إيجاد النفس في العالم الآخر

 

أحمد بن موسى البلوشي

 

مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وأدواتها بين الناس بصور كبيرة؛ أصبح الجميع يستخدمها من صغير وكبير، بمعنى أن هذه الأدوات منحت الناس حرية بلا قيود بأن يصنعوا شخصياتهم الافتراضية كيفما يريدون ويتمنون، ولذلك ظهرت مع مستخدمي هذه الوسائل موضة فقدان الشخصية الحقيقية، فقدان شخصية الفرد على أرض الواقع، والذي يمكن أن نسميه "أسلوب الهروب من العالم الواقعي"، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما الذي يدفع الإنسان إلى تقمص شخصية مختلفة في مواقع التواصل الاجتماعي عن شخصيته التي يعرفها الجميع؟، لماذا صاحب هذه الشخصية يتسم بالمثالية واللطف والحنان والرومانسية؟، وفي الكثير من الأحيان تجده يطرح الحلول للكثير من التحديات التي تناقش بهذه الوسائل، فإذا كان موضوع النقاش يخص مجال الطب تجده طبيبًا، وإذا كان الموضوع يخص مجال الهندسة تجده مهندسًا، وإذا كان الموضوع يخص مجال الحب تجده عالمًا خبيرًا في ذلك، هل فقدان الشخص لشخصيته في الأسرة أو بين الأصدقاء أو في المجتمع هو الذي يدفع البعض لتقمص شخصية أخرى مختلفة في وسائل التواصل الاجتماعي؟

 

إن كان سبب تقمص البعض في وسائل التواصل الاجتماعي لشخصيات تختلف عن الشخصية الواقعية هو فقدان الفرد لشخصيته في الأسرة أو المجتمع؛ فالمشكلة هنا ليست مشكلة أدوات التواصل الاجتماعي فقط، ولكن أسلوب الحياة الذي يعيشه الفرد، وطريقة التربية التي يتبناها بعض الآباء والأمهات؛ فيجب على الآباء والأمهات مراجعة حساباتهم في طريقة تربية أبنائهم، فالتنشئة الأسرية لها دور جوهري في تشكيل شخصية الفرد، فعندما لا يجد هذا الفرد المساحة المناسبة لإبراز شخصيته في محيط أسرته أو المجتمع فإنه يهرب مسرعا للمتنفس الذي يستطيع أن يُعبر فيه عن الشخصية التي يحبها وهو العالم الافتراضي. أما إن كان السبب غير ذلك فيجب على الشخص أن يُراجع نفسه، ومن الأفضل أن يستشير طبيبه، لأنه ليس من الطبيعي أن تكون وحشا على أرض الواقع وفي العالم الافتراضي تكون وديعًا.

 

عزيزي مستخدم وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة إياك أن تكون انطباعا شخصيا عن أي شخص في هذه الوسائل سواء كان هذا الانطباع إيجابيًا أم سلبيًا، فكم من الأشخاص نعرف شخصياتهم جيدًا في عالم الواقع، ولكن نتفاجأ بشخصياتهم المختلفة في العالم الافتراضي، عندما نشاهد منشوراتهم وتغريداتهم والصور التي ينشرونها فنندهش من هذه الشخصية المثقفة والعقلانية والتي تعيش في عالم مختلف عن الذي يعيشه الآخرون، وآرائهم التي يطرحونها للكثير من التحديات والمشكلات، وهم في الحقيقة غارقون في الكثير من المشاكل التي لا يجدون لها حلولا، ولا يتمتعون بالمعرفة والثقافة. وقد أثبتت الكثير من التجارب الشخصية أن أدوات التواصل الاجتماعي هي أحد الأدوات التي تجعل العقل البشري يكون قناعات غير صحيحة بعيدة عن الواقع الحقيقي بسبب الإسقاطات التي تكونها هذه الأدوات على هذا العقل، يقول مهاتما غاندي: "ستحصل على أفضل ما في الناس، عندما تعطيهم أفضل ما فيك".

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك