صداقة تُباع وتُشترى!!

 

 

◄ بعض الأصدقاء يتساقطون من حولنا مثل أوراق أشجار الخريف في نهاية الموسم!

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

 

كم هو جميل في هذه الحياة أن نجد الصديق المُخلص الذي هو في مقام الأخ الشقيق الذي ولدته أمهاتنا لكي يكون السند والمعين والرفيق  في السراء والضراء، فهذا النوع من الأصدقاء أصبح عملة صعبة ونادرة وغير موجودة في الأصل في هذا العالم المادي الذي يبحث فيه الواحد منَّا عن ما يمكن الحصول عليه من الغنائم، ثم المغادرة إلى جهة مجهولة، لتبدأ رحلة جديدة من البحث عن أصدقاء آخرين لعلنا نجد عندهم مبتغانا، لم لا ونحن نعيش صراعات ومنافسات لا تنتهي بين من نصادفهم في معترك هذا العالم الذي تضيق فيه الصدور وتضعف فيه الأنفس وتزيد فيه الأنانية منذ "قابيل وهابيل" وحتى اليوم.

الصديق الوفي هو كالنور الذي يسطع في حياتنا ليأخذ بأيدينا للولوج إلى الطريق السليم الذي تفتح فيه أبواب السعادة على مصراعيه، فالإنسان منَّا لا يسلم من عثرات الدهر والمواقف الصعبة التي قد تعمل على تغير مسارنا إلى دروب وطرق قد تكون ملتوية. وحب الخير للناس والعمل على إسعادهم من الصفات النادرة في هذا الزمن، فكف الأذى عن الأصدقاء والأصحاب والزملاء، وقول الكلمة الطيبة، والابتسامة في وجوههم من أفضل الأساليب الحديثة للوصول إلى قلوب الناس وكسب مودتهم وقد يتحولون من أعداء ومنافسين محتملين إلى أصدقاء نؤمن شرهم في الأيام الصعبة.

الصداقة بالفعل أعذب كلمة نسمعها ونتحدث عنها خلال مشوارنا الطويل في هذه الحياة التي تواجهنا فيها مطبات وعقبات في مختلف مراحل العمر؛ فالقليل منَّا ينجح في خلق علاقات متوازنة في محيطه الاجتماعي؛ بداية من أصدقاء مقاعد الدراسة في الابتدائية ثم  المراحل التعليمية الأخرى. وأجمل سنوات العمر هي التي تجمعنا بأصدقاء أكثر نضجًا كالذين نصادفهم في الدراسة الجامعية ونتوافق معهم في الطباع والفكر والتوجهات المستقبلية.  

لكن تبقى الصداقات المبكرة التي تربطنا بمرحلة ما قبل المدرسة هي التي تخلد في أذهاننا وعقولنا في المستقبل ولا يمكن أن تنسى بسهولة. ومن المؤسف حقًا أن نسمع على الدوام الشكاوى من كل حدب وصوب وعلى وجه الخصوص من السواد الأعظم من الناس الذين تنكر لهم أصدقاء العمر بدون سبب يذكر.

ويعود ذلك في اعتقادي إلى بحثنا المضني عن المصالح والمكاسب الشخصية التي نحتاج إليها من الآخرين في مرحلة الكهولة التي تزداد فيها متطلبات الحياة ما بعد الزواج وتكوين أسرة صغيرة تحتاج إلى بناء منزل وشراء سيارة وغير ذلك من ضروريات الحياة التي نلجأ في كثير من الأحيان إلى الأصدقاء والمعارف لمساعدتنا في ذلك.

حقيقة الأمر أنه لا يوجد إنسان في هذا الكون بدون صداقات وعلاقات إنسانية تشكل لمعظمنا همزة وصل مع الآخرين، وذلك لحاجتنا لسند قوي نعتمد عليه في الأمور الصعبة التي تواجهنا في هذه الحياة ونطلق عليه صديق العمر. وعلى الرغم من هذه الرابطة المقدسة المتمثلة في الصداقة، إلا أننا نجد في مراحل العمر المختلفة أن الأصدقاء قد تساقطوا من حولنا مثل أوراق أشجار الخريف في نهاية الموسم.

وتكمن الخطورة هنا في المبررات التي يتم تداولها على نطاق واسع بين الأصدقاء الذين رحلوا عنَّا ومحاولتهم اتباع منهج الأذى للغير كإفشاء الأسرار والامتناع عن تلبية طلبات الطرف المحتاج للمساعدة وقبل كل ذلك كله الاختلاف في وجهات النظر في مختلف أمور الحياة.

ومن القصص التي تروى عن الصداقة غير المتكافئة أو تكون من طرف واحد أشخاص كرماء يقدمون ما يملكون بلا حدود ماديًا ومعنويًا، بينما الطرف الآخر يدير ظهره عند ما يحين وقت الحاجة لرد الجميل. من منطلق حبنا لطرف آخر تعودنا على منحه كل ما نملك بلا قيود، بل وبدون مبرر؛ فالعواطف الوجدانية هي التي تتحكم في نزوات كثير من البشر في هذا العالم الغريب؛ فيحرم المخلصين من الأصدقاء ويكرم البعض من الذين لا يستحقون تلك العطايا الذين قد تكشف معادنهم الأيام عند ما نحتاج إليهم في المستقبل القريب.

ومن روائع الإمام الشافعي في الصداقة قوله: "سلام على الدنيا إذا لم يكن بها صديق صدوق صادق الوعد منصفًا" كما قال كذلك في تمرد الأصدقاء ونكرانهم للجميل في هذا البيت "ما أكثر الأصدقاء حين تعدهم ولكنهم في النائبات قليل".

لا شك أن هناك توترات وخلافات بين أصدقاء العمر وكذلك الذين يغيرهم الزمن وتحديات الحياة واختلاف المصالح وكذلك النميمة والقيل والقال، وعلى وجه الخصوص الموظفين في العمل الذين تربطنا بهم علاقات زمالة ثم تحولت هذه المعرفة إلى صداقة عميقة. هؤلاء القوم الذين يقضون ساعات طويلة تحت سقف واحد في المكاتب؛ إذ أحيانًا تكون هذه المدة أطول من الوقت الذي يخصص للأسرة في البيت، من هنا تدخل هذه الأطراف في حرب استنزاف وقودها النميمة والمزايدات والمنافسة، ويخسر الجميع المودة والعلاقات الإنسانية التي تراكمت عبر السنين.

حان الوقت لغسل القلوب والأنفس من الأحقاد والضغائن؛ فالدنيا لا تستحق منا كل هذه المعارك؛ فالمنتصر فيها خاسر لا محالة.

وفي الختام.. يجب أن يدرك الجميع أن أصدقاء الأمس هم الذين يحتفظون بمفاتيح أسرارنا، وقد تستخدم لنشر الكراهية والبغضاء وكذلك الأذى.. من هنا نتضرع إلى الله أن يقينا شر أصدقاء المصالح والمجاملات، لكي نتولى حماية أنفسنا من الأعداء الحاقدين.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري