د. خالد الغيلاني
بعد إجازة عيد الفطر المبارك، والتي مرت سريعًا، لا يتناسب قصرها مع متطلبات المجتمع، وعاداته، ففي مثل هذه المناسبات هناك العديد من العادات التي تعّود عليها الناس تتطلب أيامًا للقيام بها، لكن الإجازة في هذا العيد لم تكن بالقدر الكافي للقيام بكل تلك العادات، والزيارات.
وتبقى للعيد بهجته وفرحته، وهذا الذي كان ديدن الجميع، وهدفهم الأسمى، فالمهم استغلال كل وقت متاح منها في إظهار البهجة على النفس، وعلى من حولك. وقصر الإجازة يذهب بالجميع، ومن ضمنهم ذلك المجتهد المثابر، الذي يعمل بكل طاقة ممكنة ليكون مسؤولا، إلى منهج مهم من مناهج الحياة بشكل عام، وأساس من أسس العمل؛ ألا وهو التخطيط.
وجاء في معجم المعاني الجامع؛ تَخطيط: (اسم) مصدر خَطَّطَ، قَدَّمَ تَخْطِيطاً لِلْمَرْحَلَةِ القَادِمَةِ: برنامجا يَتَضَمَّنُ كَيْفِيَّةَ التَّمْوِيلِ وَالإِنْجَازِ وَطُرُقِ التَّنْفِيذِ، ووِزَارَةُ التَّخْطِيطِ في بعض الدول: الوِزَارَةُ الْمَسْؤُولَةُ عَلَى وَضْعِ البَرَامِجِ الوَطَنِيَّةِ وَالْمَشَارِيعِ الاِقْتِصَادِيَّةِ مَعَ أَخْذِ الأَهْدافِ وَمَرَاحِلِ التَّطْبِيقِ وَالتَّنْفِيذِ بِعَيْنِ الاِعْتِبارِ. والتَّخْطِيطُ: (في عِلم الرسم والتصوير): فكرةٌ مُثبتة بالرسم، أو الكتابة في حالة الخطّ ، تدلّ دلالةً تامَّة على ما يُقصد في الصُّورة أو الرسم أَو اللَّوح المكتوب من المعنى والموضوع، ولا يشترط فيها إتقان.
والتَّخْطِيطُ: وضْعُ خطة مدروسة للنَّواحي الاقتصاديَّة والتعليميَّة والإِنتاجية وغيرها للدولة.
ومن وجهة نظري البسيطة فإن التخطيط ضرورة لتحقيق الأهداف، وبلوغ الغايات، وهو المراد به إعداد الخطط والبرامج وفقا للإمكانات المتاحة، والموارد المتوفرة، في فترة زمنية واضحة ومحددة، تأخذ في الحسبان كل الاحتياجات اللازمة للتنفيذ، وتدرس كل التحديات المؤثرة على جودة التنفيذ، وعليه يكون للتخطيط أثرا ونتيجة.
والحديث في هذا المقال يراد به ذلك التخطيط الذي يلازم العمل المؤسسي، وترتكز عليه رؤية المؤسسة في جعل أهدافها وطموحاتها واقعا ملموسا، وعملا متحققا بجودة وإتقان.
ولعل فشل العديد من المؤسسات ليس لأنها لا تنتهج هذا النهج، ولا تخطط؛ وإنما أنها تغفل عن التخطيط الجيد القائم على الموائمة بين الأهداف والإمكانيات، والمعتمد على استغلال أمثل للموارد المتاحة في إطار مؤسسي متكامل.
تدرك كل مؤسسة ومسؤول أهمية التخطيط ودوره في تحديد متطلبات الواقع، وضرورات المستقبل، وبالتالي بناء أهداف عامة تتفق تماما مع المطلوب من المؤسسة، وحدود اختصاصها، ومهام عملها. ففهم طبيعة عمل المؤسسة يؤدي إلى صياغة أهداف تتناسب مع هذا الدور للمؤسسة، وبالتالي تخطيط مرتبط بالوظيفة المؤسسية سيؤدي إلى تحقيق أهدافها بشكل أفضل، وأكثرا انجازا، في وقت قياسي، دونما هدر للموارد.
ولأن التخطيط عمل مؤسسي، فالجميع عنصر من عناصر الإعداد لخطة العمل، ومتطلبات التنفيذ، فإن كان للجميع دورٌ في التخطيط، فإن دوره في التنفيذ أكثر تفاعلا، وأعظم إنجازا، وأكثر حرصا على نجاح الخطط، وتنفيذ برامجها بالشكل الذي يحقق الأهداف على الحقيقة، وبصورة تتخذ من الجودة أساسا لذلك.
ولا يمكن عند التخطيط إغفال الأدوار، وتحديد المهام، وهنا لا بد من إدراك. طبيعة الأدوار الداخلية في المؤسسة وتوزيعها، ومعرفة الأدوار الخارجية سواء لأفراد أو مؤسسات أخرى، وهذه يلزم التنسيق معها من مرحلة صياغة الأهداف، ومن ثم بناء الخطط وإعدادها، هذه المشاركة ستضمن لاحقا، قيامها بدورها بالشكل المطلوب، وعدم التحجج بأعذار واهية يلجأ لها البعض لإظهار عدم القناعة بالتخطيط المراد العمل به،وأكثر الأعذار (لم نكن معكم منذ البداية) وكم عطّل هذا العذر برامجَ، ونسف خططًا، وأخَّر تطويرًا.
والتخطيط عمل واقعي واضح قابل للتطبيق، وقابل للقياس، مستشرف للمستقبل، متسق مع متطلبات التنمية، قابل للتطوير والتعديل وفقا لمسارات التنفيذ، وتبعا لمقتضى الحال، وما يطرأ من مستجدات.
والتخطيط له مراحله التي يجب التدرج فيها، فلكل مرحلة دورها في عملية التخطيط، فأول المراحل؛ تحديد الأهداف من العملية التخطيطية، ودراستها ومدى مناسبتها وتوافقها مع دور المؤسسة، واتفاقها مع النظام والقانون، ومن ثم تبدأ مرحلة صياغة الخطة وتحديد مدد التنفيذ، مع الأخذ في الحسبان التحديات التي من الممكن أن تعترض مرحلة التنفيذ فيما بعد، وكيف يمكن التعامل معها وعلاجها أولا بأول، بعد ذلك تكون الخطة جاهزة للانتقال لمرحلة التنفيذ، وهذه تتطلب توزيع الأدوار وتحديد المهام ليكون التنفيذ دقيقا ومتسقا مع الأهداف.
هناك مرحلة مهمة، كثيرًا ما يتم إغفالها أو عدم العناية بها، وهي مرحلة المتابعة للتنفيذ، والتأكد من سير العملية التخطيطية على النحو المحدد، وتقييم عملية التخطيط، لتقويمها، ومعالجة مسارات تنفيذها.
هذه المراحل تعمل بشكل متوالٍ، ومن ثم تكون عملية ديناميكية متصلة في حلقة من العمل المستمر لضمان استدامة عملية التخطيط.
والتخطيط له أنواع مختلفة، وفقا لطبيعة عمل المؤسسة ومهام عملها، وكذلك وفقا لأهداف العمل المخطط له؛ فهناك خطط استراتيجية طويلة المدى. وهناك خطط قصيرة المدى، وهناك خطط وقتية بحسب الهدف المراد تحقيقه منها، وهناك خطط عند الحالات الطارئة، ويمكن التفصيل في هذه الأنواع في مقالات قادمة بإذن الله تعالى.
ومن الضروري أن نعلم أن لكل نوع منها ضوابط وآليات وإمكانيات تختلف عن النوع الآخر، ولكل منها مسار في اتخاذ القرار يتم تحديده وفقاً لطبيعة التخطيط ونوعه وأهميته.
وقبل أن أختم أبعث برسالة خاصة عامة إلى ذوي الاختصاص في وضع خطط تنمية وتطوير البنية الأساسية، في المحافظات عمومًا، وهنا أركز حديثي على الطرق الداخلية منها وفي الكثير من مدن عُمان وقراها، هذه الطرق التي أتت نتاج جهود مقدرة ومشكورة، وتنافس شريف في مسابقة شهر البلديات، والتي كان التركيز في معظمها على الكم، فكان الكثير منها دون المواصفات الفنية المطلوبة من حيث السُمك والارتفاع وتصريف مياه الأمطار ومسارات الخدمات والأكتاف ومتطلبات السلامة.
إننا اليوم وفي ظل تخطيط رائد ومستدام، ومن خلال صلاحيات واسعة، وفي ظل تغيرات مناخية واقعية من حيث عدد المنخفظات وتوقيتها وحجمها وقوتها وسعة انتشارها وعددها؛ بحاجة ماسة وضرورية وعاجلة للنظر في شبكة الطرق الداخلية، وتحديد أيهما أولى بالأخذ وسرعة التنفيذ؛ علاج مشاكل الطرق الحالية وارتفاع كلفة علاجها وإصلاحها مع مرور الوقت، وأثر وضعها الحالي على الممتلكات الخاصة والعامة والاستثمار ووسائل الجذب، أو التوسع في إنشاء طرق داخلية جديدة يقتضيها التوسع في المساكن والتخطيط العمراني المتسارع، أو التوازن في الأخذ بالأمرين وفق خطة واضحة محددة لمدة زمنية محددة.
هذا ما يحتاج أن يطّلع به المخططون الجيدون المختصون، بإشراف متابعة من أصحاب القرار وذوي الرأي والمشورة من مؤسسات ومجالس.
ختامًا.. أيها المسؤول الراغب في المسؤولية ليكن التخطيط على حقيقته حزاما تشد به عزمك، وتعضد به جهدك، وتحيط به عملك، لتمضي بخطوٍ واثق ٍ نحو تحقيق أهداف عظيمة لوطن عظيم وشعب كريم في ظل سلطان ديدنه البناء والتطوير.