أردوغان.. هل تسلم الجرة؟

 

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

لا يليق بنا الخوف، نحن سنكون ممن يخاف منهم الخوف.

 رجب طيب أردوغان

 

ينتظر بلاد الأناضول يوم عصيب سيفصل مستعلمات غير ثابتة، متحركة الاتجاهات، مرتبطة التجاذبات بين أقطاب السياسة، ما بين أحزاب كل حزب منها ينشر إعلانات التبشير بالرفاهية والمن والسلوى، وهناك من بيده قرار واستغله خير استغلال، عندما يضع إمكانات الدولة في خدمة الماكينة الانتخابية، وإمكانات الدولة حصان رابح، لكنه كسنة الكون، ليست ثابتة الأرباح، ولا مصونة عن الخسائر.

اللعبة الانتخابية هذه المرة حادة الجوانب، قاسية الملامح، تخللتها أزمة صحية للزعيم التاريخي لحزب العدالة، وانسحاب مفاجئ قد يغير قواعد اللعبة، وإرهاصات متنوعة لحزب الشعب المتحالف معه عدة أحزاب، هذه المرة التحالفات هي سيدة الموسم، ولعبة الألعاب، وكله يهون من أجل الفوز، ويقول الشاعر العربي أبي فراس الحمداني: ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر.

موضوع الغلاف في انتخابات أحفاد بني عثمان هو أردوغان، هذا الرجب الطيب الأردوغان، الذي أشغل الناس في تركيا، وأشغل الإقليم، وأشغل بلاد الاتحاد الأوروبي، وأشغل كل شيء وأي شيء يخص الأتراك، ولا أعلم هل هو حتى هذه اللحظة ينام ملء جفونه عن شواردها، بينما يسهر الخلق جراها ويختصم، كما ذكر الشاعر المتنبي ذلك البيت الشهير قبل قرون من مولد هذا الزعيم التركي العنيد.

قبل فترة قصيرة افتتح الرئيس أردوغان- والذي بذات الوقت المرشح للرئاسة- حقل الغاز في البحر الأسود، الذي من خلاله سيحقق اكتفاءً ذاتيًا من الغاز، في بلاد شتاؤها ليس كأي شتاء، شتاء لا غنى له عن الموقد، والموقد ليس بغنى عن الغاز، فما بالك والغاز الثمين أصبح بالمتناول ومجانًا لمدة سنة. هنا لسنا في موضع التهنئة للشعب المستحق لثروات بلاده، فهذا أمر مفروغ منه، إنما ألا يحق لنا التساؤل كيف لمرشح يستطيع استغلال منصبه لتكييفه وفق أجندة حملته الانتخابية؟ كذلك علينا ألا نقسو على المرشح أردوغان لربما يسمح له القانون. هنا أجد أنها ثغرة شاسعة موجوبة الردم القانوني، والتغطية الدستورية، أليس من الأحوط أنه بمجرد إعلان المرشح رغبته بخوض الانتخابات أن يقدم استقالته، حتى يتم إبعاده عن أية شبهة استغلال نفوذ؟

الشعوب الشرقية وربما الشعوب بشكل عام تتأثر بعاطفتها، تصور لو أن مرشحًا أعطاك هدية من مال الشعب غازًا لمدة عام مجانًا وزيادة راتب 45%، ما الذي سأتوقعه منك عندما تستفرد بورقة الاقتراع، أعتقد أنك لن تشخط الاسم فقط؛ بل لزيادة التأكيد قد تبصم!

علينا كما ذكرت ألا نبالغ في الوعي السياسي، فالناخب كأي إنسان قد يكون أسيرًا لحاجته أو مصلحته الشخصية، وما لقيصر لقيصر، فليفز أردوغان بالرئاسة حتى سنة 2200 هذه ليست مشكلة، ما دامت أمور الشعب تسير على ما يرام، هنا أحدثك بلسان رجل الشارع البسيط، الذي تؤثر به الابتسامة فقط، فما بالك بغاز لمدة سنة مجانًا، وزيادة نصف راتب، علينا ألا نطير للسماء وأن نتحدث بواقعية، أما الواقعية بالذات؛ فأردوغان أحد فلاسفتها الواقعيين!

الأقرب أن الأمور تسير نحو تجديد الثقة في الزعيم التاريخي لحزب العدالة، ولا عزاء لبقية الأحزاب التي لا تملك إمكانات ولا فكرًا انتخابيًا، والواقع أن الحصول على كرسي بلدية إسطنبول لم يعد أحد بنود الرفاهية، فتأثير الغاز والليرة أنكى وأشد!

بالنهاية.. أمامنا انتخابات قد يحدث بها كل شيء وأي شيء، فنحن أمام خيارات يحددها بشر، والبشر إنسان والإنسان الحي، كما قال المثل العربي يقلب، ويا مثبت القلوب ثبت قلبي.

الأكيد أن لوائح الانتخابات تحتاج لتعديل فوري، ليس معقولا أن يمارس مرشحا ما صلاحياته لتعزيز حظوظه الانتخابية، هذه نستطيع وصفها بأي شيء، إلا النزاهة والحيادية. والأكيد أيضا أن المعطيات على الأرض في هذه الانتخابات مفصلية الواقع، متأرجحة الاتجاه، وفيها عليك تذكر العبارة المكتوبة أمام كثير من التقاطعات المرورية: عزيزي السائق: توقع غير المتوقع.

عنوان تركيا القادم هل هو استمرارية ضحكات رحب طيب أردوغان، أم عودة الضحكات لحزب الشعب الجمهوري وألف مبروك لكمال كليجدار أوغلو؟

أظن المسألة سيكون بها نظر، وليست مضمونة، وستبدي لك الأيام ما كان خافيًا!