مجالات العمل التطوعي

 

علي بن خلفان الخايفي

 

يشهد العمل التطوعي في سلطنة عُمان تطورًا واسعًا وإقبالًا كبيرًا من كافة شرائح المُجتمع ومؤسساته، يظهر ذلك من خلال ازدياد عدد الجمعيات والفرق الخيرية المنتشرة في جميع المحافظات والولايات، وكثرة عدد المنتسبين إليها، وكبر حجم ما تقدمه من مساعدات، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على وعي المجتمع بأهمية العمل التطوعي، وتمسكه بقيمه الدينية والوطنية في التعاون والتماسك الاجتماعي، والشعور بالولاء والانتماء، والمسؤولية الاجتماعية، وتظهر قوة هذا التلاحم والتعاون بين أفراد المجتمع في مواقف الأزمات التي يمر بها، كالملحمة الاجتماعية الرائعة التي رسمها أفراد المجتمع كافة بعد إعصار جونو وإعصار شاهين، وتأتي جائزة السلطان قابوس للعمل التطوعي داعمة لهذه الجهود، وممثلة للاهتمام الحكومي بهذا القطاع من العمل التطوعي المدني.

والعمل التطوعي في عُمان، وتقديم المساعدة لمن يحتاجها يعد- منذ القدم- من الواجبات الاجتماعية، وأحد مفردات الحياة اليومية على مستوى الفرد والأسرة والقبيلة، وأكثر ما يظهر قديما في مواسم الإنتاج الزراعي (الحراثة وزراعة المحاصيل)، وفي مناسبات الأعياد والأعراس وبعض الاحتفالات الدينية.

وبعد عام 1970، مع بداية النهضة الحديثة في السلطنة بدأت مرحلة التنظيم المؤسسي والقانوني للعمل التطوعي؛ حيث ظهرت وزارة التنمية الاجتماعية المعنية بالقطاع الاجتماعي، وقد صدر في يناير 1972 أول تشريع منظم للعمل التطوعي، تمثل في قانون الأندية والجمعيات في السلطنة، وفي العام نفسه تأسست أول جمعية تطوعية في عمان، هي جمعية المرأة العمانية في مسقط، التي تعتبر الظهور الأول لمؤسسات العمل التطوعي أو ما يسمى بمؤسسات المجتمع المدني. وقد حفظ النظام الأساسي للدولة الصادر في 6 نوفمبر 1996 حرية تكوين هذا المؤسسات المدنية وأعمالها التطوعية، فقد نصَّ في مادته رقم (33) على (حرية تكوين الجمعيات على أسس وطنية ولأهداف مشروعية وبوسائل سلمية وبما لا يتعارض مع نصوص وأهداف هذا النظام الأساسي مكفولة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون)، وفي عام 2000م صدر قانون الجمعيات الأهلية (14/ 2000)، وصدر القرار الوزاري (149/ 2000) الخاص بإشهار الجمعيات المهنية؛ حيث تمَّ إشهار الجمعية الجيولوجية العمانية كأول جمعية مهنية بقرار وزاري رقم 75/ 2001.

وتطوَّرَ مفهوم العمل التطوعي المعاصر ليشمل أنشطة ومجالات جديدة ومتنوعة، لم تكن موجودة سابقًا، كما تعدى المشاركة المحدودة على مستوى القرية والمدينة ليكون على مستوى الوطن والمساعدات الدولية، وأصبحت مؤسسات المجتمع المدني مساهما فاعلا في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وأصبحنا نسمع عن المساهمات في مجال حقوق الإنسان وحماية المستهلك، والاهتمام بالبيئة، والمساعدات التي تقدم في كوارث الفقر والحروب والجفاف، وكذلك ما يتعلق بالعناية بالمُعاقين وكبار السن والمرأة والطفولة.

ويمكن تقسيم مجالات العمل التطوعي في عمان، إلى:

المجال الاجتماعي: ويشمل المساعدات التي تقدم في التكافل الاجتماعي والمناسبات الاجتماعية، كرعاية الأطفال والمسنين والمعاقين ومناسبات الأعياد والزواج.

المجال الصحي: ويشمل أعمال المشاركة التي تقدم في الإسعافات الأولية، وحملات التطعيم والتبرع بالدم، وعمليات الإنقاذ في حالات الكوارث والفيضانات والحرائق.

المجال الثقافي والتعليمي: ويشمل أعمال المشاركة في التوعية الثقافية والتعليمية، وإقامة الندوات والمحاضرات، والمراكز التعليمية، والمكتبات، ومراكز محو الأمية، ودعم الأسر الفقيرة في تعليم أبنائها، وكذلك تقديم المنح التعليمية.

المجال البيئي: وهو من المجالات الحديثة التي يتم الاهتمام بها بشكل واسع لأهميتها في صحة وسلامة المجتمع، كحملات النظافة العامة، وحملات التشجير، وتنظيف مخلفات الكوارث الطبيعية.

المجال الاقتصادي: وتشمل مساعدة الشباب على العمل، وتكوين المشاريع، وإقامة الأسواق الخيرية.

المجال التوعوي: ويشمل كل المشاركات المعنية بالتوعية، مما تقوم به مؤسسات المجتمع المدنية والفرق الخيرية في مكافحة المخدرات، والتدخين، والإجرام، والانحراف.

مجال الدفاع عن حقوق الإنسان: ويشمل توفير مراكز الرعاية والحماية للمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة.

وحدد قانون الجمعيات الأهلية العماني (14/ 2000) المجالات التي تعمل فيها الجمعيات بما يأتي:

1.    رعاية الأيتام، ومن أمثلتها الرائدة (جمعية بهجة العمانية للأيتام في محافظة ظفار) التي تأسست عام 2014. وتقوم بدور كبير في دعم الأيتام والأسر بالتموين الغذائي وتأسيس مشاريع وقف للأيتام، وتقديم العناية الصحية والنفسية والثقافية لليتيم.

2.    رعاية الطفولة والأمومة، وهو الدور الرائد الذي تنشط فيه جمعيات المرأة العمانية في مختلف ولايات السلطنة.

3.    الخدمات النسائية: وتقوم بها أيضًا جمعيات المرأة العمانية لتنويع دور المرأة في التنمية الشاملة، وذلك من خلال برامج التدريب والتأهيل وحملات التوعية.

4.    رعاية المسنين: وتعمل في هذا المجال الجمعية العمانية لأصدقاء المسنين، التي أشهرت عام 2011، وتقدم خدماتها لفئة المسنين في كافة محافظات سلطنة عمان؛ من خلال فرق تطوعية تابعة للجمعية في جميع المحافظات.

5.    رعاية المعوقين والفئات الخاصة، ويوجد في عمان عدة جمعيات تطوعية تعمل في مجال رعاية المعوقين والفئات الخاصة، منها: جمعية رعاية الأطفال المعوقين، والجمعية العمانية للمعوقين، وجمعية التدخل المبكر للأطفال ذوي الإعاقة، وجمعية النور للمكفوفين، والجمعية العمانية التوحد، والجمعية العمانية لذوي الإعاقة السمعية، وجمعية الأمل أشهرت جمعية الأمل.

6.    التوعية البيئية لصون وحماية البيئة، وتعمل في هذا المجال جمعية البيئة العمانية، التي أشهرت عام 2004.

7.    التوعية الجماهيرية المتعلقة بسلامة الطرق من خلال (الجمعية العمانية لسلامة الطرق).

8.    رعاية مدمني المخدرات والمؤثرات العقلية وتهتم بهذا المجال "جمعية الحياة" التي أشهرت عام 2009.

9.    تقديم المساعدات المالية والعينية للفقراء والمحتاجين من خلال مؤسسات وفرق خيرية متنوعة، مثل جمعية دار العطاء، والفرق الخيرية المنتشرة في جميع ولايات السلطنة.

10.  تثقيف وتوعية المجتمع حول القضايا المتعلقة بالمجالات المهنية المختلفة، وتعمل في ذلك الجمعيات المهنية التي بدأت بالإشهار منذ عام 2001 ومنها الجمعية الجيولوجية العمانية والجمعية الطبية العمانية وجمعية المهندسين العمانية.

11.  رعاية الجاليات في عمان في المجالات الاجتماعية والثقافية والتربوية، لتعزيز جوانب التعارف والتعاون بين أفراد الجالية الواحدة، ويتم ذلك من خلال النوادي الاجتماعية للجاليات، التي بدأت بالإشهار من عام 1995م.

12.  المشاركة في مجال التعامل مع الكوارث وتقوم بذلك مختلف مؤسسات العمل التطوعي في عمان.

ومع انتشار العمل التطوعي بالسلطنة، وتنوعت مجالاته، إلا أنه يواجه بعض التحديات التي يستدعي الوقوف عندها، ومحاولة تجاوزها، ومنها:

1.    حاجة بعض التشريعات القانونية المنظمة لعمل مؤسسات المجتمع المدني، إلى المراجعة المستمرة، بما يجعلها تنسجم مع التنمية الشاملة والمتنوعة التي تشهدها السلطنة

2.    ضرورة أن يكون للإعلام دور أكبر في الترويج لمؤسسات المجتمع المدني، وأعمالها التطوعية، وذلك أن محدودية دوره يشكل عائقا أمام تطور هذه المؤسسات، وتوسع أعمالها.

3.    يلاحظ أحيانًا أن هناك تشتتا في الجهود التطوعية المقدمة، وذلك بسبب عدم وجود الترابط بين المؤسسات التطوعية لتطوير التعاون بينها والعمل الجماعي، توزيع المهام في مواجهة الأخطار، وخاصة عند الكوارث.

4.    تعاني بعض مؤسسات المجتمع المدني من ضعف جوانب الدعم المقدمة لها، كالمقار الثابتة، وجوانب الدعم المادي لتسيير أعمالها المختلفة.

تعليق عبر الفيس بوك