بدية.. واحة عُمانية بمنظور تقني مستقبلي مختلف

 

 

د. دينا أبوشال *

تتميز الصحراء بظروف بيئية خاصة جعلتها مكانًا للاستقرار لبعض المجتمعات المعتمدة على الترحال في حياتها أو التجمع من مصادر المياه كالأودية والعيون والأبار، وذلك لأن الاستقرار حول الماء (الأودية)؛ سواء كانت عيونًا أوآبارًا أو بحيرات طبيعية، من سمات قاطني الصحراء لاستمرار الحياة.

واتسمت كل هذه التجمعات بخاصية التكييف مع الظروف المناخية، أحد العوامل البيئية الملازمة للصحراء. ولما كانت الصحراء تتميز برمالها الصفراء كان لذلك تأثيرا كبيرا على طبيعة إبداع الطابع العمراني والمعماري لتلك التجمعات الصحراوية. وبدأ الإنسان بعد ذلك الاستقرار في تلك التجمعات الصحراوية، ولجأ إلى بعض المرتفعات لتكون مأوى له يسكن فيه ولتحويه من تلك الظروف المناخية القاسية. ومع تطور الوقت احتاج إلى الترحال فكانت الأنسجة الطبيعية من وبر الحيوانات هى وسيلته لكى يصنع الخيمة التى يمكن طيها وحملها فى الترحال للبحث عن الموارد التي تساعده فى العيش مع دوابه من تلك الظروف القاسية.

 

الصحراء والعمارة

واستخدم الإنسان الصحراوي (البدوي) التربة المحيطة لتصنيع لبنات البناء الأولى التى تجاوزت مع الأحجار الموجودة فى المرتفعات المحيطة ليصنع خامة بناء بيئية مميزة له، تتشابه مع قوالب بناء بيئية مميزة له تشابهه مع قوالب الأشجار ليكون السقف كأحد أبرز المشاكل الإنشائية، واستطاع من خلال تطوير تلك المخلفات الزراعية الطبيعية أن يبنى بيتا كاملا بجريد النخيل فيما يعرف بالعريش. ومن الملاحظ من كل التجارب التقليدية السابقة أن الإنسان فى تعامله مع الصحراء كان ينتهج فكرة استخدام الموارد المتاحة فى تلبيه احتياجاته فى الاستقرار والمسكن وكيفية تطويع ذلك فى تصميم وإنشاء الفراغات السكنية وكذلك تكوين عناصر التأثيث الداخلية التى تساعده فى منظومة حياته اليومية. لذا؛ نجد إن التجربة البيئية للتعامل مع العمران فى العمارة الصحراوية يمكن الاستفادة منها فى دراسة الامتداد المستقبلى لتلك التجمعات للمحافظة على مكتسباتها وما اتسمت به من تطوير حتى تحقق الأهداف الحالية والمستقبلية بإذن الله لقاطني تلك التجمعات.

 

الحب الفطرى للطبيعة

ظهرت -نتيجة الحب الفطرى للطبيعة- رغبة أهل الحضر للجوء إلى تلك التجمعات الصحراوية بهدف السياحة والتعلم من تجربة التأمل فى الصحراء، وحدث تفاعل بين قاطني تلك التجمعات الصحراوية والسائحين في نقل التجارب لتنتج عمارة ذي فكر حديث وأفكار تفيد أهل التجمعات كمورد اقتصادي؛ مما أدى لإيجاد تداخل فى الطابع العمراني لتلك التجمعات وهو ما يمكن استثماره فى تحقيق رؤية بيئية أكثر توافقًا؛ حيث تتم الاستفادة من العنصر التقنى فى بناء وتصميم الاحتياجات المعمارية وتحوي بداخلها حيزات داخلية مريحة وظيفيًا وجماليًا، ويمكن أن تكون تلك المباني المعمارية الصحراوية دائمة أو فقط مؤقتة بغرض الترفيه السياحي.

بدية غير.. ما أجمل بدية التى تمتد جغرافيًّا من ولاية القابل بمحافظة شمال الشرقية وحتى ولاية الكامل والوافي، وتتميز بتكوينات الرمال فى المناطق المستوية والجبلية وهي بذلك تشكل مع بالتلال الرملية العالية لوحة فنية أبدعها الخالق سبحانه وتعالى تريح العين ويستمتع بها كل من يزورها.

بدية  تعدُّ ملاذَ السياح والزوار لحياة التأمل والأنشطة والفعاليات والرياضات والمخيمات والتى تحوى أمسيات تتمحور حدودها على حفلات الشواء التى تعد وسيلة للخروج عن ضغوط الحياة وروتين العمل اليومى والتى يتخللها المناظر المتحركة من رؤية الجمال والأغنام وركوب الخيول.

بالنسبة للمصمم الداخلى، أصبح لديه فى العصر التكنولوجي الذى نحياه الكثير من الأدوات مثل البرامج والمعلومات والذكاء الاصطناعى التى تمكنه من إيجاد الكثير من الحلول والتصميمات البيئية المستدامة ليستخدم فيها الموارد الطبيعية من أجل تحقيق استدامة بيئية بمنظور مختلف، ولكن: هل توقف التطور عند استخدام الموارد البيئية؟ وهل هذا فقط ما نبحث عنه خلال التجربة التصميمية السياحية الفريدة فى عمان؟ من وجهه نظرى كمصممة داخلية، أصبحت السياحة تعتمد على عنصر الإبهار والتصميمات الحديثة والمستقبلية، والتى تحوز على التفاعل من قبل الزوار، ويا حبَّذا إن كانت متفاعلة ومتوائمة مع الطبيعة ليصبح التصميم البارامترى منتجا للكثير من البدائل التصميمية ذات أفكار مختلفة، والتى يضع المصمم نواة الفكرة الأساسية لها حتى ينتج حلولًا أشبه بالخيال، وهنا يأتى دوره لمزج الخيال بالواقع وتنفيذ الخيال على أرض الواقع بما يخدم الفرد والمجتمع والبيئة السياحية بفكر بيئى مستدام.

والفكر التصميمي للتشكيلات المعمارية المتعارف عليها؛ حيث كان التصور السابق أن يكون التصميم الموجود فى الطبيعة مضادًا لها شكليًّا عن طريق الخطوط الحادة والمنتظمة والمتعامدة والمنكسرة؛ وذلك لتقوية المنظر العام بهدف جذب الانتباه ، ولكن مع التطور الفكري والتجارب المتراكمة اكتشف المصمِّم أن الطبيعة تحتوي على نظم وسلوكيات تترجم إلى حد بعيد بالأشكال العضوية؛ لذا تحولت أعماله من ترجمة الشكل إلى ترجمة المضمون.

قد يدعم هذا التحول التطور العلمى من حيث المحاكاة فى الخصائص ومنهجية التصميم والتناول من الداخل لخدمة المستخدم لتوفير بيئة داخلية متجانسة ومتوائمة مع احتياجاته وتطلعاته داخل الحيز.

ومن هنا، أصبحت بدية مصدر إلهام فكري لمصمم ذي تجارب تصميمية في  بيئات أخرى، فنحن من وإلى الطبيعة.

 

* أستاذ مساعد بكلية الزهراء - تخصص تصميم داخلي

تعليق عبر الفيس بوك