أثر التعزيز في نفوس الطلبة

 

سالم بن نجيم البادي

 

عادت طفلتي لولوة من المدرسة وهي تحمل ورقة تقرير أداء الطالب وفيها عبارات تصف مستوى الطالب في المواد التي يدرسها خلال فترة محددة في الفصل الدراسي الأول والفصل الدراسي الثاني وهي البديل عن الشهادات التي تسجل فيها الدرجات بالأرقام في نهاية السنة الدراسية لولوة كانت سعيدة ونشيطة ومرحة وتكاد تطير من الفرح، وقد هرعت نحو أمها وهي تقول لها: "شوفي شو كتبت لي الأستاذة".

وكانت الأستاذة هلالة البادية قد كتبت في التقرير الوصفي ما يلي: "الفراشة لولوة أنتِ مبدعة، ولديك قدرات كبيرة، يومًا ما سيُقال عنك المبدعة الناجحة. فقط استمري أنتِ على الطريق الصحيح، وأبذلي قصارى جهدك لبلوغ هدفك، والشكر موصول لولي الأمر على متابعته". انتهى كلام المعلمة الفاضلة.

لمثل هذه العبارات المحفزة الأثر البالغ في نفوس الطلبة وهي دافع لهم لبذل المزيد من الجهد في التحصيل العلمي وفي حب المعلم والمادة التي يدرسها وفي الرغبة للذهاب للمدرسة بحب وشغف وحماس.

للمعلم دور كبير ومؤثر في نفوس الطلبة، لا ينسى طوال الحياة، ومن منِّا لا يدين بالفضل لمعلم ما كان الملهم والقدوة والسراج الذي أنار لنا الطريق. وفي المقابل توجد فئة من المعلمين والمعلمات- سامحهم الله- يجعلون الطلبة ينفرون من المادة والمعلم والمدرسة يستخدمون عبارات غير لائقة ومُهينة ومذلة وتحطم النفوس إلى الأبد وتفقد الطالب ثقته بنفسه، مثل "يا غبي" و"ما تفهم" و"بليد" و"لن تنجح"، علاوة على التوبيخ واللوم وأحيانًا الضرب والطرد من الفصل والوقوف مع رفع اليدين إلى الأعلى لوقت طويل في الصف، والإهمال والتجاهل والسخرية المستمرة أمام الأقران، ومن المعلمين من يصف الطالب بألفاظ قاسية ونابية، ويتعمد محاسبته على كل التصرفات وإن كانت عفوية وطبيعية بحكم مراحل العمر التي يمر بها الطالب في الصفوف الدنيا، حيث يحتاج إلى الحركة الدائمة، والطالب في الصفوف العليا يكون في بداية مرحلة المراهقة التي تتطلب مراعاة التغيرات الجسدية والنفسية التي يعيشها. وربما يقوم بتصرفات بقصد جذب الاهتمام، وقد يأتي الطالب من المنزل إلى المدرسة مُثقلًا بالهموم والمشاكل من عائلة يسودها التفكك والصراعات والخلافات، وهو يأمل أن تكون المدرسة الملاذ الآمن له، وقد يُصاب بخيبة الأمل في المدرسة تجعله يميل إلى افتعال المشاكل مع الطلبة والمعلمين، وقد يلجأ إلى العنف تنفيسًا عن الكبت الذي يعاني منه في المنزل، وقد يكون انطوائيًا وخائفًا وخجولًا وزاهدًا في تحصيل العلم، وهذا يؤدي إلى سوء مستواه في التحصيل العلمي.

ونادرًا ما يوجد طالب ميؤوس منه، إذا وجد المعلم المُخلِص، الذي ينتشله من حالته تلك، ومن النادر كذلك أن يوجد طالب فوضوي ومتمرد لا يمكن علاجه وإرجاعه إلى جادة الصواب وهناك أساليب وطرق تربوية يعرفها أهل التربية غير. العنف والعقاب والتهديد.

وبالعودة إلى تقارير أداء الطلبة نجد أن بعض هذه العبارات الوصفية قاسية وتزيد الطالب الضعيف ضعفًا، ومنها "الطالب ضعيف في جميع فروع المادة"، و"الطالب قليل المشاركة الصفية"، و"الطالب لايُؤدي واجباته المنزلية"، وعبارات أخرى مثبطة، وقد يكون الطالب كذلك.. لكن ألا توجد عبارات ألطف وأرق منها؟ وما دور المعلم والأسرة في النهوض بمستوى هذا الطالب؟

هذا مع التسليم بوجود الفروق الفردية والقدرات العقلية المختلفة وأن قلة قليلة مع هؤلاء الطلبة لا شيء يجدي معهم لعلاج تدني التحصيل العلمي لديهم، وكل محاولات المعلمين يكون مصيرها الفشل، وهؤلاء لا بأس في أن لا ينجحوا وقد ينجحون في مسارات الحياة الأخرى بعيدًا عن المدارس.

ومن المعلمين من لا يُبالي في أن يرسب الطالب حتى لو كان الفارق درجتين فقط، فمثلاً إن كان النجاح من 50 درجة، نجد أن الطالب قد حصل على 48 درجة وهو بذلك يعد راسبًا في المادة! وقد يكون الفارق أيضا ضئيلا بين تقدير ممتاز وجيد جدا.

وقد أخبرني ولي أمر أنَّ ابنته قد حصلت في إحدى المواد على 89 درجة وهذا يعني أنها حصلت على تقدير جيد جدا وهذا في صفوف النقل وليس الدبلوم العام وزميلتها حصلت على 90 درجة بمعنى أن تقديرها ممتاز، والفرق هنا درجة واحدة مع وجود التنافس الشديد بين الطالبات على المراكز الأولى، ومن ثم التكريم. ويستغرب ولي الأمر كيف تم حساب الدرجات بهذه الدقة ويتساءل عن هذه العدالة الفائقة مع العلم أن المعلم وفي صفوف النقل يملك الكثير من أدوات التقويم ويستطيع تقدير الدرجات بما يحقق العدالة بين الطلبة، ولعله أن يأخذ في الحسبان بعض الجوانب المختلفة عند وضع الدرجات مثل سلوك الطالب واجتهاده وظروفه وأحواله النفسية والصحية والعائلية فهذا الطالب إن أخفق في جانب يشفع له نجاحه في جوانب أخرى.

قلة من المعلمين والمعلمات لديهم هذا التشدد المفرط وهم عادة يلقون باللوم كله على الطالب وولي الأمر في تدني مستوى التحصيل العلمي عند الطالب، ويبرئون أنفسهم، مع أنَّ المسؤولية مشتركة بين المعلم وله الدور الأكبر والطالب وولي الأمر وربما المناهج والبيئة التي يعيش فيها الطالب.

يقول الراحل غازي القصيبي: "إذا رسب أحد الطلبة الذين أدرسهم فذلك يعد فشلًا لي قبل أن يكون فشلًا للطالب".

والحمدالله أن أمثال المعلمة هلالة البادية التي أسعدت لولوة وزميلاتها بعباراتها المحفزة، هم الأكثرية الغالبة من المعلمين والمعلمات، وهم الذين يبنون أجيال المستقبل الذين سوف تكون لديهم الثقة بأنفسهم والقدرة على الإبداع والإجادة والتميز والانطلاق في دروب الحياة بقوة واقتدار وعزيمة تقهر المستحيل وخدمة الوطن بل والإنسانية كلها.

شكرًا بحجم السماء للمعلمة هلالة البادية وأمثالها نحن نفخر بكم، ونضع فلذات أكبادنا أمانة بين أيديكم، ونعلم أنكم سوف تحافظون على هذه الأمانة بكل إخلاص وتفان وجد واجتهاد. وجزاكم الله عنا خير الجزاء.