"لقمة الشبعان على الجيعان تبطي"

علي بن سالم كفيتان

يختزن الفكر البشري الكثير من التجارب؛ سواءً أكانت تجارب مُلهمة أو غير ذلك، وشكلت أمثال الشعوب أداة للتعبير عن كل تجربة على حدة، فبكلمات معدودة استطاعت الأمم أن تعبر عن رضاها أو سخطها، ولعل قوة المثل الشعبي تكمُن في الايجاز والرمزية والطرح الساخر.

ومن الأمثلة التي تتردد في ظفار: "لقمة الشبعان على الجيعان تبطي"، فربما قائلها كان أجيرًا في مقالع حجر القص (الحجر الجيري) يعمل طوال نهاره القائظ على حفر وطرق وقص وتهذيب اطراف الحجر، وفي نهاية اليوم يبدو وجهه شاحبًا، وعيناه شاخصتان تطويهما الحمرة، واثار الغبار على كل شعرة من رأسه، حتى لحيته، ولا تخلو رجليه وأطرافه من الإصابات والكدمات الدامية. وربما هو مزارع يعمل بكدٍ في مزرعة غيره، أو صياد أجبرته الظروف على العمل في الضواغي (صيد سمك السردين) بين الملح والماء وزفر رائحة السمك المتكدس في الجريف (شبك لصيد السردين)، جميعهم ينتظرون المساء لكي يتكرم عليهم سيدهم بلقمة تسد الرمق المنهك، فيأتي رب العمل متأخرًا يقلب عينيه في ذلك الكادح لينتقد إنجازه ويقتص من حقه ولا يكاد يفضي له بشيء إلّا بشق النفس، وبشروط تدمي القلب عمّا عليه فعله في الغد، وفي الغالب هي أعمال إضافية غير مدفوعة الأجر؛ فتظل لقمة ذلك المنعم معلقة، وإن نال منها ذلك المقهور النزر البسيط في نهاية يوم مضنٍ.

دلف هذا المثل إلى ذهني عندما اطلعت على ما يجري تداوله بشأن اعتراض البعض على جزئيات في مشروع قانون الحماية الاجتماعية، رغم أن ذلك لا يتماشى مع النية الحسنة والتوجه الرحيم لمولانا جلالة السلطان المعظم- أيده الله- بل قد يرسم صورة سلبية للمجرات البعيدة التي يدور فيها بعض من أوكِل أمر الناس إليهم؛ فالحديث عن مئات الآلاف من الوظائف الوهمية الشاغرة هو ضرب من الخيال المرتسم في مخيلة كل من يزعم ذلك؛ لأن الواقع مختلف تمامًا، فآلاف الشباب والشابات مكدسون في البيوت بلا عمل، وبعضهم يدور في فلك لا ينتهي من المبادرات التي لا تفضي إلى وظيفة تحقيق مبدأ الأمان الوظيفي، فقد زاد الحديث عمّا بات يُعرف بالأجور المجزأة، والعقود المؤقتة، والتدريب على رأس العمل، وآخر مقرون بالتشغيل، وفي نهاية المطاف يجد الشاب نفسه قطع سن الثلاثين وهو ما زال في مختبر الفحص والتمحيص.

عندما نعجز عن توفير الوظيفة لأبنائنا نكيل التهم إلى نظامنا التعليمي الذي أتى بذات الوزير والوكيل والمدير العام إلى مواقعهم، ليخطب بعد ذلك عن تراجع مستوى المخرجات، رغم أن خريجي أرقى الجامعات في العالم وفي تخصصات فنية مُهمة يقبعون على قوائم الانتظار، وإذا سلّمنا بتردي المخرجات فمن المسؤول عن ذلك؟ وهل تلك المخرجات أتت من خلف البحار البعيدة؟ أم هي من صنيعة تعليمنا؟ فوزارة التربية والتعليم تلوم الأسرة والمجتمع، بينما وزارة التعليم العالي تلوم التربية والتعليم، وبعدها تُختتم الحلقة بوزارة العمل، لتتهم الجميع بالتقصير، وأنها تستطيع تشغيل القادمين من كل الكواكب، ما عدا سكان كوكبنا!

ما نريد قوله هنا إن المجتمع يعي كل ما يُقال ويعرف أن الفرص موجودة، لكنها لا توظّف بالشكل الصحيح، وأن الضغط في الاتجاه المعاكس له ردة فعل يجب أن يتم حسابها جيدًا؛ فالتراكمات وصلت لمستوى لا يمكن تجاهله، والمصلحة الوطنية تقتضي التدخل لتمكين الشباب ومنحهم فرص حقيقية قابلة للحياة.

وحفظ الله بلادي.