عُمان.. وقلاع الحضارات الثلاثية!

حمد بن سالم العلوي

لقد دأبت عُمان في السَّعي بالخير بين النزهاء، أما غير النزهاء والعقلاء، فلا تحرج نفسها في الدخول بين من لا يعرفون قيمتها وكنهها العميق، إذن؛ عُمان لا تركض وراء السراب الهارب، ولا تنشد الشهرة لأجل الشهرة، طالما كانت هي الشهرة عينها، وهي الشمس الساطعة وسط الضباب والسحب، وغيرها الظل الخافت الذي يتماهى مع غيره، فعندما يزور جلالة السلطان الأمين هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- مصر قلعة التاريخ والعروبة، ثم يتبعها بزيارة لإيران قلعة الحضارة والعراقة، فإنَّه يقوم بعملٍ جليلٍ لرأب الصدع في علاقات الضرورة، ورتق عُرى التاريخ والحضارة بين بلدين عظيمين كانا في الماضي هكذا، وهما صائرتان كذلك في الحاضر والمُستقبل.

ولا يقوم بمثل هذا العمل الكبير.. إلا من كان قدره كبيرًا، وفي مستوى هاتين القامتين الرفيعتين وهما؛ جمهورية مصر العربية، والجمهورية الإسلامية الإيرانية، لذلك؛ وجدت عُمان من الواجب، أن تقوم بهذا الشأن الرفيع؛ لأنه أمر يُناسب مقامها وقامتها. إذن.. ليس سيّان أن تحضر قمّة هي مُتاحة للجميع، ومقرراتها يعدها وزراء، ويُصادق عليها الحكام والرؤساء "وهذا كلام للمتسائلين عن التمثيل العُماني في القمة الأخيرة" فلا يعد إنجازًا متميزًا عمل مثل هذا؛ بل الإنجاز والتميّز في عملٍ يكون قد عجز عن حله من قبل الآخرين، ولكن عندما تسعى فيه عُمان، وتنجزه بالحكمة العُمانية المعهودة، وبكل ثقة واقتدار ومودة، ويكتسب إنجازها الديمومة له والبقاء، كونه أنجز برجاء الخير وللخير، ولا لأي شيء غير ذلك يُرتجى.

وعُمان لا تقوم بدور إطفاء الحرائق كما يُقال، وإن كان بعض عملها يشبه ذلك، وإنما عُمان تقوم بدور البناء القوي، الذي يوطد العلاقة بين البَاني والمبنى له، وهو مندوب على البقاء، وبين الجار والمجاور له، وهو مستمد من اليقين بالوفاء، وهي "عُمان" التي تستمد نهجها المخلص من فكرة القلاع والحصون العُمانية الراسخة في التأريخ، فمن بناها مات ورحل وانتهى، ولكن أثره الكبير باقٍ إلى الأبد لا يرحل، وشاهد قائم على قوة وحكمة من شيّده لكي يبقى. لذلك ستظل عُمان مخلصة في رسالتها العظيمة، والتي تقوم على نسج عُرى الأخوة والصداقة، بمغزل المحبة والوفاء والعطاء.

أن تنشر سُبُل السلام والأمان والاستقرار بين الدول والشعوب، هو العمل القويم الذي يدوم، وهم ليسوا كُثُر ممن هكذا يفعلون، ففعل الخير لا يُجِيدُ صنعه إلا الخيّرون الأوفياء، فعُمان واحدة من الدول القليلة حول العالم، والتي تجيد عمل الخير دون رجاء لمُقابل من أحد، وقد اختطت لنفسها هذا النهج منذ الأزل، وقد استؤنف هذا النهج مع بداية النهضة العصرية في عُمان بدءًا من عام السبعين، وظل يتضاعف هذا الأمر وينمو، حتى يومنا هذا، وإلى الغد البعيد، بإذن لله العزيز الحميد.

قد يستغرب البعض مما أقول، ولهم الحق في ذلك؛ لأنهم لم يسمعوا تلك البيانات الرنانة التي تصمُّ الأذان، بعد كل زيارة وزيارة، يقوم بها عاهل عُمان، أكان في عهد السلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- أم في العهد المتجدد لجلالة السُّلطان هيثم المعظم- أمد الله في عمره وأبقاه- ولن يسمعوا، حتى لو كان سمعهم يخترق الجدران؛ لأنَّ الذي يبذر الخير، لا ينتظر حتى ينبت ما بذره، وإنما يذهب عنه، وهو مطمئن أن بذور الخير لا تثمر إلا خيرًا، وكما يزرع المرء يحصد.

المتابعون لنهج الدبلوماسية العُمانية، يعلمون علم اليقين بالضرورة، أن العُمانيين يكثرون من الأفعال، وهم بطبعهم مقلين في الأقوال، وأنّ الأمم التي تتكئ على إرث عميق، فأهلها لا يُكثرون من الكلام الرقيق، وذلك على أساس أنَّ المعروف لا يعرف مرتين، وعُمان ستظل علماً على رأسه نار عبر التأريخ المكتوب والمروي والمعاش.

إذن؛ هناك مشروعان في الطريق للمصالحة والمحبة والسلام، الأول: في مصر العروبة، والآخر: في إيران الحضارة، والزارع عُماني خبير في زراعة الورد والريحان، فما على المخلصين إلا حُسن الظَّن.. وعلى الله الاتكال، فما خاب ظننا من قبل في مسعى سعيناه بالخير، ولا طال بنا في الخير انتظار ورجاء، وبالطبع هناك مشاريع أخرى كثيرة بينية بين عُمان وكلتا الدولتين واعدة بالخير والعطاء ستثمر عن قريب.

إنّ عُمان ومصر وإيران، إذا اجتمعت هذه الدول الثلاث، وذلك في وحدة الفكر والرأي، فإن رأيهم سيكون له تأثير كبير على القضايا الإقليمية والدولية، وسيكون باستطاعتهم القيام بالمسؤوليات الجسام العظام، وذلك متى ما أقروا سياسة متوافقة، على السعي بالتصالح والتسامح، وعدم التدخل في شؤون الآخرين، كما هو نهج عُمان الثابت، فهذه أمنيات، ولكن ليس ببعيد على الكبار من عقلاء الأمة، أن يعتمدونها نهجًا للوساطات والإصلاح بين الأمم المحبة للسلام.

 

إنَّ عُمان ستظل تقوم بعمل الإمبراطورية العُمانية، وإن كانت هي في وضع مختلف اليوم، ولكن الكريم يظل يعيش حياة الجود والكرم، وإن قلَّ ماله أو ضعف حاله، والفقير يظل يعيش في الفقر، مهما بلغ به كثرة المال؛ لأنَّ النفوس حتى تغيّر طباعها تحتاج إلى قرون زمنية طويلة..

حفظ الله عُمان وشعبها الأبّي وسلطان المبجل الهمام، وكافة الدول العربية والإسلامية من كل سوء ومكروه.

الأكثر قراءة