مودع مودع يا رمضان

 

 

د. سالم بن عبدالله العامري

"مودع مودع يا رمضان".. هكذا يودِّع المسلمون  في بعض مشارق الأرض ومغاربها شهر رمضان المبارك، سواءً بهذه العبارة أو غيرها من العبارات أو الأذكار تعبيرًا عن قرب رحيل شهر الصيام، وحزنًا على فراق أيامه ولياليه.

وعلى كلِّ حال، فالفراق صعب ومشروع، فقد كان بعض السلف الصالح يحزن حزنًا شديدًا إلى درجة أن يظهر على بعضهم علامات الحزن في يوم عيد الفطر، فقد روي عن علي -رضي الله عنه- أنه كان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان: "يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنِّيه، ومن هذا المحروم فنعزِّيه"! وعن ابن مسعود أنه كان يقول: "من هذا المقبول منا فنهنِّيه، ومن هذا المحروم منا فنعزيه، أيها المقبول، هنيئًا لك! أيها المردود، جبر الله مصيبتك"، إلا أنه يشرع للمسلم كذلك أن يفرح بإتمام شهره، وأن يدعو ربه بقبول عمله، يقول الله تعالى: "وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ".

بالأمس، كنا ندعو: "اللهم بلغنا رمضان" ومنذ أيام قليلة، هنأ بعضُنا بعضًا ببلوغ رمضان، واليوم، ونحن في الثلث الأخير من رمضان، وفي الليالي العشر الأواخر نقول وداعًا رمضان، وغدًا نقول انقضى رمضان، وأقبل عيد أهل التقوى والإيمان، فالأيام تمضي متسارعة، والأعمار تنقضي بانقضاء الأنفاس، وها هو شهر الرحمة والغفران، يوشك أن يقول وداعًا، وقلوبنا مملوءة بالشوق والحنين وعيوننا مملوءة بالدموع لعل أن يكون لنا معه عودة.

ها هو شهر الخير، قد قرب رحيله، فمع نهاية هذا الأسبوع يودعنا هذا الضيفُ الكريم... فأحسنوا وداع شهركم.. وضاعفوا الاجتهاد فيما تبقى من أيامه ولياليه، أكثروا من الذكر، وتلاوة القرآن، والصدقة والقيام، وإطعام الطعام، ففي صحيح مسلم أن رسول الله كان يجتهد في العشرما لا يجتهد في غيره.

ها هو شهر الصيام والقيام، يُلملم ساعاته ودقائقه الأخيرة، ويتهيَّأ للرحيل، كان ضيفًا جميلًا يؤلِّف بين القلوب ويهذِّب النفوس، فصم أخي المسلم ما تبقى من أيامه صيام مودع، وقم ما تبقى من لياليه قيام مودع، فشتان.. بين من يهل عليه هلال شوال وهو معتق من النيران، قد كُتب من أهل الجنان.. وبين من يهل عليه، وهو أسير الرغبات والشهوات، محروم من الخيرات والبركات.

ولأنَّ العبرة بالخواتيم، فاجعل أخي المسلم ختام الشهر بالاستغفار والتوبة، فإن الاستغفار ختام الأعمال الصالحة. كما أن إكمال الطاعات ينبغي أن يصاحبه طاعة الله وشكره على فضله وإكثار الدعاء وطلب القبول من الله.

نسأل الله الذي يسَّر صيامه وقيامه لنا أن يتقبله منا، وأن يجعله شاهدًا لنا لا علينا، وأن يعيننا على قيام ما بقي من رمضان في طاعته، وأن يتقبّل منّا صالح أعمالنا، وأن يبعدنا عن الذنوب والمعاصي في كلّ أيّامنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

تعليق عبر الفيس بوك