هل انتهى عصر الاستعمار؟

زين بن حسين الحداد

بعد أعوام طويلة من الاستعمار الغربي للأمم المتهالكة والخارجة من هزيمة الحروب القاسية، وبعد انقضاء مدة من الزمن تسابقت الشعوب لطرد الاستعمار السياسي العسكري للحصول على الاستقلالية والتنعم بخيرات أرضها بعد أن نُهبت لسنوات طويلة، و أعلنت الكثير من الدول إنهاء الاستعمار.. ولكن هل انتهى هذا الاستعمار أم مازال مستمرا بأشكال متنوعة ومختلفة هل أصبحت الدول تملك قرارها ومصيرها الكامل؟

في البداية حاولت الدول الاستعمارية نشر معتقداتها الدينية وإسناد المهمة للحملات التبشيرية الظاهرة والخفية بحثاً عن استدامة التبعية ولتقليل المقاومة وتسهيلا لعملية الاستحواذ السياسي والاقتصادي، ولكنها لم تنجح خصوصا في الدول العربية والإسلامية وبالرغم من ذلك فإنها نجحت في استعمار الدول ثقافياً فكانت اللغة الإنجليزية والفرنسية وغيرها مقدمة على اللغة الأم في التحدث والتعليم، فأصبحوا تابعين ثقافيا غير قادرين على الابتكار ولا الإبداع، وأصبحت اللغة حاجزا يصد المبدعين عن فهم تلك الدراسات العميقة فمنهم من هو غارق في الترجمة ومحاولة الفهم ومنهم من تم تلقينه بأن المتغيرات ثوابت لا يمكن أن تتغير، فأصبح رهينة لتلك الخطوط الحمراء.

إلى متى سيستمر هذا الحال ومتى سنرى جامعاتنا تحول التعليم العلمي والمهني للغة العربية وتعريب المناهج بشكل أوضح، والواقع يقول إن الدول التي تُدرس بلغتها الأم متقدمة في العلم والطب والصناعة ومختلف المجالات، وقائمة الأمثلة تطول فمن أراد المجد فعليه أن يعتز بلغته وثقافته وهويته ويصنع منها سلماً للنجاح.

قد يتساءل القارئ: هل أنا ضد تعلم لغة الآخرين؟! قطعا لا، فأنا أشجع كل من لديه القدرة على تعلم مختلف اللغات وهي ميزة لأي فرد تمكن من إتقان أكثر من لغة عالمية ولكنني ضد أن تكون اللغات الأخرى شرطا للتعلم على حساب اللغة العربية.

تجاوزت الأوطان مرحلة الاستعمار الواضح والاحتلال العسكري المذل، إلا أنها لم تنتبه لخطر استعمار العقول، وهو أخطر وأشد من أي استعمار آخر، لأن العسكر يغادر يوماً ما ولكن الفكر والثقافة تبقى في الشعوب، ومن خلال الثقافة والفكر والإعلام أصبح الاستعمار حاصلا من غير الحاجة إلى جندي واحد أو رصاصة واحدة.

وللإعلام دور كبير في تثبيت الثقافات الغربية وأحد أدواتها الناعمة الأفلام والمسلسلات والتي من خلالها يتم تمرير العديد من الأفكار لترسيخها في الأذهان، ومحاولة نشر الأفكار الشاذة والتشجيع عليها وكسب الإعجاب والاعتقاد بقوة تلك الدول واستحالة سقوطها وخسارتها وادعاء الإنسانية والفضيلة والتقدم الحضاري والانتقاص من الآخرين وغيرها من التمريرات الخبيثة، علما بأن هذه الأدوات الإعلامية استخدمت أيضا في بعض النوايا المشروعة كمثال نجحت المسلسلات التركية خصوصا التاريخية في غزو شاشات الشعوب المختلفة ولعبت دورا كبيرا في التعريف بتاريخ الدولة العثمانية فكان نتاجها دعم السياحة التركية بل أكثر من ذلك وصل صداها إلى الشعوب العجمية التي أحيت انتمائتها التاريخية والفكرية إلى تلك الدولة.

المتبحر في هذا الموضوع يعي أهمية وقوة الإعلام وأدواته المختلفة ومن ضمنها الصناعة السينمائية بمسلسلاتها وأفلامها والأكيد أننا غير قادرين على منع تداولها وانتشارها ولكن هل فكرنا في صناعة بديل لمثل هذه الأعمال؟! لتنتشر بيننا بل وتتعدى حدود أوطاننا وتكون سبابا للوصول إلى الشعوب الأخرى والتعريف بثقافتنا الحقيقية والترويج اقتصاديا وسياحيا وثقافيا، أما الأعمال الرمضانية الخجولة والبعيدة عن الطموح فهي تحتاج إلى وقفة حقيقية ومراجعة.

ختامًا.. التبعية الثقافية في التعليم والإعلام المرئي والإلكتروني فيه من المخاطر الكثيرة الجمة التي لا يختلف عليها متابع ولابد من السعي الحثيث للإسراع بتعريب كل ماهو مشفر ولو بالتدريج. وعلى الإعلام أن يجدد من ثيابه وأفكاره وأن يقترب من مستوى رغبات المشاهد وذوقه، ليكون بديلا حقيقيا عن كل ماهو سيئ وخطير.

تعليق عبر الفيس بوك