تطلعات نحو قيادة وإدارة مالية واقتصادية

د. أحمد بن خلفان البدوي

 

يتساءل الكثيرون عما يحدث بالمشهد الاقتصادي للسلطنة من معالجات وتصحيح لبعض مسارات مفاصل العمل المؤسسي، لا سيما الاقتصادية منها، وذلك من خلال البرامج الوطنية قيد التنفيذ، إلى جانب معرفة ما يدور من توقعات للنتائج والمخرجات والتي يتطلع إليها المجتمع لملامسة طموحاته وتطلعاته باعتباره ركيزة التنمية والاستدامة، ومدى انعكاس ذلك على الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة، وذلك وفق ما يرسمه واضعو السياسة العامة من خطط واستراتيجيات ستنفذها الحكومة الرشيدة في إطار خططها الخمسية القادمة بدءًا من الخطة الخمسية التنموية العاشرة (2021- 2025) والتي تعد أول خطة تنفيذية لرؤية "عُمان 2040".

والتوجه لإعادة رسم خارطة طريق لأي مسار تنموي أو اقتصادي، يهدف إلى تحقيق قيمة مضافة، وأن ما يتطلبه الأمر على أرض الواقع أهمية تجسيد العمل المؤسسي من قبل منفذي السياسة المالية والاقتصادية لتعزيز محوري التنمية والاقتصاد؛ وذلك من خلال ما تُقره الحكومة الرشيدة ضمن الأولويات الوطنية المُعلنة برؤية عُمان 2040. ونُؤكد في هذا المقام أن نظرة الاستدامة لأي مفصل اقتصادي ممثلا بقطاع ذي استقلالية أو يراد به مواءمة أكثر من قطاع، فكلاهما يعتبران ركيزة أساسية لتمكين السياسة المالية والاقتصادية، في حين أن هذه النظرة تأتي متوافقة مع التوجهات الاستراتيجية المُعلنة وتنفيذها يحظى باهتمام ومتابعة حثيثة من قيادة حكيمة لقائد مسيرة النهضة المتجددة مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم - يحفظه الله ويرعاه-.

ومع الاطلاع على خطة التوازن المالي (2020- 2024) من واقع دراسة مؤشرات الجوانب المالية والاقتصادية للسلطنة والنتائج والتي أُجريت بناءً على دراسة أسباب الانخفاض المفاجئ لمستويات الأسواق العالمية وضعف مرونة الإنفاق وعدم اتخاذ إجراءات كافية تتناسب مع الوضع المالي، نجد أن مثل هذه التحديات التي واجهت السلطنة في العام 2015 أدت الى بلوغ العجز التراكمي للفترة (2014- 2019) لأكثر من 20 مليار ريال عماني، وأن الدين العام ارتفع من 1.5 مليار ريال عماني الى 17.6 مليار ريال عماني بين عامي 2014 و2019، كما إن المركز المالي انخفض من الترتيب 6 عالميًا في العام 2011 إلى الترتيب 112 عالميًا في العام 2020 من أصل 114 دولة وفق تصنيف صندوق النقد الدولي، إضافة لجملة هذه التحديات المالية آنفة الذكر قد صاحب التأثير المالي أيضًا أثار جائحة كورونا (كوفيد-19) والتي أدت الى انخفاض إيرادات النفط والغاز والايرادات غير النفطية وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 4 مليارات ريال عماني نتيجة لهذه الآثار الاقتصادية، وعلى نتائج تحليل المؤشرات الخاصة للجوانب المالية والاقتصادية وفق ما خرجت به فرق العمل والمختبرات التخصصية. وجاءت الرغبة الوطنية لتعزيز الواقع التنموي والاقتصادي بعيدًا عن الاعتماد على الإيرادات النفطية ومشتقاتها؛ حيث تمثل ذلك في إطلاق العديد من البرامج الوطنية التي ستوائم العمليات التنفيذية والإجرائية للسياسة المالية والاقتصادية بهدف التنمية والاستدامة مع التأكيد على وجود الشراكة المجتمعية.

ومن بين هذه البرامج الوطنية التي تضمنتها خطة التوازن المالي (2020- 2024) البرنامج الوطني للاستدامة المالية وتطوير القطاع المالي "استدامة"، والبرنامج الوطني لجلب الاستثمار "نزدهر"، والبرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي "تنويع"، والبرنامج الوطني للتشغيل "تشغيل"، وذلك وفقًا لتوجه الحكومة المستقبلية.

ومن هنا، فإن مخرجات البرامج الوطنية التي تنفذها الحكومة الرشيدة من خلال فرق عملها التخصصية لا شك أنها محل ثقة لتتعايش مع واقع العمل المؤسسي وفق المنظومة  التكاملية المستقبلية على اعتبار أن ذلك من الإجراءات والمسارات التي ركزت على دعم النمو الاقتصادي وتنشيط وتنويع مصادر الايرادات الحكومية وترشيد ورفع كفاءة الانفاق الحكومي ورفع كفاءة الإدارة المالية العامة، كما إن ذات الأمر يدفع نحو حوكمة كافة الإجراءات والمسارات من أجل ضمان الاستدامة للسياسة المالية والاقتصادية.

ندرك تمامًا أن اتباع توجيهات النهج السامي لتنفيذ البرامج الوطنية متوافقة لما يحدث من توجهات مستقبلية للعديد من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية باعتبار أنها ظلت دولًا ريعية لفترات طويلة، وأنه آن الأوان لأن تكون لها مسارات تنموية واقتصادية تضمن التنمية والاستدامة، مع أهمية تأسيس قيادة وإدارة اقتصادية تخصصية، وستحدث مع قادم الأيام عن النظرة المالية والاقتصادية وما مدى ارتباط البرامج الوطنية والتي هي حيز التنفيذ لتعزيز تحقيق الأهداف الإستراتيجية المُعلنة برؤية "عُمان 2040".

تعليق عبر الفيس بوك