مواجهة التحديات في مؤسسات التعليم العالي

د. علي بن حمدان البلوشي **

شهدت الجامعات في جميع أنحاء العالم تغيرات في أدوارها على مدى العقود الماضية وسعت إلى التركيز على إيجاد بيئة تمكينية وإنشاء أدوار شراكة مع القطاعين العام والخاص، إلى جانب مسؤولياتها التعليمية والبحثية.

وإيجاد بيئة تمكينية في مؤسسات التعليم العالي يعني وجود بيئة أكاديمية ورؤساء وعمداء ذوي رؤية واضحة وأكفاء يواكبون الاتجاهات الحديثة في التعليم على المستويين المحلي والدولي وقادرين على توفير الموارد المادية المطلوبة لتأمين البنية التحتية للمؤسسة لتشمل المباني الحديثة من القاعات الدراسية ومختبرات ومعدات، واختيار الموارد البشرية المؤهلة وأعضاء هيئة التدريس مؤهلين، واتباع مناهج حديثة. إضافة إلى عقد عدد من الندوات التخصصية الموجهة نحو البحث العلمي وتطوير المناهج الدراسية.

وحددت المفوضية الأوروبية، على سبيل المثال، 3 تحديات رئيسية تواجه مؤسسات التعليم العالي وهي: جودة عالمية المستوى، وتحسين الحوكمة، وزيادة وتنويع التمويل للاستجابة بكفاءة وسرعة الاستجابة لمطالب المجتمع. كما أدخلت الحكومات الأوروبية بعض التغييرات في سياساتها التعليمية مثل منح الاستقلالية للجامعات الفردية من خلال الاعتراف بأنَّ الجامعات هي مصدر تعليم وتأهيل الموارد البشرية. لذلك، فإن إيجاد بيئة مواتية (تمكينية) في مؤسسات التعليم العالي أصبح استراتيجية أساسية في هذه المؤسسات.

وشهد العديد من مؤسسات التعليم العالي التي مضى على إنشائها قرون تغييرات ملحوظة ومتنوعة لتحسين مستواها التعليمي استجابة لمتطلبات المجتمع وقد أصبح لدى هذه الجامعات فرص أكبر لإثبات كفاءتها من أجل التكيف والقيادة الاجتماعية والفكرية. هذا هو السبب الرئيسي في مواجهة هذه المؤسسات للتحدي المتمثل في التركيز على الجودة من أجل إيجاد بيئة مواتية للطلاب والموظفين، ولتلبية التوقعات المتزايدة لمجتمع الطلاب فيما يتعلق بالطلب المتزايد على العمالة الماهرة في المجتمع.

في ضوء هذا الواقع التنموي الجديد، تم بذل جهود وطنية وإقليمية ودولية لتحسين جودة التعليم العالي في جميع أنحاء العالم. عقدت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) مؤتمرًا في عام 2009 شارك فيه 16 دولة واقترحت على الجامعات أهمية إيجاد بيئة تمكينية تركز على المناهج الحديثة، والقدرة على التكيف في منهجية التدريس، والبحث العلمي. كما أوصت الوثيقة الرسمية للأوراق البيضاء في إنجلترا (DES 1991) بضرورة تدريب خريجي العصر الحديث لمواجهة تحديات بيئة العمل سريعة التغير. وقد تم آنذاك تحديد أهمية اكتساب المهارات الأساسية (القدرة على التفكير والتعلم والتكيف وحل المشكلات، إلى جانب التواصل والعمل الجماعي) كهدف رئيسي لتحقيق هذه الأهداف.

أن المسؤولية الرئيسية لمؤسسات التعليم العالي هي توفير المعرفة والمهارات المطلوبة من خلال برامج مختلفة لتأمين خريجين مؤهلين وأكفاء خاصة في البلدان النامية، من أجل التنافس مع أولئك في البلدان المتقدمة وأن يتم تجهيز الخريجين بهذه الكفاءات حتى يشعر السوق بالثقة في استيعابهم خريجي هذه الجامعات للعمل كقوى بشرية منتجة. وقد أظهرت المائدة المستديرة للتعليم العالي الأسترالي (1993) التزاما في هذا الجانب لتحسين المعايير التعليمية من خلال سلسلة من التقارير المتعلقة بالتغيير في مفهوم التعليم العالي.

ذكر بعض المفكرين أن هناك تحديات تواجه مؤسسات التعليم العالي حول العالم ومنها العولمة وقوى السوق والتكنولوجيا. إضافة إلى مشاركة المجتمع والجامعة والمشاركة المجتمعية والجامعة والحكومة. هناك أيضًا تحدي آخر وهو أن التعلم في الفصول الدراسية يبتعد أيضا عن النموذج الخطي لنقل المعرفة ليصبح أكثر تفاعلية وتجريبية، لذلك يتعين على الجامعات والكليات إعادة هيكلة مهامها واستراتيجياتها والطريقة التي تؤمن بها التمويل في مواجهة المنافسة في السوق.

ويواجه رؤساء الجامعات والعمداء تحديات جديدة لتوفير الأموال وتنفيذ سياسة الحكومات وتطوير التخطيط الاستراتيجي والتعامل معه والاستجابة للمنافسة ودمج مؤسسات المعرفة الجماعية وأنشطة البحث إلا أنه من الضروري أن يكونوا قادرين على القيادة بفعالية وأن يكونوا مسؤولين عن مؤسساتهم ومجتمعاتهم بالتالي وإيجاد بيئة تمكينية في مؤسسات التعليم العالي لمواجهة التحديات ولضمان إنتاج خريجين مؤهلين ولديهم مهارات المستقبل وأن يكونوا على قدم المساواة مع معايير التعليم الدولية المعترف بها عالميًا.

ختامًا.. من الممكن التغلب على مثل هذه التحديات وتحسين مخرجات الخريجين إذا تبنت مؤسسات التعليم العالي استراتيجيات لتشجيع الطلاب المحتملين وتطوير خطط تعليمية قائمة على الجودة بالتعاون مع المجتمع والحكومة وهذه المؤسسات. وقد اقترح بعض المفكرين والباحثين في قضايا التعليم العالي أن هناك 3 مطالب يجب معالجتها في عصر التكنولوجيا الحديثة. الأول هو النجاح في سوق التعليم العالي. والثاني هو العمل مع متخذي القرار لإعادة هيكلة النظام التعليمي لتلبية احتياجات السوق، والثالث هو التأكد من أنَّ أنشطة الجامعات تخدم الاحتياجات العامة.

 

** مستشار أكاديمي

تعليق عبر الفيس بوك