لا ألتمس حبًا

 

فاطمة الحارثية

عندما نأتي إلى قائمة الحاجات الأساسية لدينا مذ كنا صغارا، يأتي الأمان متجذرا، والخط الفاصل بين البقاء والموت حيا، ثم بعده الحب وغيره من المشاعر التي نقرأها في عين كل طفل يذكرنا بأننا كنَّا يوما أطفالا مارسنا طفولتنا حسب البيئة التي وُفرت لنا.

ثم يأتي اليوم ولا أستطيع الجزم بأنه غريب عن الأمس، سوى أن الفارق أعذارًا تغيرت، عندما نروي قلوب الأطفال والناس علينا أن نتدبر مليًا بم نسقيها، فقد لا تزهر يومًا بسبب قول أو فعل عابث غير مقصود. يا أيها الأب ويا أيتها الأم ويا أيها الصاحب ويا أيها المعلم، تُروى القلوب بالكلام لا الطعام، فلا تعلمني ما به أجد وظيفة بل اسقني ما به أستمر وأسعد بالعمل والبذل وتقدير الحياة.  فالكثيرون لم يزهر اجتهادهم وظائف والبعض ممن سعى وجد عملا ومسارا مختلفا عما تخيله أو تصوره لنفسه، لكن الجميع سعيه مشترك نحو سعة العيش ورغد الحياة ورفاهية الفخر.

لا مقارنة بين نسبة السكان على أرضنا، وبين الدول الأخرى التي قد صاغ بعض البشر لها معايير وتم تسميتها بالدول العظمى، وقد يلاحظ الجميع العلاقة الطردية بين عدد السكان واقتصاد وتصنيف تلك الدول، البعض الآخر آثر أسماء أخرى منها ما تترجم الثقافة أو الثراء، ومنها ما عُرفت بالجرائم والإرهاب، لا أعرف هذه العلامات والسمعة بُنيت على ماذا؟ وإن حاولت التقصي أعلم أنني لن أنتهي بمقياس واحد، ولا جهة قبِل الجميع كف ميزانها؛ لكن أعلم يقينا أن ممارسات مواطني تلك الدول هي التي دعمت تلك الصفات والهويات وإحساس الناس بفرديتهم وتميزهم، وشكلت ما بعدها من أثر وتأثير.

الطفل يشكل هوية الغد، ووالداه مهد المستقبل، والشباب حاضر اليوم وطموحنا، بتكاملهم نصنع هويتنا ورفاهيتنا أو نطمسها، السلوك هو الحكم، ولهو الحديث لم ولن يكون واقعنا، إن أردنا المحافظة على قيمنا ومبادئنا ووجودنا علينا أن نحافظ على صناع المُستقبل، وأسباب حاضرنا وأقصد هنا الطفل والشباب، والمحافظة عليهم لا تقتصر بالمأكل والمشرب والعلم فقط، بل بتوفير أسس تحقق جودة بقائهم، وصياغة ما يتعلقون به كقيمة الأمان والمشاركة، وما يتداوله البعض مثل "إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب" هي مساحة تصف الرجعية والتخلف والجهل الذي يُشبه الناس بالحيوانات، ويحاكي قيمنا بتشبيهات غريبة.

عندما تريد قياس واستشراف مستقبلنا بالمفهوم البسيط، توجه نحو بيئة المدارس وانظر إلى فعل الغالبية، إن كان علمًا فنحن بخير وإن كان جهلا وتنمرا، فنحن نتوجه إلى مجهول غير مرغوب، وإن كان تلقينًا فنحن نتوجه نحو السديم.

أقر أن الغالب ممن يولون مسؤولية النشأة مُنهك، لكن التوازن هو أن أعيش اليوم وأمهد للغد، فأجد مساحة لأرخي تجاعيد الحياة وأستمتع بها بعد التقاعد؛ فهل من واع؟ ما قد أراه ليس بالضرورة أن يتوافق مع الجمع، لكن أذكر من قصص القرآن أن لوطا عليه السلام أيده الله وحيدا وسط قومه، ويوسف عليه السلام كان وحيدا وسط إخوته، والكثير مما قد علمنا إياه ربنا العليم أن الغالبية ليست بالضرورة على صواب.

نحتاج إلى قوانين صارمة وليس ندوات، نحتاج إلى فعل وليس دعوات، الطفل يُهان والشاب يتم تدميره، والأحلام تتناثر وليس من مجيب، نعلم لكننا لا نتعلم، ولا نردع الضرر من أوله، حتى يتحول إلى عادة وثقافة؛ تدمر التنمية والاستقرار.

سمو...

لا بُد من رادع لكل راعن، ولا بُد من يد تبطش بكل ظلم واعتداء، وأيدٍ تُعين وتعيد البناء، القليل اليوم يصبح الجموع غدًا، وعلى الأيادي أن تتكاتف خيرًا وتحافظ على أطفالنا ليُصبح شبابًا نعتز بهم.

البذور أساس والطفل اليوم هو المتقاعد غدًا.