المهندس الاستشاري ودوره في المشاريع الإنشائية

 

أنور بن خميس العريمي **

alaraimianwar@gmail.com

يُعد تعيين المهندس الاستشاري من الأمور الضرورية في مشاريع البناء التي تتطلبها الإجراءات البلدية التنظيمية لموضوع البناء في السلطنة وفي كل دول العالم، حيث يتم اختياره من قبل رب العمل على أساس خبرته التخصصية وكفاءته العالية وأدائه الذهني الذي يتحول إلى تطبيق عملي لإعداد التصاميم الهندسية لمراحل المشروع حسب الأصول الفنية والمهنية بالتوافق مع القوانين واللوائح المنظمة لتلك الأعمال وأيضًا الإشراف على تنفيذ أعمال عقد المقاولة، بحيث يؤدي عمله بالكفاءه اللازمة والالتزام بالسرية التامة بشأن البيانات والمعلومات الخاصة به .

كما تم تعريف المهندس الاستشاري وفقًا لرؤية عقد الفيديك (بأنه الشخص الذي يمتلك المعارف العلمية والتقنية والمهنية والخبرة العملية، والذي يمارس المهنة باسمه الخاص مستقلًا عن أي مؤسسة تجارية أو حكومية لصالح عميله ويتصرف بحياديه تامة ولا يتلقى أي عقود إلا من عميله). (انظر على الشلقاني، الترجمة العربية لعقد الفيديك ط3. 1998).

لذلك يعتبر المهندس هو الناصح الأمين لرب العمل في قراراته واعتماداته للأعمال وفقًا للالتزامات الواردة في العقد الخاص بالخدمات الاستشارية من خلال تقديمه المشورة الفنية المدروسة والتبصير بالبيانات الحقيقية والنصائح الاسترشادية التي يجب أن تتسم بحسن النية حتى لو لم تكن من ضمن التزاماته في شروط العقد، وإنما كونها ذات صلة بالمشروع ومتطلباته أيًا كان هذا المهندس الاستشاري شخصًا طبيعيًا أو اعتباريًا كالمكاتب الاستشارية الهندسية.

مهمة المهندس المشرف على التنفيذ تنقسم إلى عدة أقسام أهمها:

أولًا: الإشراف الدائم والمراقبة الدورية على الأعمال حيث يتأكد من التنفيذ الصحيح للرسومات والتصاميم على الطبيعة .

ثانيًا: إدارة المشروع والعقد من الناحية المالية والزمنية بحسب المقدر له مسبقًا .

ثالثًا: ضبط الجودة (Quality control) في المشروع والتي تتم عن طريق تطبيق المنهج المخطط للجودة (Quality Assurance) في فحص واستعمال مواد البناء المطابقة للمواصفات من حيث النوع والكمية وعمل الاختبارات اللازمة لها .

للمهندس الاستشاري دور محوري في مصير المشروع نجاحه أو فشله من خلال تحقيق النتيجة المطلوبة وهي إنجاز العقد على أكمل وجه بعد الدراسات المستفيضة والتحليلات الدقيقة لجميع عناصره حسب المعطيات الأولية المقدمة له عن المشروع مع إضافة أفكار جديدة بتصاميم إبداعية حسب خبرته ومهاراته المتميزة ثم الإشراف على تنفيذها بعناية فائقة .

ومن مهامه أيضًا قيامه بفض النزاعات بين رب العمل والمقاول بقرار نهائي وملزم ودوره هنا شبيه بدور المحكم، لذا ينبغي عليه دائمًا أن يكون حياديًا كما قرره عقد الفيديك في التعريف السابق، ويتجنب افتعال المشاكل وخلق الخلافات أو زيادتها عبر إصدار القرارات التعسفية ضد المقاول من دون وجه حق وتوجيه تعليمات وأوامر مخالفة لشروط العقد وبنوده القصد منها السيطرة والتفرد بالرأي الشخصي وليس لمصلحة الأطراف، لأن أغلب النزاعات التي تحدث بين رب العمل والمقاول سببها المهندس وقراراته السلبية حسب ما نراه كثيرًا على أرض الواقع للأسف الشديد إلا ما ندر  .

إن المهندس حلقة وصل يتميز بمصداقيته لإثراء المشروع بالمعرفة وبتبادل المعلومات والأفكار الإبداعية والتصورات المختلفة وتعزيز فكرة التحاور والتفاوض عند ممارسته لمهمته الإشرافية والرقابية الفنية خلال مراحل عقد المقاولة لتلافي حصول النزاعات وتجنبها للوصول بالمشروع إلى بر الأمان، حيث ينبغي عليه أن يكون متصفًا بالمرونة المهنية وأن يترفع عن الصغائر ويتغاضى عن بعض الأمور والمتطلبات التي لا تمس جوهر نطاق العمل ويكون منصفًا عادلًا في اتخاذ قراراته بشأن استحقاقات الأطراف بموجب شروط العقد .

يخضع المهندس الاستشاري لعدة مسؤوليات منها: المسؤولية العقدية التي تنجم عن عدم التزامه وإخلاله بشروط العقد الذي يربطه برب العمل .

والمسؤولية التقصيرية التي تترتب عن إخلال المهندس بالتزام قانوني والإضرار بالغير نتيجة أخطائه الجسيمة وتقصيره في عمله ما يؤدي إلى حصول خسائر مادية أو معنوية منها على سبيل المثال عدم البت في المطالبات الخاصة بالمقاول أولاً بأول وترك الأمور الهامة التي تحتاج إلى قرارات سريعة ومستعجلة معلقة إلى إشعار آخر .

ومسؤولية الضمان العشري أو المسؤولية العشرية التي نظمتها مواد (634) و(635) و(636) و(637) من قانون المعاملات المدنية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (29/ 2013) وأيضًا المادة (22) من قانون تنظيم المكاتب الاستشارية الهندسية بالمرسوم السلطاني الصادر برقم (27/ 2016) التي تنص على أن: "يكون المرخص له المصمم أو المشرف على التنفيذ مسؤولا- بالتضامن مع المقاول- عما يحدث من أخطاء وعيوب في المشاريع التي صممت بمعرفته، أو نفذت تحت إشرافه، ولو كان العيب راجعًا إلى الأرض المقام عليها المشروع، أو كان صاحب العمل قد أجاز إقامة المنشآت المعيبة، وذلك لمدة 10 سنوات من تاريخ تسلم تلك المنشآت. وإذا اقتصر عمل المكتب على وضع التصميم دون أن يكلف بالإشراف على التنفيذ لا يكون مسؤولًا إلا عن العيوب التي نتجت عن التصميم، ويقع باطلًا كل اتفاق أو شرط يقصد به الإعفاء من الضمان أو الانتقاص منه. وتسقط دعوى المسؤولية عن الضمان بانقضاء 3 سنوات من وقت اكتشاف الخطأ أو العيب أو الخلل الموجب للمسؤولية دون اتخاذ إجراءات إقامة الدعوى المشار إليها".

وعدم مراعاة تلك المسؤوليات من قبل المهندس الاستشاري والالتزام بضوابطها تدخله في دائرة ارتكاب الجرائم والجنايات ما يترتب عليها عقوبات وجزاءات رادعة تحددها درجة الجسامة في الإهمال والإخلال بالأعمال المناطة إليه بحسب كل مسؤولية على حدةٍ.

يتبين لنا وبكل وضوح أن الإخلال الجسيم بشروط العقد يترتب عليه قيام المسؤولية التعاقدية ثم يؤثر في بعض الأحوال على الغير ومن ثم يترتب عليه قيام المسؤولية التقصيرية أو قيام المسؤولية العشرية؛ كالتأخير الكبير والدائم في تقديم المخططات التنفيذية من قبل المهندس الاستشاري عن المدة المحددة، مما يؤدي إلى تأخير في تنفيذ الأعمال عن مدة إكمالها وبالتالي توقيع غرامة التأخير على المقاول من رب العمل بموافقة المهندس الاستشاري عن ذلك الإخفاق.

وكذلك إذا وافق على استخدام المقاول مواد رديئة مخالفة للمواصفات المطلوبة حسب العقد وخاصة في الأجزاء الأساسية للإنشاء، يؤدي بذلك إلى ضعف تلك الأجزاء المتينة ثم التهدم الكلي أو الجزئي للمبنى . وبالتالي تقع عليهما مسؤولية الضمان العشري.

الأخطاء التي يرتكبها المهندس الاستشاري المصمم والمشرف على التنفيذ والتي تعرضه لتلك المسؤوليات المدنية على سبيل المثال ليس للحصر:

1- عدم التزامه بالقوانين واللوائح المنظمة لأعمال البناء .

2- عدم مراعاة الأصول الفنية في التصميم أو الإشراف على التنفيذ .

3- الإهمال الجسيم في إعداد التصاميم أو الإشراف على التنفيذ .

4- سوء إدارة المشروع مما يسبب أعباء مالية إضافية على رب العمل .

5- وضع مقايسات وقياسات غير دقيقة معتمدة على رسومات غير مكتملة وغير متفقة مع طبيعة الموقع وتضاريسه .

6- وضع مواصفات فنية لمواد غير مناسبة لتصاميم المشروع وموقعه وذات جودة ضعيفة .. إلخ.

وفي الختام.. نُناشد الجهات المعنية في الدولة بإهتمام أكبر بالمهندسين ومكاتبهم الاستشارية الهندسية ورفع مستواهم وتطوير مهاراتهم وقدراتهم المهنية من خلال التدريب المستمر كلٍ في مجاله لأنهم صِمَام الأمان الهندسي في مجال التشييد والبناء العمراني. إضافة إلى دعمهم المادي والمعنوي وتذليل الصعوبات والتحديات التي تواجههم لممارسة أعمالهم بكفاءة عالية وتوفير بيئة عملية ومهنية مناسبة للحفاظ على استدامة تلك الكيانات والمكاتب من الإفلاس ثم الإغلاق عبر تنظيم أفضل لأعمالهم بإصدار التشريعات الخاصة بهم واللوائح التقديرية لأتعابهم ومجهوداتهم بحسب الفئات ودرجات التصنيف الهندسية المعتمدة في جمعية المهندسين العمانية ولا يترك الباب مفتوحًا على مصراعية لمستغلي تلك المهنة الرفيعة وعبث العابثين.

** خبير هندسة مسح الكمیات ومُحكِّم تجاري

تعليق عبر الفيس بوك