخي حاقدًا حسودًا؛ فإن سلامة القلوب وصفائها ونقائها من الغل والحقد والحسد طريقًا إلى جنة عرضها السماوات والأرض.

اللهم إنا ندعوك في هذه الأيام والليالي المباركات أن تطهر قلوبنا من الحسد والحقد والبغضاء، وارزقنا الرضا بما قسمت، وألهمنا الشكر على ما أعطيت، فنحن راضين بقضائك، شاكرين لك على نعمائك. ولأننا عن هذه الدنيا راحلون، فيجب علينا أن ننظف قلوبنا، فالجنة تنتظر أصحاب القلوب النقية السليمة، وحتى نحقق هذا الهدف، علينا أن نعيش مع الجميع في مودة ومحبة وصفاء ووئام، بقلب وصدر سليم خالٍ من الأحقاد.

** محامٍ ومستشار قانوني

تعليق عبر الفيس بوك