سلطان السلام

 

د. أحمد العمري

منذ أن خلق رب البشرية آدم وحواء وأنزلهما إلى الأرض وجعل من صلبيهما هابيل وقابيل، والحياة والبشر في تصارع مستميت بين الخير والشر، والهدوء والاستقرار، والسلام والعدوانية، والكُره والبغضاء، وهذه سجية ربنا الخالق في خلقه.

والأشخاص العظماء أياً كان منهجهم أو توجههم، فهم من يرسمون توجهات الدول وسياساتها وقناعتها وسلمها أو حربها أو عداوتها أو أمنها واستقرارها.

ونحن في بلد التاريخ، عمان العز والفخر والأمجاد والحضارة، وحيث إنني لا أريد أن أذهب بكم بعيدًا، فلله الحمد ومنذ تولي الإمام المؤسس أحمد بن سعيد الذي انطلق من "الساكبية أدم"، وهي دم عمان ليتولى صحار ثم ليتولى عمان المجد والتاريخ بكاملها. وكما ذكرت ووعدت أني لا أطيل في مقالاتي حتى لا تشتت القارئ أو تخرجه عن المضمون، فمنذ تلك الحقبة وعُمان على رغم قوتها الضاربة وأسطولها الكبير، إلّا أنها تفضل السلم والحياد والتطور والازدهار والتنمية للشعوب والبلدان.. و"إن جنحوا للسلم فاجنح له".

لنأتي إلى عصر النهضة الحديثة التي قادها وأسسها بكل حكمة واقتدار السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- وقاعدتها الثابتة والراسخة "إننا لا نسمح للغير بالتدخل في شؤوننا الداخلية، وكذلك فإننا لن نتدخل في شؤون الغير"، ليأتي سلطان التجديد والنهضة المتجددة مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- والذي أوصى به السلطان قابوس ليخلفه وكأنه يرى فيه امتدادًا له، وهو المحنك سياسيًا؛ ليؤكد هذا المساق ويمشي بذات الدرب بنهجه الخاص وطريقته المتفردة التي بدأت ملامحها تتضح ومنهاجها تسطع شمس ضحاه للجميع.

فبعد الوفاق الذي جمع الجارين المسلمين ولله الحمد الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية وقبلها رأب الصدع وعودة التآلف الخليجي للشقيقات الخليجيات، وكذلك إطلاق مسار إنهاء الحرب في اليمن الشقيق العزيز وأيضًا عودة الجمهورية العربية السورية لمقعدها في جامعة الدول العربية.

لا أريد أن أذكركم بما حدث منذ "كامب ديفيد" وموقف عمان من مصر حينها، ثم العراق وليبيا وحتى روسيا وأوكرانيا، فموقف سلطنة عمان ثابت وواضح وصريح ومعتدل، وقد بدأت عدة دول إقليمية وعربية وحول العالم، تنتهج نفس المسار وقد جنى ذلك لها الخير الوفير والاستقرار المزدهر.

وبعد كل هذا ها هو جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه وأطال في عمره- لا يكاد يمر أسبوع على زيارته لجمهورية مصر العربية- مصر العروبة والفخر والنماء- ليتم الإعلان عن زيارة جلالة السلطان إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ونحن نعرف أن الزيارات الرسمية التي يقوم بها القادة هي ليست للتعارف أو التنزه، لكنها زيارات يتم التنسيق لها على أعلى المستويات وبكل الوسائل لإتمام نجاحها، حتى قبل بدايتها، وإن لم تكن كذلك فلن تتم من الأصل.

هنا نفهم من هذه الزيارات المكوكية ويتضح لنا جليًا؛ بل والمنطقة والعالم أجمع، أن سلطنة عمان هي البلد المحب للوئام والسلام والتآخي والترابط والانسجام والتعاون والتساعد، تعارض كل أشكال التفرقة والتنابذ والتباين والاختلاف، فما بالكم بالتعارض والتكاره والتحارب، أجارنا الله وإياكم من شر الحروب وبلاويها وأبعد عنَّا جميعا شرورها ومصائبها.

ومن جميل مواقف القدر، أنني وخلال اعتكافي على كتابة هذا المقال، قرأت خبرًا عن نجاح سلطنة عمان- تنفيذًا للأوامر السامية- في الإفراج عن متحفظ عليهم من مملكة بلجيكا لدى إيران، فقلت في نفسي: "سبحان الله هذا خير دليل واضح وصريح على هذا المقال".

حفظ الله لنا جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم سلطان السلام.