أقبح الأخلاق.. الغدر والخيانة

 

حمد الحضرمي **

لقد وصف الله- عز وجل- رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في جميع أقواله وأفعاله وأحواله بأنه على خلق عظيم، فقال تعالى "وإنك لعلى خلق عظيم" (القلم: 4)، والواجب على كل مسلم أن يتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم ويتحلى بالأخلاق والخصال الحميدة، وأن يتخلى عن الأخلاق والخصال السيئة، وقد أصبح علينا وجوبًا غرس القيم الأخلاقية والمثل العليا في المجتمع والمحافظة عليها، لأنه للأسف الشديد باتت هذه القيم مهددة نتيجة الانحلال الفكري والثقافي والهجمات الشرسة على مكارم الأخلاق الإنسانية التي قد تعايش عليها الناس منذ الأزل.

وأصبح من الضروري والواجب علينا جميعًا الرجوع إلى الأسس الأخلاقية القيمة المتمثلة في مكارم الأخلاق، لأنَّ الإنسانية إن تجردت عن الأخلاق والخصال الحميدة أصبحت لا نور لها ولا رحمة ولا مودة، وتتعرض للأزمات وما تلبث أن تخرج من أزمة إلا وتقع في أزمة أخرى، والسبب إنحلال الأخلاق، والوضع أصبح خطيرا، ويتوجب علينا من الآن ودون تردد نشر وغرس القيم والأخلاق الإسلامية الحميدة في المجتمع، ومن خلال هذه النافذة المضيئة بجريدة الرؤية العمانية، أتشرفُ بالكتابة بشكل دوري عن مكارم الأخلاق مع بيان الصفات المحمودة والصفات المذمومة، والغاية من ذلك الإرشاد والتوجيه لأفراد المجتمع لغرس القيم الأخلاقية لإصلاح النفوس وتزكيتها على الأخلاق الحميدة والبعد عن الأخلاق السيئة، ولما فيه سعادة للناس في الدارين.

والناظر والمتامل للنفس البشرية يجد من الوهلة الأولى بأن لها تأثيرها البالغ الأهمية في المجال الأخلاقي، فالنفس المطمئنة تساعد صاحبها على أن يكون من الأخيار، وأما النفس اللوّامة فهي تلوم صاحبها على السيئات فتدفعه إلى التوبة والاستغفار، وتأتي النفس الأمارة بالسوء فتأمر صاحبها بالشر بإرتكاب المعاصي، فإذن النفس البشرية تتأثر بهذه الأفعال والمواقف تأثيرًا كبيرًا، فتتحلى بالأخلاق المحمودة أو بالأخلاق المذمومة، وقد تبين لنا بوضوح بأن النفس المطمئنة والنفس الأمارة بالسوء تقومان بعملية التوجيه للإنسان، بينما النفس اللوامة يكمن دورها في عملية المراجعة والتقويم والتصحيح انطلاقًا من الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها والتي تبغي الخير وتنشده وتحث عليه. 

وحديثنا اليوم عن النفس الأمَّارة بالسُوء، فهذه النفس لها تأثير كبير جدًا في مجال الأخلاق، لأنها تحض على الشر وتتعاون مع الشيطان في النهي عن فعل الخير، فإذا سلك الإنسان مسلكًا غير سوي متبعًا هواه ونفسه الأمارة بالسوء تكون النتيجة سيئة، لأن الفعل والسلوك كان قبيح، فاتباع النفس الأمارة بالسوء يؤدي إلى الفشل والتشاؤم، وأما اتباع النفس المطمئنة فإنه يؤدي إلى النجاح والتفاؤل، والنفس اللوامة تقوم بعملية التصحيح وترجع الإنسان إلى مسار وطريق الخير، لأن لكل إنسان في نفسه ضمير، فإن كان هذا الضمير حيًا قويًا وقعت نفسه في الخير، وإن كان هذا الضمير ضعيفًا وقعت نفسه في الشر.

 

والنفس الأمارة بالسوء توقع نفس الإنسان في أقبح الأخلاق، ومن أقبح الأخلاق الغدر والخيانة، فالغدر صفة ذميمة لا يتحلى بها إلا فاقد الإيمان، وهي دليل على خسة النفس وحقارتها، ويكون صاحب الغدر غادرًا ممقوتًا من الله والملائكة والناس أجمعين، والغادر يحذره الناس فلا يطمئنون إلى مخالطته ولا جيرته ولا صداقته ولا معاملته، ويحمل الغادر لواء غدره يوم القيامة خزيًا وعارًا بين الخلائق، ويكفي الغادر سخطًا وغضبًا أن يكون الله خصمه يوم القيامة يوم الحسرة والندامة. ويقول الأبشيهي: "كم أوقع الغدر في المهالك من غادر، وضاقت عليه من موارد الهلكات فسيحات المصادر، وطوقه غدره طوق خزيٍ فهو على فكه غير قادر".

أما الخيانة فهي صفة قبيحة في كل شيء، وبعضها شر من بعض، فليس من خانك في أمر بسيط، كمن خانك في أمر عظيم، في أهلك ومالك وإرتكب العظائم، والخيانة داءُ وبيل إذا استشرى بالإنسان جرده من إنسانيته وجعله وحشًا لا يبالي بالآخرين، همه نفسه وشهواته وملذاته،  والخيانة أسوأ ما يبطن الإنسان في قلبه، وهي من علامات النفاق، وللأسف الشديد فقد إنتشرت الخيانة في المجتمعات فهناك من يخون ربه، ومن يخون وطنه، ومن يخون أهله، ومن يخون زوجه، ومن يخون أخيه وصديقه وزميله، وأصبحت الخيانة صفة منذرة بالخطر المحدق بأي مجتمع، وهي سبب من الأسباب في دمار المجتمعات والأمم، ويتوجب تسليط الضوء على هذه الآفة الخطيرة ومعالجتها للحد من انتشارها واستفحالها.

والإنسان العاقل لا بُد أن يراجع حساباته ويقييم نفسه ويصحح أخطاءه، ويتطلب منه التحلي بالشجاعة لمواجهة الصفات السيئة والسعي والعمل على تغييرها لتكون صفات حميدة، ويعيش في أمن واستقرار وسكينة وطمأنينة وأمان مع أهله ومع جيرانه وفي عمله مع أصدقائه وزملائه ليحيا حياة سعيدة كلها خير وصفاء وإخاء. وهذا لن يتحقق إلا إذا قرر الإنسان أولًا التخلص من الصفات السيئة، لأن هذه الصفات تسبب له الأخطاء والمشاكل والأضرار والوقوع في المآزق،وهو في غنى عنها، وعليه السعي لاكتساب صفات حميدة لتحل مكان الصفات السيئة، وعليه التركيز على الصفات الإيجابية التي يتصف بها وتعزيزها وإظهارها لتتغلب على الصفات السيئة وتحل مكانها.

وستبقى وحدها الأخلاق الحميدة هي التي ترفع من شأن الإنسان ومنزلته في الدنيا والآخرة وذلك لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال: "إن اقربكم مني منزلة يوم القيامة أحسنكم أخلاقًا"، وهذا دليل على أهمية الأخلاق وتأثيرها في حياة الإنسان وآخرته، وإنتشار الأخلاق الحميدة في أي مجتمع سينعكس كل ذلك بالإيجاب على جوانب كثيرة من حياة أفراد المجتمع، وسيعيش الإنسان حياة سعيدة بعيدة عن المشاكل والسلبيات والأخطاء والأضرار، ويحيا في وطنه ومع أهله وجيرانه وأصدقائه في أمن وأمان وسلم وسلام ومحبة ووئام.

** محامٍ ومستشار قانوني

تعليق عبر الفيس بوك