احذروا تفاهات المشاهير!

 

حمد الحضرمي **

 

العمر أنفاس معدودة، وأوقات محدودة، وإن من الخذلان أن يُضيع شبابنا وبناتنا أعمارهم في مسالك الإثم والردى، ويسيرون في دروب الشر واتباع الهوى، ويلهثون وراء مشاهير التفاهة والسفاهة، وتضيع عليهم أيامهم في متابعة التافهين والتافهات من أهل الغواية والسخافة، الذين أصبحوا مشاهير في الحقارة والدناءة.

ونحن في زمن اقشعرت الأرض فيه، وأظلمت السماء، وظهر الفساد في البر والبحر وذهبت البركات، وقلت الخيرات وتكدرت الحياة، وكثرت الفواحش وغلبة المنكرات والقبائح، وأصبحت الفتنة تموج كموج البحر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في أحد أحاديثه وكان قد استيقظ من النوم محمرًا وجهه وهو يقول: "لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب" وقيل للنبي "أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث". وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من زمن يعتلي فيه التافهون السدة، ويكونوا هم من يقودون الناس، وقد تصدر التافهون المشهد اليوم وأصبحوا في المقدمة، وهم يقدمون التفاهة والسفاهة والاستهبال، إن تفاهة المشاهير أصبحت ظاهرة خطيرة تهدد المجتمعات والدول والأفراد، فكيف صعد هؤلاء التافهون وأصبحوا للأبناء والبنات قدوات؟ وكيف سُمح لهم بتتبع الناس في حياتهم، واختراق أسرار البيوت، ونشر الأفكار الهدامة، والآراء السطحية غير البناءة؟

إن مجتمعاتنا أصبحت تعاني معاناة كبيرة من صعود التافهين وتصدرهم للمشهد، ومن أطروحاتهم التافهة في كل المجالات، ولابد من وضع ضوابط وقوانين حازمة، وجزاءات رادعة لتجاوزات مشاهير التواصل الاجتماعي.

وهذا الضياع لدى بعض شبابنا وفتياتنا في إدمان متابعة المشاهير صناع التفاهة، وما يبثونه من السفاهة والسخافة، وما يفعلونه في حياتهم اليومية في مأكلهم وحديثهم ولعبهم ولهوهم،  كل ذلك انعكس على أبنائنا وبناتنا، فقد أصيب بعضهم بحالات نفسية، واهتزت هويتهم الشخصية، فأصبحت أخلاقهم غير سوية، ولا يتحملون أي مسؤولية، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث: "سيأتي على النَّاس سنوات خداعات يصدق فيهن الكاذب، ويكذب فيهن الصادق، ويؤتمن فيهن الخائن، ويخون فيهن الأمين، وينطق فيهن الرويبضة، قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة". وعندما تتدبر هذا الحديث تشعر بالقلق النبوي من أن يتسيد التافهون المشهد في المجتمعات المسلمة؛ لأنَّ التافه إذا تسيد يكون قدوة في المجتمع، فإذا ارتفع شأن السفهاء التافهين انخفض في المقابل العقلاء والصالحين، وإن الناظر في أحوال مجتمعنا اليوم يرى ويعلم بلا شك ولا ريب، أننا نعيش مرحلة غير مسبوقة في تاريخنا بعدما قذف التافهون سوءاتهم السلوكية، وأظهروا إعاقتهم الفكرية، فهُمشت المبادئ والقيم، وغابت المروءة والحياء، وضاعت الشيم والرجولة، والأزمات أصبحت تتوالى، لأن تطبيقات التواصل الاجتماعي هي ما يصنع من الحمقى والمغفلين والسفهاء نجومًا، ومن التافهين والمغنين والراقصين رموزًا، يقتدي بهم صغار السن والعقل، وهنا يكون الخطر كبيرًا؛ لأن هؤلاء الصغار لا يميزون بين النافع والضار، وبالتالي يبنون ثقافتهم وقيمهم وفق ثقافة هؤلاء التافهين.

وإن من أعظم المصائب أن يثقب التافهون سفينة المجتمع، وهي في لجة البحر والمخاطر، دون وعي وانتباه من الآباء والمربين والعقلاء، فالخطر محدق بأبنائنا وبناتنا الصغار من هذا الجيل، فأين المنكرون والناصحون، وأولادنا يعيشون في خطر كبير وفتنة عظيمة بتواجدهم مع برامج وتطبيقات الهواتف المحمولة الذكية.

اعلموا أيها الآباء والأمهات أنكم مسؤولين عن تربية أبنائكم ومتابعتهم وغرس القيم والأخلاق فيهم،  وحثهم على الصلاة والصلاح والحياء والعفاف، ويتوجب مراقبتهم أثناء إستخدام وسائل التقنية والجوالات الذكية، وأن يوضع من أجلهم أوقات محددة، وأن لا يترك الحبل على الغارب من ما يؤدي إلى خطر التأثير على قيم وأخلاق أولادنا، الذي يؤدي إلى إهمال واجباتهم الدينية ومسؤولياتهم الدنيوية.

إنني أحذر من مشاهير التواصل الاجتماعي والتأثر بهم، وأعني التافهين منهم وهم كُثُر؛ لأنهم يبثون رسائل تدمر القيم والمبادئ، وتهدم البيوت من ساسها، وهنا عليكم جميعًا يا أيها الأباء والأمهات والمربين في كل المجالات، بث الوعي في الأولاد والبنات،  والتنبية لهم بأن لا يصدقوا كل صورة، ولا يستسلموا لكل تغريدة، ولا يقبلوا كل معلومة، واغرسوا فيهم أن الباطل باطل ولو كثرت أتباعه، والحق حق ولو قل أتباعه، وراية الحق مرفوعة وإن لم يرفعها أحد، وراية الباطل ساقطة ولو رفعها كل أحد، والحرام حرام ولو فعله كل الناس. ومن أحداث ووقائع تفاهات المشاهير أصبح الإتفاق بين مشهورين بتصنع خلاف كاذب أمر ذكي، كي ترتفع أعداد المتابعين، وأصبح الضرب على أوتار قلوب الناس البسطاء والفقراء مادة دسمة لإظهار المشهور بالقالب الإنساني، وأصبح الاستغلال الدعائي الكاذب مادة تسويقية، ويعتبرها المشاهير شطارة في التجارة، وأما بعض المشهورات فحدث ولا حرج من قلة الحياء وقلة الأدب، وكل دعايتهن كاذبة تافهة بلا غاية ولا هدف.

اعلموا أيها المشاهير أن شهرتكم مؤقتة، وستزول يومًا ما، وتنتهي بانتهاء حياتكم الفانية، وسيبقى العمل الصالح، وستقفون بين يدي ربكم، وسيسألكم عن ما صنعتم، فماذا أنتم مجيبون. ونصيحتي لكم احفظوا دينكم ومجتمعكم ووطنكم وأمتكم.

وإلى متابعين أولئك المشاهير الزائفين، خاصة من الشباب والمراهقين وبعض كبار السن ضعاف العقول، اعلموا أنكم مشاركون لأولئك في الإثم، فأنتم من صنعتم من أولئك التافهين نجوم، وجعلتم منهم قدوات، توقفواعن دعم هؤلاء المشاهير التافهين، واعتزوا بشخصياتكم ودينكم وارسموا لأنفسكم خططًا ومشاريع والزموا القرآن والسنة تكونوا من الناجين، وعلى الأباء والأمهات والمربين تحمل مسؤولياتهم لأن أولادنا أمانة في أعناقنا، فهم قرة العين وسلوة الفؤاد وثمار القلوب وبناة الغد وسواعده ورجاله.

المشكلة ليست في التافهين وحدهم؛ بل المشكلة في الآلاف من المتابعين لهؤلاء التافهين، ولكم أن تتصورا بأن مغني يغني أغنية واحدة في الأسبوع، يكون عدد المشاهدات 7 ملايين، وفي الجهة الأخرى تجد خطيبًا يعرض خطبة الجمعة يكون عدد المشاهدات مائة أو مائتين.

أيها الأبناء والبنات الصغار منكم والكبار، عليكم التأسي بقدوتنا أجمعين، حبيب رب العالمين محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم، وعليكم التحلي بالأخلاق المحمودة، والتخلي عن الأخلاق المذمومة، والحرص على متابعة الصالحين والصالحات، الذين تفضل الله عليهم بالتقوى والحكمة، والذين بهم يُعرف الحق من الباطل، والضارّ من النافع، والحسن من القبيح، فالصالحين والصالحات حكاياتهم موعظة، ومجالستهم تذكرة، ومرافقتهم غنيمة، فهم ينابيع الحكمة، وبهم تحيا القلوب الغافلة، وعليكم أيها الفتية والفتيات البعد عن متابعة تفاهات وسفاهات المشاهير، وترك ذميم الأخلاق وسيئ الخصال، وعليكم بالبر وحسن الخلق الحميد في الأفعال والأقوال، والتركيز على دراستكم وأعمالكم والحرص والعمل على ما هو نافع لكم في الدنيا والآخرة.

** محامٍ ومستشار قانوني

تعليق عبر الفيس بوك