لو كنتُ مسؤولًا

 

د. خالد بن حمد الغيلاني

khalidalgailni@gmail.com

@Khalidalgailani

 

بدايةً لا بُد من التهنئة بشهر الخير والفضل والبركة، هذا الضيف المنتظر كل عام، والذي تتجلى فيه الرحمات، وتزداد الأجور والمثوبات، فطوبى لمن أغتنم فرصته، وأسعد نفسه، وأدى واجبه.

ومن ثم فالعذر كل العذر منكم لعدم الكتابة خلال شهر كامل أو يزيد قليلا، ذلك أني كنت منشغلا بعمل تطلب حضورا كاملا لكل الجوارح، وتفاعلا معه إلى أقصى درجات التفاعل، وحميمية لعلها تأتي بالمأمول منه وفقاً للمحدد من الأهداف.

ومهما كان البعد، فبيني وبين الكتابة ودٌ لن ينقطع طالما هناك قلب ينبض، ورغبة أكيدة، وشغف بالولوج إلى قضايا مجتمعنا؛ لطرق بابها بشيء من النظر والتحليل.

ومقال هذا الأسبوع وما يليه بإذن الله تعالى سيكون وستكون موسومة بالعنوان "لو كنتُ مسؤولًا"؛ وهو سؤال يتبادر لكثير من الناس فالموظف الراغب في رئاسة قسمه يسأل هذا السؤال لنفسه، ورئيس القسم الراغب في إدارة الإدارة المنتمي إليها يسأل نفسه، وهكذا دواليك من وظيفة لغيرها سواء كانت أعلى أو في ذات المستوى.

والسؤال الذي يتبادر لمن عنده طموح ورغبة في الرقي الوظيفي، أو العمل في مجال آخر ومهام جديدة؛ هو لو كنتُ مسؤولا سأحرص على العمل من خلال فريق العمل، ومعنى ذلك العمل الجماعي الذي تفتقده الكثير من المؤسسات، والمفهوم من فريق العمل أنه مجموعة من الأشخاص تجمع بينهم إما أهداف أو مهام، أو مسميات، يتولون إنجاز المطلوب منهم في إطار تشاركي تكاملي.

وأي مسؤول أو مؤسسة بحاجة ماسة، وضرورية لهذا النوع من التنظيمات المؤسسية، لأنَّ العمل بشكل جماعي؛ ومن خلال فرق العمل يتيح المجال لتبادل الآراء والأفكار، ويمنح الأعضاء فرصة سانحة للنقاش وتبادل المقترحات المتاحة، مما يمكّن من الوصول لأفضل الحلول، وتجاوز أغلب التحديات.

كما إنَّ العمل من خلال فرق العمل يمنح المؤسسة القدرة على قراءة الواقع بشكل أكثر دقة وحرفية، ومن ثم استشراف المستقبل، وتوقع المخاطر، ورصد التحديات، وتحديد أفضل الحلول، والإجراءات التي من شأنها تنفيذ المهام بأقل قدر ممكن من الهدر والمخاطر.

ولا يفوتنا أن العمل الجماعي من خلال فرق العمل؛ يمنح الجميع المشاركة في اتخاذ القرار، وبالتالي تحقيق النظرة الإيجابية المطلوبة تجاهه، والدفاع عنه، والعمل على تنفيذه بقدر عال من الأداء والجودة.

ولفرق العمل دور أساسي في متابعة خطط العمل والتأكد من إنجاز المطلوب، وتنفيذ البرامج، ومتابعتها مما يُساعد في تقييم الأداء، ومن ثم تقويمه وتعديل مسارات العمل نحو الأفضل.

وفي ظل رؤية "عمان 2040" فإنَّ لفرق العمل دورًا رائدًا في تحقيق أهداف الرؤية، وتنفيذ خططها وبرامجها سواء كانت عامة، أو خاصة، إضافة لتحقيق درجات أعلى من النمو والاستدامة.

ويجب الإشارة إلى أن فرق العمل يراد منها تجاوز الترهلات أو البطء في الإنجاز، فإن أسهمت هذه الفرق في تقليل مستوى الإنجاز فهناك خلل لا بد من علاجه في طبيعة عملها، أو تعامل رئيسها، أو توزيع المهام بين أعضائها.

وفرق العمل تختلف في المطلوب منها عن اللجان؛ فهي أكثر فاعلية، وأكثر إنجازا، وأقل في هدر الوقت والجهد، ذلك أن فلسفة عملها تقوم على توزيع الأدوار والمهام، وعدم الاتكال على شخص دون آخر، كما أن لقراراتها التي تحظى بالقبول والتنفيذ دورا في إعطاء هذه الفرق مكانتها المرجوة.

لقد أصبح اليوم الاهتمام بفرق العمل، والاعتماد عليها؛ من أفضل ممارسات العمل الإداري، ومن أنجعها منهجية ووضوحا في تحقيق الأهداف، وبالتالي العمل على تجويد الأداء.

ولكن للأسف الشديد مما يضعف دور هذه الفرق قصر نظر المسؤول الذي يعتمد أسلوب "لا أريكم إلا ما أرى"، أو أن اختيار أعضاء الفريق من غير ذوي الاختصاص المعنيين بمهام عمله، أو النظر في تكوينه على أساس مبدأ الرئيس والمرؤوس فيتحول الفريق إلى تقسيمة أخرى في المؤسسة خاضعة لرأي وتوجيه المسؤول وحسب، أو الشعور السلبي الذي قد يتبادر للبعض من دور هذه الفرق في إظهار ضعف بعض المسؤولين وقدراتهم الفنية والإدارية، أو حجب الكثير من البيانات والمعلومات التي يحتاج إليها فريق العمل عن أعضائه مما يسبب خللا في الوصول إلى النتائج المرجوة، أو العمل في الفريق بشكل تنافسي يدفع بأعضائه نحو تنافس أهدافه شخصية، وغاياته ذاتية، فينحرف مسار العمل نحو طريق اللاعودة، فيصبح الفريق عبئا لا بد من التخلص منه.

في ظل ما نشهده من تسارع وتفاعل وتطور وتداخل في الكثير من المجالات والاختصاصات؛ أصبحت فرق العمل مهمة وضرورية، وغدت الحاجة إليها أكثر إلحاحا في ظل متطلبات الجودة والتطوير وتحقيق أهداف وطنية تتطلب بذلا وجهدا وتعاونا وأداء، وعليه فلو كنتَ مسؤولًا راغبًا في النجاح فليكن العمل من خلال فرق العمل ضمن أولويات إدارتك وعملك.