معيار الكفاءة وميزان الشهادة

 

عائشة السريحية

 

التعليم حق مشروع، والحصول على مؤهلات عالية مساحة جميلة لكل راغب في تطوير مكتسبه العلمي ، دون اعتبار للسن صغيرا كان أم كبيرا، بل قد تكون الرغبات الحقيقية في استكمال الدراسات العليا لمن يسعى لذلك، أمرا جميلا وملهما، لكن يتبادر إلى أذهاننا أحيانا، عدة أسئلة سأتطرق لبعضها في مقالي هذا: هل كل الحاصلين على شهادات عليا وألقاب أكاديمية هم فعلا يستحقونها؟

سؤال سيثير جدلا كبيرا، ولا يستطيع أي إنسان الإجابة القطعية بكلمة نعم، ولا الإجابة القطعية بكلمة لا؛ حيث إننا في مراحل مختلفة من أجزاء حياتنا قد تمر علينا شخصيات لا نصدق أساسا أنها تحمل شهادة دبلوم عام، ونتفاجأ أنها حاملة للقب دكتور، ولعل استغرابنا، هو علمنا المسبق، أن العلم المكتسب لا بُد وأن يؤثر بشكل مباشر على الشخصية ويظهر ذلك من خلال علمها ودرايتها وطريقة تعاملها وأسلوبها، فنصاب بحيرة في أمرنا، ما الذي يحدث خلال فترة الحصول على هذا المسمى، وهل فعلا يستطيع الراغب في الحصول عليه أن يقوم بطرق متلوية أو تحايل للحصول على هذا اللقب والاستفادة منه على المستوى الشخصي؟

وهل حقاً هناك أشخاص استخدموا بعض الأساليب والحيل للحصول على جهد لم يكونوا هم فعلا من قام به، كأن يعينوا أشخاصا غيرهم للقيام بمثل هذه المجهودات الشاقة، وهم يقطفون الثمار!

إذا كان الدافع هو الحاجة للحصول على دراسة شاملة ذات منهجية ومتطلبات بحثية تحتاج الوقت والجهد، وأطر محددة حسب متطلبات تحضير الدراسة، يكون الطرف الأول ممولا للخدمة وليس لديه الوقت ولا القدرة الكافية، والطرف الثاني مستفيدا من القيام بهذه الخدمة ولديه القدرة والإلمام لكنه يحتاج للمال، وبالتالي تصبح المنفعة مشتركة.

وأظن أن هذا الأمر إن حدث فغالبًا ما يحدث خارج السلطنة، وإن حدث وكان واقعا لا يمكن اكتشافه إلا بالملاحظة والمعرفة التامة والمسبقة بهذه الشخصية ومدى علمها وفهمها!

فقد تكون الإجابة على السؤال أعلاه لا.

إذ إن عمل استغرق القيام به عدة سنوات، لا يمكن بحال أن صاحبه جاهل بما قام بعمله خلال تلك المدة، فالتأثير المباشر لمنهجية البحث والدراسة والتحصيل المعرفي لابُد وأن تظهر معالمه وآثاره على الشخصية.

إذن هل سيؤثر هذا الأمر على شخصيات أخرى استحقت هذه الدرجة العلمية عن جدارة؟

قد يولد شكوكًا لدى البعض خصوصًا وأن الأعداد الحاصلة على درجات أكاديمية عليا متصاعدة وبوتيرة عالية، بينما كانت قديماً من الصعوبة بمكان لدرجة أنها قد تصل لتقديس صاحبها.

ولعل الأكاديميين الحقيقيين لن يؤثر فيهم هذا الأمر؛ لأنَّ الإنسان مهما حمل من أغطية وستائر لابُد وأن ينكشف يومًا، خصوصًا عندما تكون دراسته وبحثه مادة مشتراة، أو تعاون بينه وبين مشرف على رسالته أو كان هناك أي نوع من التحايل الذي نعرف والذي لا نعرف فيصبح غشاً لكنه بشكله العام قانوني وسليم.

ويظل الواقع أمرًا نتهامس به بيننا، خشية أن يكون هناك سوء ظن أو سوء تقدير، أو أن يصبح الأمر خلافا ينشأ بسبب الناس لمجرد التشكيك والطعن، فلذا يلتزم الجميع الصمت طالما الإجراءات الشكلية صحيحة وسليمة.

ما هو الأثر السلبي على المجتمع والوطن في حال انتشر مثل هذا الأمر؟

على فرضية أن الأمر هذا بات منتشرًا، وأصبح الحصول على الشهادات الأكاديمية العليا من الخارج يسيرا، بسبب ما يحصل من ظروف اقتصادية واجتماعية في العالم، أوبسبب مصالح ومنافع متبادلة، ونفوس لا ذمة لها ولا ضمير، فإن اعتبار الشهادة وحدها دون المعرفة الحقيقية بمدى العلم المكتسب، أو الإضافة الحقيقية التي ستساهم في تقدم عجلة التنمية الحقيقية ووضع الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب ستكون النتائج سلبية بلا شك، وستكون الشهادات الأكاديمية العليا مفسدة لا منفعة، وستصبح الأمور بأيدي أشخاص استطاعوا التحايل بطرق خبيثة، للحصول على مؤهلات عليا، لكنهم لا يملكون الكفاءة العلمية أو المهنية اللازمة ليزايدوا بها على أولئك الذين جلسوا على ركبهم لتلقي العلم وتحصيله.

هل تعد الشهادة هي فيصل الكفاءة والخبرة؟

يظل هذا السؤال يشغل بال الكثيرين؛ فالتحصيل العلمي في السنوات الأخيرة كما ذكرنا بات من السهولة بمكان أن جعل الجميع قادرا على خوض التجربة، طالما المال والظروف تسمح لبعض الأشخاص، وللأسباب التي ذكرناها في البداية، ولأننا لم نعد نسمع إلا ما ندر عن رسائل ماجستير أو دكتوراه أضافت للعالم إضافة جديدة وبعدًا علميًا حقيقيًا يثري المائدة العلمية والعملية بوجبة علم دسمة تشبع كل الاحتياجات وتصبح علوماً ذات ابتكار ونموذجا يعد مكسبًا للعلم المحلي والعالمي، فإننا قد زهدنا بهذه الألقاب والمسميات.

وعودة للتساؤل أعلاه ماذا يحدث حين يكون هناك عدة أشخاص بمؤهلات أكاديمية بدرجات مختلفة ولكن من يحمل شهادة جامعية مثلا كان أكثرهم كفاءة وأعلاهم مهارة ويمتلك مايلزم ليكون في منصب معين أو وظيفة عليا، ولكن لأن الآخر يمتلك شهادة أكاديمية أعلى، يؤخذ هو ويترك الكفاءة دون الأكفأ!

فهل هناك معيار للكفاءة المهنية، وهل يتم احتساب سنوات الخبرة وسجل الإنجاز، والمهارات الفردية ومختلف أنواع الذكاء كالعاطفي والاجتماعي، وصفات الشخصية كالقيادي والدبلوماسي، والقدرة على التعلم والإبداع، وغيرها، هناك أمور كثيرة لو توضع في قائمة المعايير لاختيار الكفاءات ستحدث فروقا تطويرية في مختلف القطاعات، ولا أعلم حقيقة ماهي المعايير التي تتخذ في تعريف الكفاءة، إلا أن الحديث بمجمله عام لا يخصص ولا يشمل.

ولا ننسى هنا أن نستثني بعض التخصصات كالطب مثلا وغيرها من المجالات التي لا ينفع بأي حال وجود شخص لا يحمل نفس التخصص في مجال العمل.

مؤخرا وبسبب انتشار الجامعات التي تسهل الحصول على الشهادات الأكاديمية، بات الوضع كالنار التي تنتشر في الهشيم، وبعد فترة من الزمن وبوجود التسهيلات بحكم التطور التكنولوجي، والبحوث كمواد جاهزة وتحت الطلب، ضجت بها أيادي الجميع، وهذا لا يعني أنه طعن في كل حاصل على شهادة عُليا، إلّا أن الأمر ليس محليًا؛ بل عالميًا، نجد من يحمل شهادات أكاديمية عليا وعند مناقشتهم نجد أن ورقة التوت سريعًا ما تسقط.

الأكثر قراءة