استبعد أي تغير في أنماط الأمطار خلال الفترة الراهنة

السيفي لـ"الرؤية": الاحتباس الحراري المتهم الأول في زيادة شدة الحالات المدارية على عُمان

...
...
...
...
...
...
...

◄ ارتفاع حرارة الأرض يزيد شدة الأنواء المناخية وعلى رأسها الأعاصير

◄ بحرا العرب وعمان يدفعان بالرطوبة الدافئة نحو اليابسة

◄ الأعاصير تنشط من مايو إلى يونيو ومن سبتمبر إلى نوفمبر

◄ رصد عواصف ربيعية قوية لم تشهدها السلطنة منذ عقود

◄ التوعية بمخاطر الأنواء المناخية خير وسيلة لحماية الأرواح

 

الرؤية- سارة العبرية

يؤكد حارث بن حمد السيفي، الباحث في أرشيف عُمان المناخي، أن ارتفاع درجة حرارة الأرض من العوامل التي تزيد من شدة الأنواء المناخية التي تتعرض لها المناطق المطلة على المحيطات مثل الأعاصير، مشددا على ضرورة الاستعانة بأحدث ما توصلت إليه العلوم من تقنيات حديثة للتنبؤات والإنذار المبكر.

حارث السيفي.JPG
 

وتعد الدول المطلة على المحيط الهندي ومنها عمان أكثر عرضة للتأثر بالتغيرات المناخية، نظرا لما قد تتعرض له من أنواء مثل الأعاصير والعواصف والمنخفضات المدارية وغيرها، إذ يتأثر المحيط الهندي بعدة عوامل تؤثر على الأنماط المناخية فيه، بدءًا من تذبذب الرياح والتيارات البحرية بالإضافة إلى ظواهر طبيعية أخرى مثل ظاهرة النينو وتعني ارتفاع درجة حرارة المحيطات؛ كما أنه في العقود الأخيرة زادت المخاوف بشأن تأثير الاحتباس الحراري وتغير درجة حرارة الأرض على الأنماط المناخية في المنطقة، واحتمالية تأثير هذه التغيرات على سلطنة عُمان.

وتشير الأبحاث العلمية إلى أن الاحتباس الحراري يؤدي إلى زيادة حرارة سطح المحيط الهندي، وهو ما يؤثر على توزيع الحرارة والرطوبة في المنطقة، ويمكن أن يتسبب ذلك في زيادة تكون العواصف والأعاصير، وتغيرات في الأنماط الموسمية والأمطار في المنطقة.

الطبيعة المناخية في المحيط الهندي

يقول حارث بن حمد السيفي باحث في أرشيف عُمان المناخي، إن المحيط الهندي كغيره من المحيطات يُؤثر على ما حوله من اليابسة بحكم الرطوبة والطاقة الحرارية المكنونة فيه، موضحًا أنه من خلال الطاقة الحرارية التي تُنتج فيه تتشكّل الأعاصير والعواصف المدارية والسحب الركامية الموسمية إضافة للأبخرة القادمة من الرياح الموسمية الصيفية على سواحل بحر العرب.

اعاصير المحيط الهندي (2).jpg
 

ويضيف أن أهمية بحر العرب وبحر عُمان تكمن في أنهما يدفعان بالرطوبة الدافئة نحو أجواء السلطنة والتي بدورها تتحول إما إلى سحب ركامية محلية صيفية على جبال الحجر والصحاري والسهول، أو تستفيد منها المنخفضات والأخاديد الشتوية فتهطل كميات جيدة من الأمطار، وأن ما يتحكم بهذه الكتل الرطبة عدة ظواهر جوية إقليمية ومن أهمها التذبذب القطبي للمحيط الهندي.

تأثير الاحتباس الحراري على المناخ

ويبيّن حارث السيفي أن ارتفاع حرارة الأرض والمحيطات يؤثر بشكل واضح على زيادة شدة الأنواء المناخية كالأعاصير، فوقود الأعاصير هو الرطوبة المدارية الدافئة التي تحمل في طياتها طاقة حرارية مرتفعة تتفرغ خلال مرحلة نضوج الإعصار، وكلما توفرت أكثر كلما وجدت الأعاصير قدرة أكبر على التطور، مشيرا إلى أن ارتفاع درجات الحرارة يزيد من نسب التبخر وزيادة توفر الأبخرة في حال وجود منخفضات شتوية وبالتالي ترتفع نسبة هطول الأمطار وحدوث أودية غزيرة، إضافة إلى أن درجات الحرارة المحسوسة والإحساس بالضغط سيرتفع بشكل أكبر نتيجةً لهذه الأمور.

الأعاصير التي اجتاحت عُمان

ويذكر الباحث أن بحر العرب وخليج البنغال لهما فترتان لنشاط الأعاصير، وأن هذا الأمر لا يتوفر في باقي بحار ومحيطات العالم التي تنشط فيها الأعاصير في فترة واحدة من العام، وأن فترتي نشاط الأعاصير هي من مايو ويونيو والفترة الثانية من سبتمبر إلى نوفمبر أو ديسمبر أحيانًا، مبينا أن تأثير هذه الأعاصير على سلطنة عُمان معروف منذ القدم، فمنها أعاصير يونيو 865م؛ حيث تعرضت سلطنة عُمان خلال هذا العام في الثاني من يونيو لأمطار غزيرة جدًا وحدوث فيضانات لم تُعهد أبداً من قبل، وبدأت الأمطار في الهطول من الليل وانهمرت بشدة حتى فاضت الأودية من مجاريها واجتاحت مناطق سمائل وبدبد والسيب وصحار والباطنة؛ وأنه جراء هذه السيول تهدمت العديد من البيوت وغرق الكثير من الناس، وكانت أكثر المناطق تأثرا منطقة بدبد، لأنه كما ذكر الإمام السالمي في كتابه "تحفة الأعيان" بسيرة أهل عُمان: "وأعظمهم جائحة وأشدهم فادحة أهل بدبد وقيقا، وتفرق من بقي منهم في البلدان وتركوا الأوطان، وخربت المواضع والعمران".

وتابع السيفي أن ولاية صحار هدمها السيل الذي جاء من وادي صلان، كما أن الباطنة تأثرت بشكل كبير، حتى إن بعض المناطق لم يُعرف من كان يقطنها أو يملكها قبل حدوث الجائحة؛ بل ذُكر في بعض المصادر أن سهل الباطنة لم يُسكن بعد السيل لعدة عقود أو قرون من الزمن قبل أن ينتقل إلى هناك الناس من المناطق الداخلية التي أصابها الجفاف بعد فترة من الزمن.

اعاصير المحيط الهندي (4).jpg
 

ولفت إلى أن إعصار مايو 1286م كان في ليلة الثلاثاء السابع والعشرين من مايو، إذ تعرضت أجزاء من محافظة ظفار والمناطق المجاورة لها لرياح شديدة محمرة ومصفرة وتارة شديدة الظلمة مع انعدام تام للرؤية، واستمرت حتى اليوم التالي، فتبعتها عند العصر بعد ذلك أمطار شديدة الغزارة واستمر هطولها طوال الليل حتى فجر 29 مايو مصحوبة برياح عاتية، حتى قال صاحب المخطوطة إنهم لم يروا مثلها من قبل، ثم عند الفجر تدفقت السيول بشكل جارف، ودخل موج البحر القرى بمقدار يوازي 80 ذراعا وكانت جرفة تاريخيةـ وأتلفت الرياح العاتية بساتين الأشجار من النارجيل والموز وغيرها، كما جرفت الأودية الناس والدواب والأبنية، وأصبحت المنطقة معزولة تماما عن باقي البلدان، وقد خرجت السيول إلى البحر ليلة الأربعاء في 29 مايو وأصبح أغلب الناس فقراء بعد الحدث الكبير وقلّ الطعام وانهارت التجارة، موضحاً أن سبب هذه الفيضانات التي تعرضت لها أجزاء من ظفار هو إعصار مداري آتٍ من بحر العرب كون تلك الفترة تعتبر من ضمن فترة نشاط الأعاصير المدارية، وتُسمى باللغة المحلية "الشلّي".

وجاء في كتاب النمير أنه في عام 1723م هطلت أمطار غزيرة مصحوبة بالبرق والرعد، بالإضافة إلى رياح شديدة على منطقة سرور الواقعة شمال ولاية سمائل، وسببت الرياح المصاحبة للأمطار سقوط أكثر من 2000 نخلة وجرفت الأودية من قوتها أكثر من 200 شخص من قبيلة الجنبة، وكذلك امتد تأثير هذه الحالة الجوية إلى مناطق الباطنة وشمال غرب محافظة مسقط- السيب- كونها مصباً للأودية القادمة من سمائل وبدبد، وقد يقصد بجرف الأودية لأناس في الباطنة منطقة السيب كونها كانت تتبع ساحل الباطنة.

ويضيف حارث السيفي، أن من بين الأعاصير التي شهدتها السلطانة ما حدث في يونيو 1890م؛ حيث تذكر عدة مصادر أجنبية منها ما ورد في تقرير الوكيل السياسي للقنصلية البريطانية في مسقط، وكذلك كتاب العلاقات السياسية لمسقط، تأثر شمال عُمان بإعصار مداري ضخم مصحوب برياح عاتية بتاريخ 5 يونيو 1890 متسببا في حدوث فيضانات عارمة وأضرار هائلة في الجانب البشري والمادي، أدت إلى غرق ما يزيد عن 727 شخصا واقتلاع أكثر من 109 آلاف و500 شجرة منها 63 ألف شجرة في المناطق الواقعة بين السيب وصحار، وقُدرت الخسائر الاقتصادية للدولة بمليون و525 ألف دولار أمريكي، وبلغت كمية الأمطار المسجلة في محطة السفير البريطاني بمسقط ما يقارب 286 ملم.

وبدأ تأثير الإعصار على المناطق الشرقية من السلطنة منها صور وكان خلال فترة الظهيرة، وخلال المساء بدأت الأمطار المصاحبة للإعصار تزحف غربا باتجاه مسقط وبدأ هطولها عند منتصف الليل وتبعتها رياح شمالية شرقية وغمرت مياه الأودية المجاري وفاضت بشكل كبير، وأخذت الأودية من مسقط ومطرح وحدهما حوالي 50 شخصا وهدمت الكثير من المنازل والسفن.

ويوضح حارث السيفي  أن تأثير هذه الأعاصير إما مباشرة؛ أي دخول مباشر للإعصار أو لأجزاء أساسية منه، أو غير مباشر كمرور الإعصار بالقرب من السواحل ودفع مياه البحر أو بعض السحب المُمطرة إلى السلطنة.

نمط الأمطار في السلطنة

يرى حارث السيفي أن أنماط المطر بشكل عام متغيرة بتغير السنوات، وتتكرر على فترات غير مُنتظمة، مضيفا: "إثبات تغير أنماط محددة من الأمطار صعب، ونذكر في السابق بعض المنخفضات الجوية التي استمرت لعدة أيام متتالية ونجدها الآن قلّت بشكل واضح، ولكن في المُقابل تعرضت السلطنة مؤخرًا لعواصف ربيعية قوية وردت في وثائق تاريخية، ثم انقطعت وتكررت الآن من جديد، وهكذا بالنسبة للأعاصير، فلا شيء ثابت ولا يمكن حتى الآن الجزم بأي تغيرات متعلقة بالأمطار عدا موضوع ارتفاع درجات الحرارة أو زيادة حدة الأعاصير المدارية.

صور (3).jpg
 

الحماية من التهديدات المناخية

ويؤكد السيفي أن أهم وسيلة لحماية الناس والبلاد هي التوعية أولًا بمخاطر هذه الظواهر، ثم الاستعانة بأحدث ما توصلت له العلوم الحديثة من تقنيات للتنبؤات والإنذار المبكر، وتطوير الاستراتيجيات الوطنية والاستفادة من التجارب مع كل حالة جوية، مبيناً: "هذا ما لامسناه لدى الجهات المعنية التي صارت تعمل باحترافية كبيرة، وهذا الأمر لفَتَ الجهات الإقليمية قبل المحلية، كما أنَّه من المهم لتخفيف التغيرات المناخية هو التخطيط السليم للبنية التحتية وتجنّب أماكن الخطر حتى لا تؤثر عليها أو تؤثر على المناطق الأخرى القريبة منها".

تعليق عبر الفيس بوك