دروس وعبر من الانتخابات التركية

 

سالم بن محمد بن أحمد العبري

في 28 من مايو الماضي انفض سامر انتخابات الرئاسة التركية بجولة الإعادة، وانتهت معه الأعباء الكبرى التي حملتها الهيئات المشرفة والجهات المراقبة والمتابعة من طرفي المعارضة والموالاة لحملة الرئيس رجب طيب أردوغان.

أما أفراد الأمة العربية الذين كانوا ينظرون برؤى سطحية ولا ينفذون إلى أعماق الأعماق في المشهد السياسي التركي، فقد هللوا وقرعوا الطبول ونثروا الورود فرحا وابتهاجا وصلوا أربعا وهم في طريق الوفاء بنذرهم بـ(عُمرة) لفوز أردوغان، ونحن نعذرهم لأن عالمهم العربي لا يجدون به هذا العرس الديمقراطيّ؛ فالعالم العربي منقسم بين نظامين؛ إمّا نُظُم وراثية لا يعلم المجتمع كيف رشّح هذا أو رفع هذا؛ بل لا يعلمون شيئا البتة، لكنهم يسمعون عن مواكب الزفات وصيحات التهاني وقصائد المتزلفين، وإمّا نُظُم دستورية بها شيء من العصرية والديمقراطية ويشارك المجتمع في الاختيار أو الموافقة؛ ولكنها لا تقع في اهتمام الغرب وإعلامه المسيطر عليه والموجّه بأنفاس غربية أو مطبوعة بتلك الأهواء فلا يجد حياة كحياة الأتراك، وهم في عرسهم الانتخابي الذى عاشوه برغبة وحضور منقطع النظير فنسبة الحضور التي قد تصل إلى 80% وهذا النظام لا تعرفه شعوب الغرب وربمّا الشرق.

لذلك يمكننا أن نصف الشعب التركي بالحيوية، وهو إذ يحتل هذه المنزلة وهذه الصفة المميزة لأن كل فريق من المتنافسين يندفع إلى الوجهة التي يؤيدها هذا التوجّه؛ فهناك مَن هو مع توجهات تركية إسلامية أو توجهات علمانية الدولة الذي يرتكزون على توجّه واضح ومطلوب ومرغوب خصوصا حين يرون المنادين بإسلامية الدولة وهم في حقيقتهم رأسماليون يكنزون الذهب والفضة، وقد يكونون مِمَن قال الله فيهم:  {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ* يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} (سورة التوبة:34ـ35)، وتيار الإسلام السياسي لا يمنع هؤلاء من جعل الدين مطية للرأسمالية البشعة، ويعارضون ملكية الدولة للقطاعات الاستراتيجية كالغذاء والدواء ويدغدغون آذان العامة بحلم العودة إلى الإرث الإسلامي أيام الخلافة الراشدة والدولة العثمانية، وهؤلاء مساكين لا ينظرون ماذا فعل هؤلاء، وكيف عاش سلاطينهم أوجه التسلط والبذخ؛ فهم ليسوا على مثال عمر بن الخطاب، بل هم أقرب لفرعون ونمرود وشاهات إيران.

وما لم يُرَ بالعين الفاحصة هو أن أردوغان فاز فقط بـ52% في المائة ولو حصل على ما يزيد عن 70% لكفر بعض العرب بحكامهم وإن كانوا يحملون صلاحية تضاهي صلاحية أردوغان ونادوا به خليفة للأمة الإسلاميةـ ونسوا أن الوطن العربي؛ بل كل دول العالم ليست متجانسة الديانة وحتى الأقطار التي كان سكانها يدينون بالإسلام لم تعد كذلك، بعد علة وغثاء التجنيس الذي فرضه الغرب أو الظروف لغاية في نفس يعقوب، ولكانت مواكب العرس تجوب طريق الحرير لفتحه غير مدركة أنه من صنعها وكد بدنه من أجلها هو الصيني المعاصر والصيني التاريخي.

الحقيقة التى طويت عن المتابعين أن المعارضة لم تُهزم، فهي تحصَّلت على نتائج تقارب النصف في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وإنما حدا بفوز الفريق الآخر هو أنه بالسلطة وقد استخدمها ببراعة المتسلط؛ فالإعلام كان مسخرًا لهم داخليًا وخارجيًا والإعلام التابع لها؛ حيث كانت وسائل الاتصالات تُحجَب عن الطرف الآخر وكانت وسائل الإعلام تكاد تنشر فوز الطرف الحكومي حتى قبل أن تبدأ عملية الفرز ثم ظهرت بعض النتائج فقد جيَّرتها لصالح فوز فريق السلطة وبالغت في تصوير خسارة الفريق الآخر، وخرجت حملات الإعلام وصفارات العربات تجوب غربا وشرقا وجنوبا وشمالا وكأنه كل منهم هو العريس.

لذلك يجب أن نستنتج من تلك الانتخابات نتائج وتوصيات: أولا: أن لا تقوم الجهات الحاكمة بالإفصاح عن المنجزات والمشاريع في عام الانتخابات كليا. ثانيا: أن توضع وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تحت إشراف ورقابة الهيئة العامة للانتخابات ورفع أيدي الحزب الحاكم في حينها. ثالثا: أن توضع هيئات قياس الرأي العام تحت مراقبة وإشراف الهيئة العامة للانتخابات أيضا لأنها تتحيز أحيانا. رابعا: أن لا يسمح بالتجمعات الانتخابية قبيل الانتخابات؛ بل يجب أن تكون في فترة متقدمة كافية حتى لا توصف تلك اللقاءات بأنها وقتية فقط وتضعف فرص هذا الفريق أو ذاك في الفوز.

وفي الأخير يمكننا القول إنّنا قضينا مع الانتخابات التركية وقتا سعيدا وبهيجا وحيوية؛ فتحية إكبار للشعب التركي العظيم وللديمقراطية التي نأمل أن تبقى رمزًا.

تعليق عبر الفيس بوك