القصةُ والمدرسةُ.. أجيالنا والتاريخ

 

د. سعيد بن سليمان العيسائي **

 

دُعيتُ لإلقاء محاضرة تاريخية بمدرسة عبد الله بن عمرو بن العاص بولاية صُحار يوم الاثنين 13/3/2023، وأبلغني الأستاذ/ سعيد المقبالي، أحدُ المعلمين القُدامى بالولاية، والذي كان لهُ الدّورُ فى دعوتي لإلقاء هذه المحاضرة، أنّ مُعظم الطلاب هم من الحلقة الثانية، ومن الصف الخامس إلى التاسع الابتدائيين بصفة خاصة، فوقفتُ في حيرة، إذْ كيف أحاضرُ على أطفال في مثل هذا العُمُر، وأنا الذي اعتدتُ على أسلوب مُعين، ومُناسبات مُحددة، كالمحاضرات والنّدوات الدّاخلية والخارجية.

لكنني بعْد تفكير وتشاور مع الأستاذ/ سعيد المقبالي، وهو أن نشتري مجموعةً من الهدايا التّشجيعية البسيطة لمن يُجيبُ على الأسئلة التي كنت أطرحُها، يُضافُ إلى ذلك التّحيةُ والتّصفيقُ لمن يُجيبُ على سؤال من الأسئلة المطروحة.

وهذه طريقةٌ استفدتها من عملي في وزارة التّربية والتعليم لأكثر من ستة عشر عامًا، وجولاتي في مدارس مُعظم مُحافظات السّلطنة.

وساعدني أمرٌ أخر كذلك، هو أنّ الطلاب الّذين حضروا المحاضرة في القاعة كانوا من الصّفين التاسع والعاشر، الأمر الذي خفف من تخوفي وتوجسي من عدم فهم الطلاب لما سوف أطرحه عليهم من معلومات وأحداث، وشخصيات تاريخية عُمانية.

كانت الأسئلةُ تدور حول مجموعة من الموضوعات والشخصيات، منها معلومات عن الشخصية التي سُميت المدرسةُ باسمها (عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه)، ومعلومات عن والد الصحابي الجليل، وعلاقته بصحار.

سألتهم بعد ذلك عمن يعرف معلومة عن تاريخ صحار، وعمن زار معرض الكتاب الدّولي، وما هي الكُتبُ التاريخية التي اشتروها من المعرض؟

سألتهم بعد ذلك عن الكُتب التّاريخية التي قرأوها مع إيراد عنوان الكتاب، ومعلومات بسيطة مختصرة عن هذا الكتاب.

طلبت منهم كذلك إعطائي معلومات عن بعض أعلام صحار، كالإمام: أحمد بن سعيد، والعوتبي الصحاري، وآل الرحيل، والسيد: حمد بن فيصل.

سألتهم كذلك عن السّفينة (صحار) التي تحركت من هذه الولاية إلى ميناء (كانتون) فى الصين.

وكنت استمع إلى الإجابات المختصرة القصيرة من الطلبة، وأضيفُ إليها ما لديّ من معلومات تاريخية موسعة عن هذا الموضوع، أو ذاك.

لم يفتني كذلك الحديث عن ما قاله الرّحالون العرب، والأجانب عن صحار بعدما استمعت إلى أحد الطلاب عن هذا الموضوع.

انتقلنا بعد ذلك للحديث حول سُوق صحار القديم الذي ذكره المؤرخون  والجغرافيون .

أعجبني أحدُ الطلبة حين قال بأنّ لدى والده مكتبة زاخرة بمجموعة من الكُتب الدينية والتاريخية، وأنه يقرأ ويطالع في هذه الكُتب ، وبخاصة الكُتب التاريخية، وذكر لي بعض الكُتب التاريخية التي اطلع عليها، أو قرأ شيئًا مما فيها.

سألتُ أحدُ الطلبة، هل حكى لك أبوك، أو جدُّك قصة من التاريخ العُماني؟ فتأتيني الإجابة بنعم، فأطلبُ من الطالب أن يُسرد القصة أمام زملائه باختصار.

كنتُ أظنُّ أنّ النّقاش سيكون حول تاريخ صُحار فقط، ولكنه بسبب التشجيع منّي، والحماسُ منهم انتقل إلى مواضيع أخرى كدولة اليعاربة، والأسطول العُماني في عهدهم، وفي عهد السيد: سعيد بن سلطان.

ثُمّ امتدّ الحديثُ إلي الوجود العُماني في شرق أفريقيا، والسفينة (سُلطانة)، وما حملته من هدايا للرئيس الأمريكي.

ختمنا نقاشنا وحوارنا بالاحتلال البُرْتغالي لصحار، وبعض المُدن الساحلية العُمانية، وطلبوا اتحافهم بنبذة مختصرة عن الملاح العُماني الشهير: أحمد بن ماجد.

من الأمور الملفتة أنني سألت سؤالًا عن الدولة التي حاربت البرتغاليين إلى جانب عمان، فبدأ الطلاب  يُعددون الدُّول العربية دولة بعد دولة، وأنا أقول لهم: ليست هي الدولة المقصودة بالسؤال، إلى أن رفع أحد الطلاب يده، وكله ثقة فقال: المغرب.

هنا توقفت وسألته: هل كانت إجابته تكملة عدد، أي أنك ذكرت دولة لم يذكرها زملاؤك، فقال: لا يا أستاذ، فقلت له: اعطني السبب الذي دعاك لأن تختار هذه الدولة؟ فقال: لأن المغرب قريبة من البرتغال، لهذا السبب قاوموا البرتغاليين.

فرددت عليه: نعم، إجابتك صحيحة، وأضفت إليها يا ولدي،إن البرتغاليين احتلوا عددًا من المدن الساحلية المغربية، وطلبت من زملائه الطلاب أن يصفقوا له، ومنحته جائزة من عندي.

ومن شدة الحماس والتفاعل لم تغط الجوائز التي أحضرتها جميع المشاركين من الطلبة، فطلبت من إدارة المدرسة توزيع مجموعة أخرى على عدد بسيط من الطلبة المشاركين.

التقيتُ بعد هذا اللقاء التاريخي الناجح بالأستاذ: راشد المقبالي، مُشرف اللغة الانجليزية بالمديرية، الذي كان في زيارة لهذه المدرسة، وطلب مني تكرار مثل هذا النوع من المحاضرات في مُعظم المدارس.

وأنا بدوري أُحيلُ هذا الاقتراح إلى وزارة التربية والتعليم لوضع خطة لتعريف أبنائنا بتاريخ وطنهم، وشخصياته التي صنعت لوطنها وأمتها مجدًا تليدًا ناصعًا.

أخبرتُ إدارةُ المدرسة، والأستاذ المشرف، ومُعلمُ التاريخ الذي درّستهُ في كلية التربية بصحار عام 2013 بأنّ الطلبة كانوا عكس ما توقعت، فقد كانوا علي درجة من التفاعل والحماس والقراءة والاطلاع عن تاريخ وطنهم، مُتمنيًا للمدرسة وإدارتها ومُعلميها وطُلابها كلّ التوفيق.

** كاتب وأكاديمي

تعليق عبر الفيس بوك