علي بن مسعود المعشني
تحتاج السياسة دومًا- كغيرها من العلوم- إلى شخصيات بمواصفات خاصة لتنفيذ نظرياتها وتطبيقها على الأرض باحترافية ودقة، فكل مهنة وكل بيئة تُنتجان بالضرورة شخصياتهما وفق قواعد علمية ثابتة ومدروسة، تُضاف إليهما الأبعاد التاريخية والحضارية والموروث القيمي لكل شعب من الشعوب.
العلاقات العُمانية الإيرانية في عمقها وبُعدها الفلسفي، هي علاقة بين ملّاح جاب البحار وعلم أسرارها وخبر تقلبات الرياح والأشرعة المناسبة لكل ريح، وبين نسّاج سجاد تفوق على الصبر كثيرًا؛ بل وكأن الصبر نُسج من طباعه وخصائصه، فأصبحت العلاقة بين الاثنين ضرورة لهما كتكامل عضوي أولًا، ثم ضرورة لجوارهما الحيوي لخلق الاستقرار والتوازن في الإقليم ثانيًا. طبيعة الملاح الاكتشاف الدائم والمغامرة ليقرر مصالحه لاحقًا.. وطبيعة النساج الصبر العظيم لإنتاج الإبداع العظيم.
ومن يتأمل مسار ومؤشرات وأطوار العلاقات العُمانية الإيرانية عبر تاريخ العلاقات بين البلدين؛ التاريخية منها القديمة والدبلوماسية المعاصرة، يشعر أن هناك قواعد خفية ثابتة لا يراها سوى أبناء البلدين، والعارفون بمجاهل التاريخ وفلسفة فائض القوة "الزمانية" لدى أبناء الحضارات، إضافة إلى مقتضيات وبواعث وأعراض الامتداد والانحسار لدى الإمبراطوريات بنوعيها: القاعية والمنتشرة. العلاقات بين سلطنة عُمان والجمهورية الإسلامية الإيرانية هي علاقات تتعدى الكيانين السياسيين إلى الإقليم؛ ثم السلام العالمي المنشود.
مُكوِّنات العلاقات الثنائية بين عُمان وإيران تحتوي على مُفردات كثيرة يفهمها أبناء البلدين والراسخون في السياسة؛ فللجغرافيا السياسية منطق وأحكام بين البلدين؛ حيث لا تبعد أقرب نقطتين بينهما أكثر من 40 كيلومترًا، وهذا يعني أن المشاريع المشتركة بين البلدين مثل الربط الكهربائي والغاز، لا تحتاج إلى جهد مالي كبير أو حتى تفكير وتخطيط عميق، كما إن للتاريخ في العلاقات بين البلدين منطق وأحكام لا يمكن تجاوزهما؛ بل يجب تعميدها وتجسيرها للبناء عليها.
ما زالت العلاقات العُمانية الإيرانية تُمارَس عبر دبلوماسية القمّة، ولم تُثمر هذه الدبلوماسية شيئًا يُذكر على الأرض، كمصالح مشتركة بين فئات المجتمع في البلدين، أو رجال الأعمال وقوافل التعليم والبحث العلمي، وتداخُل الإبداع الفني والثقافي بين البلدين عبر تحفيز وتشجيع الشرائح المعنية بتفعيل وترسيخ الدبلوماسية الشعبية المُثمرة على الأرض، والتي تُقَرِر وتُوَجِّه السياسات ومؤشر المصالح بين البلدين لاحقًا. وبرغم بلوغ دبلوماسية القمّة بين البلدين أعلى مراتبها، إلّا أن ثمارها المرجوة على الأرض ما زالت متواضعة جدًا وخجولة للغاية. لقد آن الأوان- في تقديري- أن تُشكِّل الزيارة التاريخية التي أجراها مولانا السلطان هيثم بن طارق- حفظه الله ورعاه- للجمهورية الإسلامية الإيرانية، استدارةً كاملةً لمفهوم العلاقات بين البلدين، وأن يتم السعي الحثيث لرؤية ثمارها على الأرض، خاصة وأن المناخ الإقليمي والدولي اليوم في حالة من المثالية والسوية لقبول ذلك ومباركته.
البلدان حريصان كل الحرص على عدم فقد أو خسارة أي منهما للآخر في حالة أي خلاف مهما تعاظم بينهما، وحرصهما الأكبر على فصل ملفات الخلاف عن بقية ملفات التوافق، وعلى ضرورة التسريع بحل ملفات الخلاف- إن وجدت- لأن الملفات المفتوحة في السياسة تعني المزيد من الأوراق والتعقيدات، وربما الأحلاف والتدويل لاحقًا. وهذه من القواعد الحميدة في العلاقات بين عُمان وايران، وسيدعمها ويرسخها بقوة، الدفع بالمصالح الحيوية المشروعة بين البلدين لترى النور، ثم البناء عليها لتُشكِّل دعامات حقيقية للتعاون بين الشعبين.
قبل اللقاء: الناس على دين إعلامها!
وبالشكر تدوم النعم.