العلم المأجور

 

الطليعة الشحرية‎‎

الحقائق العلمية المثبتة لا تتغير طال الزمن أو قصر، فاجتماع ذرة هيدروجين وأكسجين يُشكل الماء ولن يغير المكان أو المحيط شيئاً من هذه الحقيقة المثبتة منذ آلاف السنين، العلماء يبحثون ويكتشفون والعلوم تتراكم لدى الشعوب. تغيرت تلك المفاهيم البسيطة من تراكم العلوم والحقائق العلمية وقلب كل المفاهيم واستخدم العلم في غير موضعه وخلق صناعة جديدة وهي العلم المضلل والكاذب والعلم المأجور.

(1)

العلم المُضلل الكاذب

قبل خمسين سنة وفي العديد من مزارع النحل في أوروبا دخل مربو النحل في دوامة بعد موت الملايين من النحل وبأعداد كبيرة سأل المزارعون البيطريون لماذا يموت النحل بهذه الأعداد الهائلة؟ وقبل بضع سنوات ماتت النحل بأعداد هائلة في أمريكا الجنوبية، لم يهتم أحد بهذا المخلوق الضعيف الذي لا ينتج إلا العسل، هنا يأتي دور الشركات مجهولة الهوية بتمويل آلاف الدراسات والأبحاث وركزت أبحاثها العلمية على الأسباب التالية دارسة الفيروسات انحسار المساحات المزروعة الإضاءات الليلية، التغير المناخي، ولكن الحقيقة وراء موت النحل في مكان آخر لم يتطرق إليها أحد وهي المبيدات الحشرية التي تنتجها بملايين الأطنان شركات عالمية عابرة للقارات تقدر أرباحها بتريليونات الدولارات. تمول بعض الحكومات بعض الدراسات تثبت أن استخدام النيكوتين بكميات بسيطة يقتل النحل وبعد ربع قرن على اكتشاف هذه الحقيقة العلمية الخجولة، لا يزال الإجماع غائب عن هذه الحقيقة بين العلماء، والمزارعين، والبيطريين، والشركات، ويتحول البحث عن الحقيقة العلمية كلعبة مطاردة بين حيوانين أليفين وبالأخص حين تهدد تلك الحقيقة مصالح الشركات الكبرى. 

(2)

العلم المأجور

صناعة العلم الكاذب أو المرتزقة هو تمويل الأبحاث العلمية الوهمية لتقويض العلم الحقيقي، فهو يوظف العلم ضد نفسه، مثال ذلك عند البحث عن أسباب موت النحل سنجد ما يقارب 460 ألف ورقة بحثية تبحث في مئات الأسباب عن موت النحل، فكل ما زاد عدد الدراسات العلمية المتخصصة والمعامل العلمية قلت قُدرة مزارعي النحل والبيطريين على معرفة ما يحدث ويسود انطباع عام لدى الرأي العام بأن هذه الجهات جادة في البحث عن الأسباب لحل المشكلة.

(3)

توظيف العلم ضد نفسه

في الخمسينات من القرن الماضي نُشرت دراسة علمية غير مُضللة في أمريكا عن إصابة جميع الفئران التي دهن جسمها بالقطران الناتج عن السجائر بالسرطان، وعلى الفور اجتمع الخمس شركات الكبرى في صناعة التبغ ووضعوا استراتيجية جديدة وأعلنوا للجمهور العام بأنهم يتعهدون بتقديم الدعم والعون للجهود البحثية حول تعاطي التبغ وعلاقته بالصحة.

وفي اليوم التالي قامت الصحف المملوكة والممولة من عمالقة التبغ كتبت بأن" قطاع صناعة التبغ سوف يستثمر البحث العلمي المستقل" وتم بالفعل تمويل الأبحاث الوهمية وضخ الألف من الدراسات والأبحاث باستخدام علماء مرتزقة محافظا على مصالح الشركات الكبرى بعيداً عن أي معيار أخلاقي أو صحي وهكذا نتج العلم المزيف المغلف بالعلم لدحض الحقائق المثبتة كإطفاء النار بالنار .

(4)

دوخوا الدجاجة

"استخدم الثعلب المحتال تدويخ الدجاجة إلى أن وقعت في كيسه" هي قصة من طرائف الجاحظ في كتابه "الحيوان"، ولكن ما علاقة الدجاجة الحمراء وتدويخها بنا؟

الحيلة ذاتها تُستخدم اليوم تعتمدها الشركات الكبرى بتمويلها المراكز البحثية والآلاف من الدراسات العلمية البحثية وتأجير العلماء وتجييشهم لإصدار دراسات تُشتت الرأي العالم وتدوير رأس الجمهور فيشتت الانتباه عن الحقيقة الثابتة ويغرق الباحث بين مئات الدراسات والبيانات تحتاج إلى تقصٍ ومعرفة لا يملكها الإنسان العادي المستهلك، فيصبح من المستحيل إثبات المذنب الحقيقي. فهل عرفتم من يمثل الدجاجة الحمراء ومن يمثل الثعلب!

(5)

العلم المهجور

"اكسب وقت تكسب تريليون" وهذه سياسة أخرى تستخدمها الشركات الكبرى أو العابرة للقارات، المماطلة لكسب وزيادة نسبة الأرباح، وذلك بعرقلة الحكومات من سن القوانين وغيرها، والأهم من ذلك هو تهميش الحقيقة العلمية الحقيقة المثبتة.  ففي حالة شركات التبغ احتاجت حكومات بعض الدول إلى ما يقارب إلى ستين عاماً لوضع تحذير على علب التبغ ومخاطره على الصحة، أو منع التدخين في الأماكن العامة، أما النحل المسكين فقد احتاج الأمر إلى ربع قرن ولا يزال الى الآن البحث مستمرا عن سبب موت النحل، على الرغم من أن منظمة الفاو أصدرت إحصائية تقول فيها "بأنه إذا انقرض النحل بكل سلالاته البالغة عشرين ألف سُلالة، فإن البشرية ستحتاج إلى جيش تعداده مليار إنسان يقوم بالوظائف التي يقوم بها النحل مجانا" وبالطبع بدون إنتاج العسل. وهذه هي الحقائق التي لا تُنشر ولا يهتم بها أحد وهو العلم المهجور.

(6)

حروب الظل

مع دخول منتج جديد الى حياتنا تتصاعد أسئلة عن مدى سلامة المنتج وتأثيره على الصحة، وهنا يتحتم ذكر الدراسة التي قام بها عالما أحياء في جامعة بوسطن عام 1989م عن لغز انتشار الخلوي في الخلايا السرطانية وتلاحظ لديهم عن انتشار عشوائي للخلايا، وبعد بحث مكثف لأكثر من أربعة أشهر اتضح أن الأنبوب البلاستيكي هو السبب في الانتشار العشوائي. اتضح لاحقاً بأن المادة البلاستكية تحتوي على مادة هرمون أستروجين جنسي هو " bisphenol A "، بالطبع هذه المادة توجد في مصنوعات عبوات الماء البلاستيكية، وعلب الأدوية، والأكياس المخصصة لحفظ الأطعمة وعبوات الرضاعة للأطفال. أخرجت الشركات الكبرى دراسات علمية وأبحاثاً مضادة مغلفة بالعلم المُضلل وباستئجار علماء لدحض الحقيقة العلمية وتقزيم خطورتها إلى الحد من جعل استخدام مادة bisphenol A" " بنسب قليلة أمان على الصحة.

(7)

العلم الكاذب ينتصر

العلم المأجور هو نتاج لتلاقح بين السلطة والنفوذ المربح وهكذا ينتصر العلم الكاذب المأجور على العلم الحقيقي والضحايا هم الدجاج الأحمر، ولكن ماذا لو توسعت دائرة استخدام العلم المُضلل واستخدم لإغراق العالم في ظلامات الجهالة وإبطاء مسيرته... ألا يُعد العلم المُضلل حينها وسيلة حرب جديدة فهي تشبع العقول وتُشتتها بملايين من الحقائق الكاذبة وخلق علماء جُدد يملكون هالة العلم وجاهلين.