صاحب السمو السيد نمير بن سالم آل سعيد
في العام 1993م، وبالتحديد قبل ثلاثين عامًا، صدر مرسوم سلطاني رقم (58/93) بالتفويض في أحكام تنظيم زواج العُمانيين من اجانب، وصدر هذا المرسوم بملحق شروط محددة لزواج العُمانيين من أجل الحصول على تصريح زواج من وزارة الداخلية؛ وبالتالي لم يعد العُماني قادرًا على الزواج من أجنبية إلا في حالات استثنائية وبشروط خاصة، يتم التقصي في توافرها من خلال لجنة تبحث في الحالة الاجتماعية للمتقدم طالب الزواج، ثم يتم رفع توصية بالموافقة أو المنع للاعتماد، ومن يتزوج بغير تصريح يُعَاقب بغرامة لا تزيد على 1000 ريال، والفصل من الوظيفة العامة إذا كان موظفًا، ولا يُسمح له بتولي وظيفة حكومية إذا لم يتوظف بعد، ويتم منع زوجته من دخول البلاد.
هذا القانون لم تعرفه البلاد من قبل، ولم يفكر أحد في وضع شروط للزواج من خارج البلاد أو داخلها على المستوى الرسمي، إلى أن انبثقت هذه الفكرة لدى أحد المسؤولين الذي يريد أن يُظهِر حرصه على مصلحة المواطن والمواطنة، وربما بحسن نية ليكون "العُماني للعُمانية"، وإذا سولت لأحد نفسه بغير ذلك سيتعرض للاصطدام بالقانون بعقوبات مغلظة.
ويبدو أنَّه تم رفع التوصية للاعتماد دون دراسة شمولية مُعمقة لكافة أبعاد القرار؛ وأهمها عن مدى إمكانية التدخل في حياة المواطن الخاصة واختياراته الشخصية والتي يتحمل مسؤوليتها هو لا غيره، والتي يجب أن لا تمس أو تتعرض للمُصادرة.
ثلاثون عامًا وهذا القانون مُطبقٌ على العُمانيين، ولا ندري كم من القلوب التي حطمها هذا القانون، وكم من المُحبين الذين أبعدهم عن بعضهم البعض وأنهى آمالهم ببناء حياة سعيدة مليئة بالحب والعطاء، ثم عاشوا متفرقين بألم وغصة؛ لأنَّ القانون رفض طلبهم للزواج، الذي هو أساس الاستقرار والراحة والاطمئنان مع من يحبون، بسبب الجنسية المختلفة فابعدتهم المسافات وفرقتهم الدروب!!
لكن جاء المرسوم السلطاني الجديد في شأن الزواج من أجانب بإلغاء المرسوم السلطاني رقم (58/93)؛ حيث أصبح بإمكان العُماني من الزواج من الخارج دون قيد أو شرط مع عدم الإخلال بالنظام العام؛ فلا يتطلب أن يكون المواطن الراغب بالزواج من الخارج فقيرًا معدمًا أو مريضًا أو مشوهًا أو معوقًا أو مُسنًا ليُسمح له بالزواج من الخارج، ومع هذه الإباحة الحكومية الشاملة للزواج من الخارج فلا يجب الاندفاع للاقتران بالاجنبي، رغم أنَّ المجال بات مفتوحًا لذلك، وعلى المواطن قبل الإقدام على هذه الخطوة المهمة في مسار حياته تحكيم العقل حتى لا يكون هناك ندم حين لا ينفع الندم.
إلغاء مرسوم تنظيم الزواج من أجانب والصادر عام 1993، ليس لأنه مرسومًا خاطئًا فله إيجابيات في وقته وقد صمد فترة طويلة من الزمن دون إلغاء، وإنما حاليًا عفا عليه الزمن وتجاوزته المرحلة وانتهى دوره، كما يجب النظر في بعض القوانين الأخرى التي تجاوزها الزمن لإلغائها أو تعديلها بما يتوافق مع مرحلة الانفتاح الحضاري والاقتصادي التي تشهدها البلاد، بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- في مرحلة تتطلب قرارات واعية بأنظمة وقوانين مناسبة تتلاءم مع المسارات التي تنتهجها البلاد من تطوُّر وتجديد، مع منح ثقة أكبر للمواطن للمشاركة في اتخاذ القرارات التي تلامس شؤون حياته وتمكينه من التعبير عنها بصدق، ومنها حق الاختيار في الزواج ممن يراها مناسبة كشريكة لحياته، مُتحملًا المسؤولية التامة عن اختياره بغض النظر عن الجنسية؛ سواء كانت عُمانية أو غير عُمانية والوصاية في الأمور الشخصية وفرض الأمر الواقع يضيِّق على الإنسان حياته ويجعله غير مرتاح، ويعيش في كرب ونكد، ويؤدي ذلك للشقاق والطلاق والألم.
الآن.. الأمر متروك للمواطن ليقرر الزواج متى شاء وممَّن يشاء، فليُحسن الاختيار، وتظل نساء البلاد الأجمل والأفضل قربًا وتفهمًا وانسجامًا.