أحفاد مالك بن فهم يُعيدون السيوف إلى أغمادها

 

علي بن سالم كفيتان

تذكُر الروايات التاريخية المتواترة عن سيرة مالك بن فهم الأزدي أنه هاجر من اليمن على رأس قومه وحلّ في عُمان، مُشكلًا ملكًا عربيًا دانت له العرب والعجم، فخاض الحروب ومنح الهدن، وناور الفرس حتى أخلاهم من جزيرة العرب بالحرب تارة، وبالسلام تارة أخرى.

اليوم.. ما زال مُلك الأزد قائمًا على أركانه الصلبة ساريًا في أحفاده الغر الميامين، وما زال الدم اليمني يجري في عروقنا نقيًا طاهرًا لا تشوبه شائبة، وما زلنا أوفياء لتراب السعيد... إنه الانتماء الأزلي الذي لا يخبو ولا يتغير، ليُجسِّد ذلك كله في الوقوف الى جانب اليمن الأرض والإنسان دون مواربة، فأبواب منافذ صرفيت والمزيونة ظلّت مشرعةً على مصراعيها لكل قادم تقطعت به السبل، ليلقى النجدة والغوث من عُمان وشعبها، وفاءً للانتماء الأصيل، وردًا لمواقف خالدة سطّرها اليمن في أحلك الظروف مع عُمان.

ظلَّ موقفنا ثابت من الصراع في اليمن، وواجهنا في سبيل ذلك حملات التشكيك، ليقيننا أنه لا يصح إلّا الصحيح، فرغم تعالى الأصوات واشتداد الجلبة وكيل التهم الجزافية، عاد وفد مالك بن فهم إلى صنعاء بذات الهامات التي غادرت منذ زمن غابر، متأبطين خناجرهم الأزدية وعمائهم العربية الأصيلة، التي تحمل بشائر الوِئام والسلام، لتلتحم الأيادي العربية من جديد بين الإخوة والأشقاء في المملكة العربية السعودية، بقيادتها الشابة المتحفزة لفتح صفحات جديدة مع كل الشركاء في المنطقة، وبين اليمن السعيد، مخزون العروبة الذي لا ينضب، على أمل أن يتفق جميع الفرقاء على رسم مرحلة فارقة في تاريخ اليمن الجديد، يجد فيها الجميع مكانه المناسب، ويحفظ لليمن وحدته وكبرياءه، بدعم سخي من الأشقاء في الخليج، وبتوافق تاريخي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، جار الجُغرافيا وشريك التاريخ والإسلام، فقد توصلت جميع الأطراف برعاية عُمانية إلى أن ما يجمعنا في هذا الإقليم أكثر مما يُفرقنا.

إنَّ فوائد السلام ستعود على كل شعوب المنطقة بالرخاء والرفاه، وستفتح بابًا جديدًا للتعايش عبر منح البلدان والشعوب الحق في تشكيل الحُكم الرشيد الذي يتفقون عليه، بعيدًا عن التدخل في شؤون الغير. فما حدث في اليمن انعكس على البلدان الخليجية بشكل عام وسلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية بشكل خاص؛ فعُمان شكَّلت البوابة الوحيدة للعبور للخارج، والمملكة العربية السعودية استضافت ملايين النازحين اليمنيين، وعاملتهم بإنسانية عالية، كما صرح معالي عادل الجبير وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي قبل أيام، قائلًا إن كُل اليمنيين الذين وصلوا إلى الملكة لم يتم إيوائهم في مخيمات؛ بل عوملوا معاملة كريمة بعيدًا عن الضجيج والمُراءاة وتقارير المن والأذى، وهذا ما تعوده الجميع من مملكة الخير والعطاء، الحضن الدافء للعرب والمسلمين, فبعودة السلام سيعود كل هؤلاء إلى بلدهم، ويساهموا في إعادة بنائه، وسيعم التوافق مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية ليتنفس شعبها مجددًا، بعد سنوات مريرة، بينما كان المستفيد الكيان الصهيوني الذي اعتاد تطبيق قاعدة "فرق تسد" في منطقة الشرق الأوسط، بدعمٍ من القوى الغربية الراعية لهذا الكيان منذ إنشائه.

عندما يعُم السلام في جزيرة العرب، سيتعافى العراق، وستستقر سوريا وتستعيد مكانتها الرائدة في المحيط العربي، وسيلتأم جرح فلسطين النازف بوحدة وطنية فلسطينية تقود لاستعادة الأرض المغتصبة، وسيتراجع مَد ما يُعرف بـ"التطبيع" مع الكيان الصهيوني الذي يُدنس الأقصى الشريف ليل نهار، وستعلم القوى التي تدعم ذلك البطش وتلك الغطرسة، أن العرب اختاروا طريقًا آخر نحو الشرق الواعد، بقيادة سعودية قوية ومُلهمة، تمتلك كل مقومات النجاح، من حيث القيادة الشابة الطامحة، والمُمكنات الاقتصادية الهائلة، والقدرة على المناورة، وفرض الخيارات التي تكون في صالح الإنسان العربي من المحيط إلى الخليج؛ فقد بيَّنت التجارب هشاشة وضعف مصداقية الحليف الغربي من واقع الأزمة الأوكرانية التي كشفت المستور.

نشعرُ بفخرٍ عميق للأدوار التي تقودها سلطنة عُمان للوفاق في المنطقة؛ ففي كل محطات السلام، ستجد من يشكر عُمان وسلطانها المفدى، من الدول التي تقع في أتون الحروب والدمار، وصولًا إلى رؤساء الدول العظمى وإلى الشعوب التوّاقة للحرية والسلام، معترفين جميعًا بوجود صوت للسلام ومحطة آمنة لترميم ما أفسدته السياسة المتهورة، أو من يدفع بما بات يُعرف بـ"الفوضى الخلاقة" التي خلفت ملايين القتلى وأضعافهم من المُشرّدين والمحرومين من خيرات بلدانهم الغنية.. وحفظ الله بلادي.