الحسد.. داء الأفراد والمجتمعات

حمد الحضرمي

الحسد.. خُلق ذميم، وقد أمرَ الله سبحانه بالاستعاذة من شره؛ فقال تعالى: "ومن شر حاسدٍ إذا حسد" (الفلق:5)؛ فالحسد خُلق دنيء يتوجَّه نحو المميزين والمبدعين والأهل والأقارب، فيحسد الحاسد أحدًا من هؤلاء، كأخيه أو صاحبه أو زميله في كل نعمةٍ، ويتمنى زوالها وأن تتحول إليه، وأن لا يُعطى أحد سواه شيئًا.

وقد ثبت أنَّ الحسد أول ذنب عُصِي الله به في السماء، عندما حسد إبليس آدم -عليه السلام- كما أنَّ أول ذنب عُصي الله به في الأرض، هو حسد ابن آدم، عندما حسد قابيل أخاه هابيل فقتله. وعليك أيها المسحود بدفع شر الحاسد، وذلك بالتعوذ بالله من شره والتحصن بالله واللجوء إليه، وبتقوى الله لأن من اتقى الله تولاه وحفظه ولم يكله إلى غيره.

وعلى المحسود الصبر على عداوة الحاسد، وأن لا يشكوه ولا يتحداه، والتوكل على الله؛ فمن توكل على الله فهو حسبه، أي أنَّ الله كافيه، ومن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوه، وأن يفرغ المسحود قلبه من الاشتغال بالحاسد والفكر فيه، فلا يلتفت إليه ولا يخافه، ثم التوبة إلى الله من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه، فإن الله تعالى يقول: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم" (الشورى:30). وعليك يا المسحود بالصدقة والإحسان كلَّما أمكن، فإن لذلك تأثيرًا عجيبًا في دفع البلاء ودفع العين وشر الحاسدين.

واعلموا أنَّ الأمور كلها بيد الله هو مُحرِّكها وفاطرها وبارئها، ولا تضر ولا تنفع إلا بإذن الله، فهو الذي يحسن عبده بها وهو الذي يصرفها عنه وحده لا أحد سواه، قال تعالى: "وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ" (يونس 107). وقد جاء عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا محمد اشتكيت؟" فقال: "نعم" قال: باسم الله ارقْيك. من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسدٍ الله يشفيك، باسم الله ارقْيك". وعن الزبير بن العوام رضى الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "دبّ إليكم داءُ الأمم: الحسد والبغضاء، هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بما يثبت ذاكم لكم؟ أفشوا السلام بينكم".

وقال الشاعر:

"كل العداوات قد ترجى إماتتها

إلا عداوة من عاداك عن حسدٍ"

وقال عبدالله بن المعتز -رحمه الله:

"اصبر على كيد الحسود فإن صبرك قاتله

فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله"

أمَّا الحقد فهو إمساك العداوة في القلب والتربص لفرصتها، وهو سوء ظن في القلب على الخلائق لأجل العداوة، كما أنه إضمار الشر للجاني إذا لم يتمكن من الانتقام منه، فأخفى ذلك الاعتقاد إلى وقت إمكان الفرصة.

والحقد يتساوى مع الضغينة ويرادفها تمامًا، وسبب الحقد أن من آذاه شخص بسبب من الأسباب وخالفه في غرضه بوجه من الوجوه، أبغضه قلبه وغضب عليه، ورسخ في قلبه الحقد عليه، والحقد تقضي التشفي والانتقام، فإنْ عجزَ الحقود أن يتشفى بنفسه أحب أن يتشفَّى من خصمه الزمان، وقد يحدث الحقد بسبب خبث النفس وشحها بالخير لعبادة الله تعالى.

فالحقد داءٌ دفين يفتك بالأفراد والمجتمعات، قال بعض العلماء: "ليس أروح للمرء، ولا أطرد لهمومه، ولا أقر لعينه من أن يعيش سليم القلب، مُبرَّأ من وساوس الضغينة وثوران الأحقاد، إذا رأى نعمة تنساق لأحد رضي بها، وأحس فضل الله فيها، وفقر عباده إليها، وإذا رأى أذًى يلحق أحدًا من خلق الله رثي له، ورجا الله أن يفرج كربه ويغفر ذنبه، وبذلك يحيا المسلم راضيًا عن الله وعن الحياة، مستريحًا أن يتسرب الإيمان من القلب المغشوش، كما يتسرب السائل من الإناء المثلوم".

إنَّ الحقد هو المصدر الدفين لكثير من الرذائل التي رهَّب منها الإسلام؛ فالافتراء على الأبرياء جريمة يدفع إليها الكره الشديد (الحقد)، وقد عدها الإسلام من أقبح الزور، أما الغيبة فهي مُتنفس حقد مكظوم، وصدر فقير إلى الرحمة والصفاء، ومن لوازم الحقد سوء الظن وتتبع العورات، واللمز، وتعيير الناس بعاهاتهم، أو خصائصهم البدنية أو النفسية، وقد كره الإسلام ذلك كله كراهية شديدة.

إنَّ الحاقدين تغلي مراجل الحقد في أنفسهم، لأنهم ينظرون إلى الدنيا فيجدون ما تمنوه لأنفسهم قد فاتهم، وامتلأت به أكف غيرهم، وهذا الغليان الشيطاني هو الذي يكون في نفوس الحاقدين، ويفسد قلوبهم، فيصبحون واهني العزم، كليلي اليد، وكان الأجدر بهم أن يسألوا ربهم من فضله، وأن يجتهدوا حتى ينالوا ما ناله غيرهم، إذ خزائنه سبحانه ليست حكرًا على أحد، والتطلع إلى فضل الله عز وجل مع الأخذ بالأسباب هو العمل الوحيد الذي يحقق لهم السعادة والسرور، وشتان ما بين الحسد والغبطة أو بين الطموح والحقد.

وفي الختام، اعلموا أنَّ للحسد مضارَّ منها على سبيل المثال: الحسد حسرات النفس وسقام الجسد، ثم لا يجد لحسرته انتهاء، ولا يؤملُ لسقامهِ شفاء، ومقت الناس له حتى لا يجد فيهم محبًا، وعداوتهم له حتى لا يرى فيهم وليا، فيصير بالعداوة مأثورًا وبالمقت مزجورًا، والحسد منبع الشرور العظيمة ومفتاح العواقب الوخيمة، كما أنه يُورث الحقد والضغينة في القلب، ومعول هدم في المجتمع، ويجلب النقم ويزيل النعم، ويسبب انخفاض المنزلة، وانحطاط المرتبة.

نسأل الله السلامة لنا ولكم من شر الحاسدين والحاقدين...،

تعليق عبر الفيس بوك