الذكاء الاصطناعي.. مخاوف وآمال

 

د. سالم بن عبدالله العامري

بحث الإنسان على مر الزمن عن اختراع يمكنه أن يحاكي العقل البشري في نمط تفكيره، فكان الذكاء الاصطناعي حاضرًا، ولكن حضوره كان فقط في صفحات وروايات الخيال العلمي، ومختبرات البحوث حتى عام 2018 أصبح الذكاء الاصطناعي حقيقة لا خيال، ولم يعد يحتل مكانًا في عالم الروايات الشعبية وأفلام الخيال العلمي فقط، فقد نمت هذه التكنولوجيا بشكل كبير على أرض الواقع حتى أصبحت أداة رئيسية تدخل في صلب مختلف القطاعات لتصبح جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية.

وكان أول من صاغ اصطلاح الذكاء الاصطناعي هو جون مكارثي وآخرون من خلال ورقتهم البحثية المقدمة في مؤتمر عقد في كلية دارتموث بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1956، والتي كانت بمثابة الانطلاقة الحقيقية لاصطلاح الذكاء الاصطناعي، وتحفيز بحوث الذكاء الاصطناعي في الأعوام التي تليه، وقد شهد الذكاء الاصطناعي تطورًا كبيرًا؛ إذ خسر بطل العالم في لعبة الشطرنج جاري كاسباروف في العام 1997 مباراة شطرنج مع برنامج حاسوبي طورته إحدى الشركات المتخصصة في الحواسيب الذكية، وازداد تطور الذكاء الاصطناعي في الآونة الأخيرة، بشكل غير مسبوق حتى باتت أنظمته التي قد تتجاوز ذكاء البشر تثير مخاوف الكثير من القادة والعلماء والدول.

ويعرف الذكاء الاصطناعي بأنه الذكاء الذي تبديه الآلات والبرامج بما يحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها، مثل القدرة على التعلم والاستنتاج ورد الفعل على أوضاع لم تبرمج في الآلة. وهي تقنية ترتكز على تطوير شبكات عصبية صناعية تحاكي في طريقة عملها أسلوب الدماغ البشري، أي أنها قادرة على التجريب والتعلم وتطوير نفسها ذاتيا دون تدخل الإنسان.

ويحاكي الروبوت ذكاء البشر ويتأقلم مع السلوك البشري، ورغم أن الكثير من الناس يجهلون حقيقة الذكاء الاصطناعي، إلّا أن أشكال الذكاء الاصطناعي بدأت بتحويل حياتنا اليومية بالفعل شيئًا فشيئا، ومنها على سبيل المثال عندما نستخدم خاصية التعرف على الكلام (تحويل الكلمات المنطوقة إلى نص) في هواتفنا الذكية أو من خلال رسم خرائط لسكان العالم باستخدام برنامج التعرف على الصور، لتحليل صور الأقمار الصناعية وغيرها من البرامج والتطبيقات التي أصبحت متاحة وفي متناول الجميع.

وقد بات الذكاء الاصطناعي حديث الأوساط سواء السياسية أو الاقتصادية وغيرها؛ حيث قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش مؤخرًا إن العلماء والخبراء أعلنوا أن الذكاء الاصطناعي تهديد وجودي للبشرية، لا يقل عن الحرب النووية، مؤكدًا على أنه يجب أن نأخذ تلك التحذيرات بجدية بالغة. وبحسب وكالة فرانس برس، أكد رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك أن للذكاء الاصطناعي إمكانات مذهلة لتغيير حياتنا إلى الأفضل، لكن علينا أن نتأكّد من أنه يطوَّر ويُستخدم بطريقة آمنة، مؤكدًا في الوقت نفسه، أن بلاده سوف تستضيف قمّة خلال هذا العام بخصوص الذكاء الاصطناعي.

ويشهد مجال الذكاء الاصطناعي تطورًا لافتًا في الآونة الأخيرة، وتزايدت المخاوف من أنظمته التي قد تتجاوز ذكاء البشر، أو تخرج عن السيطرة، مع ظهور جيل جديد من برامج محادثات الذكاء الاصطناعي عالية القدرة مثل "تشات جي بي تي"؛ حيث أكد العلماء والخبراء بأن الخطر الأكبر في الذكاء الاصطناعي ليس فقط خروجه عن السيطرة بالتحديد، وإنما في استخدامه بشكل لا أخلاقي من جانب الدول التي تقوم بتطويره، واعتباره سباق تسلح من نوع جديد سيفرض سيطرته على الساحة في المرحلة القادمة. وكان أكثر من ألف باحث وخبير في التكنولوجيا، بينهم مالك تويتر"إيلون ماسك" قد وقعّوا خطابًا مطلع العام الجاري، دعوا فيه إلى وقف تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي لمدة ستة أشهر لما قد تمثله من أخطار كبيرة على المجتمع والبشرية بأكملها.

ووفق خبراء التكنولوجيا، فإن أنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية لديها بالفعل قدرات أكبر من البشر لكنها تقوم بمهام محددة مبرمجة على تحقيقها، وتنجح بالفعل في تنفيذ تلك الأهداف بشكل أفضل وأذكى من قدرات البشر. ونظرًا لما يشهده الذكاء الاصطناعي من تطور سريع يتم بناء "روبوتات" تحاكي الإنسان تسير وتعمل بطرق مشابهة للبشر، وتستطيع "استشعار العواطف والمشاعر والحالات النفسية البشرية وقراءة التعبيرات الجسدية وتحليل نبرة الصوت.

واستجابةً لمثل هذه المخاوف، بدأت بعض دول العالم في اتخاذ إجراءات وخطوات أكثر صرامة من أجل صياغة لوائح وقواعد متعلقة بتطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، مطالبين بسرعة وضرورة تنظيم منتجي ومطوري الذكاء الاصطناعي على نطاق عالمي، وخلق أنظمة قوية جدًا تمكن الجميع من السيطرة على هذه التقنية الجديدة.

من جانب آخر، تعقد الآمال على تحقيق مستقبل أفضل لمُعالجة الكثير من التحديات التي يواجهها العالم من خلال توظيف تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، فعلى الصعيد العالمي، أطلقت شركة مايكروسوفت برنامج الذكاء الاصطناعي من أجل الأرض والذي يهدف إلى حماية كوكبنا من خلال استخدام علم البيانات. وكذلك تطبيق الذكاء الاصطناعي لمساعدة المكفوفين، والذي يمكن من خلاله قراءة النص بصوت عالٍ والتعرف على الأشخاص وعواطفهم، إضافة إلى وصف المشاهد اليومية بهدف تمكين الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة بالحصول على الاستقلالية والإنتاجية.

إضافة إلى الذكاء الاصطناعي لخدمة العمل الإنساني والذي سيسخر قدرات الذكاء الاصطناعي من أجل مساعدة العالم على التعافي من الكوارث، وتلبية احتياجات الأطفال، وحماية اللاجئين والنازحين، فضلاً عن تعزيز تطبيق قوانين حقوق الإنسان.

وعلى الصعيد المحلي، يمكن من خلال استخدام قوة الذكاء الاصطناعي، الاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي نظرًا لما فيه من إمكانات مذهلة لتغيير حياتنا إلى الأفضل، على مستوى الخدمات وتحليل البيانات والارتقاء بالأداء الحكومي وتسريع الإنجاز وخلق بيئات عمل مبتكرة وأسواق جديدة واعدة ذات قيمة اقتصادية عالية، والاستثمار في مجالات مختلفة من بينها الصحة والتعليم والإعلام وقطاع الصناعة والمال والأعمال وغيرها، من خلال تبني استراتيجية واضحة وتهيئة البنية التحتية المناسبة لمواكبة هذه الثورة التكنولوجية المتسارعة.

وختامًا.. ينبغي أن يعترف صناع القرار بالقدرة غير المَسبوقة للذكاء الاصطناعي، وأن يتبعوا نهجًا أكثر استباقية لمُعالجة التقنيات الجديدة المتطورة، فالخطر الأكبر لا يكمن في الذكاء الاصطناعي ذاته، وإنما يكمُن في عدم اتخاذ أي إجراء أو خطوات تنظم تطوير وتوظيف تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بما يحقق المكاسب والآمال المشروعة، ويبدد المخاوف والتهديدات المحتملة.

تعليق عبر الفيس بوك