الرجال مواقف ومعادن

 

حمد الحضرمي **

 

"النَّاس معادن كالذهب والفضة ......" هذا ما قاله أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث، ومن هذا الحديث يتبين أن النَّاس معادن، فمنهم كمعدن الذهب، والبعض الآخر كمعدن الفضة، ومنهم دون ذلك، ومعادن الذهب والفضة من أنفس المعادن، وإن كان معدن الفضة أقل قيمةً من معدن الذهب، كما أن معادن الذهب والفضة تتفاوت في جودتها، فقد يكون ذهبًا أو فضةً خالصًا، وقد يكون ذهبًا أو فضةً مشوبًا.

وهذا هو واقع الحال في حياتنا، فتجد بعض الناس - وهم منَّا وفينا - رجال معدنهم كمعدن الذهب الخالص، ومنهم دون ذلك، وقد سجل التاريخ القديم والحديث مواقف لرجال لا تنسى، ومواقفهم محفورة في الذاكرة والوجدان، وقد كتبت بأحرف من ذهب. فالرجال لا يحكم عليهم من خلال هيئاتهم أو ملامحهم الجسدية والبدنية، ولا من خلال ملابسهم وأنواع سياراتهم، أو جمال بيوتهم وفخامة سياراتهم، بل يحكم عليهم من خلال أعمالهم القيمة،  وما يحملونه من مبادئ وقيم وأخلاق حميدة، وبما يبذلونه من أجل الإنسانية والحياة، وما يترجمونه من تضحيات ومآثر في الواقع الحياتي.

الرجال الحقيقيون هم القدوة وأصحاب المواقف النبيلة، والأقوال الطيبة، والأفعال الجميلة، والأيدي البيضاء، والألسن النظيفة، والآراء السديدة، والمشاركات الفعَّالة. فالرجال لا يكذبون ولا ينافقون، ولا يخدعون ولا يضللون، بضاعتهم واضحة وميزانهم عدل، أخلاقهم عالية وسلوكياتهم نظيفة، يساعدون الفقراء، ويواسون الضعفاء، ويقضون حوائج البسطاء، فهؤلاء الرجال محبوبون من الله والملائكة والناس أجمعين. فبمثل هؤلاء الرجال يكون المجتمع متلاحماً متآخياً اجتماعيًا، به أسس وقيم راسخة، وتعاون وترابط وثيق.

إن الرجال أصحاب المواقف والمعدن النفيس، أغنياء بأخلاقهم ومواقفهم الإنسانية النبيلة، وأعمالهم الجليلة، وقد نُقش في التاريخ ذكراهم، ويتردد صداهم، فهم مخلصون شرفاء وطنيون، يحملون راية الوطن والحرية والكرامة، وتبقى ذكراهم خالدة، لأنهم سطروا مواقفهم الأصيلة بتضحيات ليس لها مثيل، وقد قدموا الغالي والنفيس، ولو فارق بعضهم الحياة تبقى ذكراهم خالدة كأنهم أحياء، وصدق القائل:

قد مات قوم وما ماتت مكارمهم

وعاش قوم وهم في الناس أموات

وعلينا التأسي بالرجال أصحاب القيم النبيلة والأخلاق الحميدة، لأنهم هم القدوة الحسنة، والمثال الذي يحتذى به في الأفعال والتصرفات، وقد كان رسولنا المصطفى صلى الله عليه وسلم - ولا يزال - قدوة طيبة، بسيرة عطرة، ومواقف نبيلة، تدعو إلى الخير وتحث على الفضيلة. وما أصيبت مجتمعاتنا في صميمها، إلا حين افتقدت الرجال والقدوة الحسنة، لأن الرجال أصحاب القدوة الحسنة ترجمة واقعية للمبادئ والأفكار، وللأسف الشديد تشكو اليوم مجتمعاتنا من فقر في القيم والأخلاق، وما ذلك إلا نتيجة لافتقادها للقدوة الصالحة من الرجال، أصحاب العقل الراجح والرأي الثاقب، والجود والكرم والسخاء، والشجاعة والحياء والوفاء، والمروءة والرأفة والرحمة، ونحن في أمس الحاجة إلى الرجال الصالحين أصحاب القدوة، حتى تنهض مجتمعاتنا من سباتها، وتعود كما كانت تتصدر المشهد، وتؤثر في المجتمعات لتحقق التميز والإبداع.

إنَّ أهمية تواجد الرجال أصحاب المواقف والمعدن الثمين الأصيل في مجتمعاتنا بالغة، وذلك لتأثيرهم على أفراد المجتمع، وأصبح تواجدهم بيننا ضرورة بشرية تقتضيها مصالح الحياة الإنسانية في شتى جوانبها، فحاجتنا للقدوة الصالحة لقيادة الشباب وتحريك طاقاتهم، لأن لهؤلاء الرجال القدوة مواصفات يتسمون بها، وقدرات ومواهب عظيمة يتحلون بها، ولديهم خصائص وعبقرية تجعل منهم رجال مواقف وقادة يتحدون الصعاب والمشاق، ويواجهون المواقف الصعبة بكل حكمة وشجاعة.

الرجال الصالحون أصحاب المواقف والمعدن الأصيل هم زينة في الرخاء، ونعمة في الضراء، ورؤيتهم تفرح القلب وتزيل الهم، وبهم تذلل الصعاب وتخفف المشاق وتهون الشدائد، وهم أصحاب عقول ونفوس كبيرة، وشموع تنير الدروب، وتمنح الآخرين الطمأنينة، فهم بلسم شافٍ للناس، ودرع وحصن حصين لهم، يحتمون به من تقلبات ومصائب الدنيا، فالرجال كالقمر المنير للناس وقت الظلمات، يضيء للآخرين دروبهم إذا أظلمت عليهم الطرقات.

علينا اختيار الرجال أصحاب القدوة الحسنة، لأنَّ بمثلهم تكون مسارات الشباب في الطريق المستقيم، وهم يبعثون في القلوب الأمل، ويجددون في النفوس العزم، وبهؤلاء الرجال القدوة الصالحين ستعود إلى الأمة وحدتها وقوتها وعزتها.

** محامٍ ومستشار قانوني

تعليق عبر الفيس بوك