تصدير الأزمات الفكرية

 

محفوظ بن راشد الشبلي

mahfood97739677@gmail.com

 

البعض يعيش أزمة ثقة مع نفسه ومع الآخرين والبعض يعيش أزمة تمكين ذاته في داخله والبعض يعيش أزمة فراغ والبعض يعيش أزمة مال ومعيشة والبعض يعيش أزمة عاطفة ونحو ذلك وتتعدد الأزمات النفسية والفكرية في أي زمان ومكان في عالمنا الذي نعيشه ونحياه حسب المعطيات والتقلبات الحياتية العالمية والتي ينال منها الإنسان الذي هو الكائن الأمثل نصيب الأسد في هذه الحياة.

أحيانًا يُصادفك شخص منسلخ عن المبادئ والقِيم ويصادفك أحيانا شاب يضع قِلادة في معصمه ويُعلّق سِلسالا في رقبته والبعض في طريقة قصّة شعره والبعض يقود كلبا وراءه والبعض يتوارى ويصد عن مقابلة ومواجهة ومجالسة الجادين والمُجيدين والناجحين في حياتهم وكل تلك الفئات والنوعيات من البشر يعيشون وينتمون لبلد لها ثقافتها وعاداتها وتقاليدها التي تُنافي هذه الأفعال والأشكال ولها تاريخها الحافل في ثقتها بنفسها وبعقيدتها وكيانها سواء الروحي والفكري والإسلامي، وتتساءل عن ماهية تلكم الأشخاص وعن طبيعة التربية التي تلقّونها في نشأتهم سواء في الأسرة أو المدرسة أو البيئة التي يعيشون فيها.. إذن فالأزمة الفكرية هي التي تتحكم فينا دون شك وتصديرها لنا هو ما ندفع ثمنه حاليًا بل إن البعض سَعى لتسويقها بطريقته الخاصة سواء عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي أو بالطريقة المباشرة بتوجيهها لمن يحادثه وتزيينها له بعد أن كسب ذلك الشخص ثقته به.

إن الانغماس الحالي في أزمات الجيل الجديد هي أزمات عالمية خطيرة وتُهدد حتى الراسخين في فكرهم وعقيدتهم الفكرية، ولأن تأثيرها قوي وتعتمد على خفة تمكينها في نفسية الغير لذلك تجد بعضهم يستنكر نهيِك عنها وينعتك بالرجعي أو المتزمّت والمتخلف، والماضون فيها يعتقدون أنهم على صواب وتمدّن وتحضر وهي في الحقيقة انحلال عن الفكرية الصلبة التي هي ركيزة القومية الفكرية القَويمة والتصدي لها أصبح صعباً جدًا كون انتشارها أصبح يسري كالنار في الهشيم رغم التنبيهات والتحذيرات عن الانزلاق في مستنقعها وفي تبعاتها.

 وأشد الأزمات هي تلك المخفية التي تأتي من تحت الطاولة لتصل وبكل سهولة لمتتبعيها، فلكل أزمة حلول عند الوقوف على أسبابها ومسبباتها واستئصال ورمها، إلا الأزمات الفكرية التحولية للشكلية السيئة والتبعية العمياء لها، فهي أزمة تفوق باقي الأزمات التي يئن تحت وطأتها الواقع الحالي وإن لم تتكاتف جميع الجهات الفكرية والقومية والاجتماعية لصدها وردها وردعها فإننا مقبلون في المستقبل القريب وعلى المدى البعيد لأجيال منسلخة تمامًا عن الفكر المتأصّل والمنفصل تمامًا عن الجذور الأصلية التي نبتت وتوالت عليها الأجيال السابقة منذ نشأتها والتي مضت وسارت على أصالتها الفكرية والعقائدية الصلبة وسنعيش واقع مختلف تمامًا عن ذلك الواقع الصلب والماكن في جذور الأصالة والتقاليد الحميدة والرصينة التي كانت عليه وانتهجته تلك الأجيال السابقة.

الخلاصة.. لا يخلو أي زمان ومكان من الأزمات والتحولات والتحديات، إلا إن بعضها يدخل في خلخلة المبادئ التكوينية التي مضت عليها أجيال سابقة بكل عزمٍ وثقة وكافحت كل ما هو خارج عن المنطق واستنكرته بكل حزم ودافعت عنه بكل الطرق الوسائل كي تبقى الأصالة هي سِمة الشيء وركنه الأساسي والقوي الذي تتفرع منه كل الفروع، وصدق القائل بأن الثمرة الفاسدة إن لم تُجتث من جذورها فستُفسد باقي الثمار وهذا شأنه شأن مَدنيتنا وقوميتنا وأصالتنا التي نعيشها حاليًا إن لم نُحافظ عليها ونُحارب من أجلها كل فكرٍ سيئ فإنها ستُفسد أفكار أجيالٍ قادمة والإصلاح حينها سيحتاج تحديات كبيرة وستكون مُستنكرة ومرفوضة من فكر الأجيال القادمة، ونسأل اللّه السلامة واللطف بنا، واللّه المُستعان.

تعليق عبر الفيس بوك